قبسات ضوء نحو المثلث الذهبى جنوب غربيّ مصر تتعدد التجمعات الجغرافية على امتداد المنطقة العربية، من مجلس دول التعاون الخليجى الست، إلى ما يطلق على تجمع «المشرق العربي» بين مصر والأردن والعراق، إلى منظومة الدول المغاربية (محدودة النشاط)، بمشاركة مصر كعضو مراقب، وما إلى غير ذلك من تنظيمات سرعان ما تفككت بعد سنوات قلائل من التئامها الهشّ، لأسباب مختلفة، كاتحاد الجمهوريات العربية- والوحدة المصرية- السورية- ومجلس التعاون العربى- والاتحاد الهاشمي.. إلخ، إلا أن الأمل لا يزال يراود التطلعات العربية بشأن تكوين ما يسمى اتحاد دول «المثلث الذهبي» جنوب غربى مصر.. حيث قد يضمها مع جارتيها الجنوبية والغربية- السودان وليبيا- لكنه على ما يبدو بعيد المنال رغم محاولات سابقة مبتسرة نحو إحيائه من خلال «ميثاق طرابلس» 1971، وعبر اتفاقيات التكامل بين مصر والسودان 1981 لكن دون أن تبصر مساعيهما النور فى نهاية الشوط لتحقيق التعاون الفعال بين أضلاع «المثلث الذهبي» لما سوف يعود على أطرافه من مزايا جمة إستراتيجية واقتصادية، ربما كانت وراء تشجيع السودان لأن يكون الاستثناء العربى فى عدم قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر غداة توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل 1979ولهدف تأكيد اتفاقيات التكامل بين البلدين التى سرعان ما أصبحت أثرًا بعد عين.. منذ تعرض السودان خلال النصف الثانى لعقد الثمانينيات لثلاثة متغيرات سوسيولوجية عبر الإطاحة بنظام «النميري» قبل تولى «حزب الأمة» الحكم إلى أن أطاح بالأخير انقلاب عسكرى متحالف مع الإسلام السياسى 1989حاول اغتيال الرئيس المصرى فى أديس أبابا 1995ما صبغ العلاقات الثنائية بالمزيد من التوترات المختلفة لنحو ثلاثة عقود.. إلى أن أطاحت ثورة شعبية مدعومة من الجيش بالمؤتمر الوطنى الحاكم بقيادة «المشير» فى العام 2019لصالح مجلس سيادى من مدنيين وعسكريين إلى جانب حكومة انتقالية تراعى مختلف الأطياف السياسية والأقليات والعرقيات السودانية، كان لافتًا أن تحوطها فى الأزمات محبة المصريين، وفق مقولة وزير الثقافة السودانى، أدت إلى إطلاق البلدين مبادرة ذات جناحين، سواء فى المجالات الشعبية للقطاعات الشبابية والثقافية والفنية، كما بالنسبة للمجهودات الرسمية الإيجابية فى سبيل الربط بين البلدين من خلال التفاعل والحوار البنّاء لتنمية المصالح المشتركة لدولتى وادى النيل، ناهيك عن عودة السودان لتفهم دواعى سياسة مصر- قبل أربعة عقود- بالنسبة لرؤيتها ضرورات السلام فى الشرق الأوسط، إلى غير ذلك من تطورات ثنائية قد يؤدى المضى فى التأكيد عليها إلى ما من شأنه الامتداد بإيجابياتها نحو ليبيا التى تمثل الجسر البرى (بخلاف وادى حلفا) بين مصر والسودان عبر الامتداد للظهير الصحراوي، بين الساحل (البحر المتوسط) إلى صحراء تشاد، مرورًا بالعوينات، وعلى امتداد نحو 800 كم عبر السد العالى إلى شمال السودان، الأمر الذى تمثله ليبيا كوصلة وجسر بين مصر وامتدادها المغاربى والأفريقى، بدلًا مما يراد لها بمثابة الحاجز بينهما (على غرار زرع إسرائيل فى فلسطين لمنع تواصل مصر مع المشرق العربي)، وعلى ذلك ما إن اقترب البلدان منذ 1969 نحو «الوحدة الاندماجية» إلا سرعان ما دبت خلافات الغيرة الدبلوماسية بين زعامتى البلدين، وإلى حد الاشتباك المسلح على حدودهما 1977وليظلا على جفوتهما لما قبل سنوات من غزو قوات «الناتو» ليبيا 2011 بذريعة حماية الثورة ضد النظام الحاكم، ولتغرق البلاد فى الفوضى منذ ذلك التاريخ، بحيث بات أمن مصر القومى مهددًا، بجانب الشرق، صوب حدودها الغربية الليبية، كما من ناحية حدودها الجنوبية السودانية، وليصير مجرد التفكير فى تكامل أضلاع «المثلث الذهبي» المأمول، ليس غير أضغاث أحلام، قبل أن تتهيأ الفرصة لمعاودة التطلع الإستراتيجى إليه مجددًا، بالتوازى مع ثورة السودان 2019 التى هيأت الظروف، بجانب الاستقرار السياسى والأمنى لمصر، إلى أن تسعى ليبيا فى العام 2021 نحو توحيد مؤسساتها من خلال تشكيل ترويكا تنفيذية برلمانية (مجلس رئاسى وحكومة توافقية ذات «محاصصة أقل»)، تمهيدًا لإجراء الانتخابات التشريعية الرئاسية نهاية العام، رغم استمرار تدفق المرتزقة إليها من جانب تركيا – الظهير البحرى من شمال شرق البحر المتوسط نحو ليبيا فى غرب البحر إذ تعوق بتدخلاتها المباشرة المسيرة الليبية نحو الاستقرار، كما تتسبب خلافات سياسية وحزبية داخل تونس- الظهير الغربى لليبيا- تهدد بالنزول إلى الشارع، عن تواطؤ بين جماعات الإسلام السياسى فى البلدين الجارين، ذلك فى موازاة لما يتعرض له الضلع السودانى من «المثلث الذهبي» من جانب ظهيره الإثيوبى من جهة الجنوب.. الذى تشبه الدولة السودانية اعتداءاته على أراضيها بـ«الاستيطان»، ناهيك عن السعى الإثيوبى (مع إسرائيل) لتأجيج الصراع حول الحصة المائية لمصر والسودان فى مياه النيل، ذلك دون استثناء الدولة العبرية الظهير الشرقى لمصر، الموصوفة من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية 1996بـ «أعداؤنا الذين فى الجنوب»، وبحيث لا تقتصر مشاكل دول «المثلث الذهبي» على اختلال أوضاعها الداخلية فحسب، ولا بسبب ارتباك تحركاتها الخارجية فقط، إنما أيضًا كنتيجة للمتربصين بهم من خلف ظهرانيهم فى هذه المنطقة الجيوسياسية- اقتصادية، إلا أن تستجمع العواصم الذهبية الثلاث مقتضيات عروبتهم وأفريقيتهم للوصول مجددًا لقبسات ضوء نحو تضامن أضلاع المثلث الذهبى جنوب غربيّ مصر
End of current post