Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

في مدينة العقاد 342.. الإسلام فى القرن العشرين 3

عقيدة شاملة يتناول الأستاذ العقاد فى هذا القسم، شمول عقيدة الإسلام، وهو مع إقراره بأنها ليست صفة خفية لا تظهر للناظر، إلاَّ أن إدراكها من الناحية العلمية لا يتأتى بغير الدراسة الوافية والمقارنة المتغلغلة بين وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بين الديانات. ومع ذلك فإن الناظر القريب قد يدرك شمول العقيدة ا

في مدينة العقاد 342.. الإسلام فى القرن العشرين 3
رجائى عطية

رجائى عطية

10:06 ص, الأربعاء, 9 نوفمبر 16

عقيدة شاملة

يتناول الأستاذ العقاد فى هذا القسم، شمول عقيدة الإسلام، وهو مع إقراره بأنها ليست صفة خفية لا تظهر للناظر، إلاَّ أن إدراكها من الناحية العلمية لا يتأتى بغير الدراسة الوافية والمقارنة المتغلغلة بين وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بين الديانات.

ومع ذلك فإن الناظر القريب قد يدرك شمول العقيدة الإسلامية من مراقبة أحوال المسلم فى معيشته وعبادته، ويكفيه لهذا أن يرى المسلم قائمًا بعبادته بغير وصاية مستقلا عن الهيكل والصنم والأيقونة والوثن، وأنه من ثم وحدة كاملة فى دينه يعلم ما يرغبه وما يحتاجه من ذلك الدين بلا احتكار من أحد.

لقد ظهر الإسلام إبان دولة الكهانة والمراسم، وواجه أناسًا من الوثنيين، أو من أهل الكتاب الذين صار بهم الجمود إلى حالة كحالة الوثنية فى تعظيم الصور والتماثيل والتعويل على المعبد والكاهن فى شعائر العبادة.

فلما ظهر المسلم، ظهر الشمول فى عقيدته، وظهر أنه مع الله فى كل مكان، لا يعتمد على مشيئة أو وساطة كاهن، فأينما تولوا فثم وجه الله.

يتجلى ذلك فى شعائر الحج على سنة المساواة، وفى الآيات التى خاطبت الرسول بأنه إنما هو بشر مثلهم، وما عليه إلاَّ البلاغ، وما هو عليهم بجبار ولا بمسيطر، وما أرسله الله إلاَّ كافة للناس بشيرًا ونذيرًا. وقرأ المسلم من الآيات القرآنية ما لا يخرج فى وصف الرسالة عن هذه المعانى.

لقد كان فساد رجال الدين سبب الانصراف عنهم وعن دينهم ودخول الناس فى دين الله أفواجًا، ولا مجال لهذا الفساد فى الإسلام، لأنه لا كهانة فيه، ولا يملك أحدًا الإدعاء بنفوذ أو بوساطة لدى الله تعالى.
«وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» (فاطر 13 – 15).

فالجميع غنيهم وفقيرهم فقراء إلى الله، وكلهم لا فضل لأحدهم على آخر إلاَّ بالتقوى، وكلهم فى المسجد سواء، ومسجدهم كل مكان فوق الأرض وتحت السماء.

عقيدة المسلم لا تتوقف على غيره، ولا تبقى منه بقية وراء سره وجهره. لا ترتفع إمامة أحد فى مسجد، فوق مقام النبى صاحب الرسالة الذى يبشر وينذر، ولا يتجبر ولا يسيطر، وما عليه إلاَّ البلاغ المبين.

ومنذ يسلم المسلم، يصبح الإسلام شأنه، ومأواه الذى يأوى إليه، فإذا شق عليه أمر فليسأل أهل الذكر بلا وصاية ولا وساطة، «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» (القصص 77)
«وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا * مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ» (الأحزاب 3 – 4)

وهذه العقيدة الشاملة التى تجعل الإنسان مستقلاً بدنياه وآخرته، تعفيه من شقاء الانفصام أو التفرقة بين ما لله وما لقيصر. فالأمر جميعه فى الإسلام إلى الله.«بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا» (الرعد 31)«وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ» (البقرة 115)«رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ» (الشعراء 28)

أبت هذه العقيدة على الإنسان أن يطيع الحاكم بجزءٍ منه، وأن يطيع الله بغيره..

وأبت على الزوجة أن تعطى بدنها لزوجها وتنأى عنه بروحها وسريرتها..

وأبت على الإنسان أن يستريح إلى «الفصام الوجدانى».

وقد تجلى هذا الشمول، أو هذا الشأن العظيم، فى عمل الفرد على نشر عقيدته الإسلامية، فقد أسلم عشرات الملايين فى الصحارى الأفريقية على يدى تاجر فرد، أو صاحب طريقة متفرد فى خلوته، لا يعتصم بسلطان هيكل ولا بمراسم كهانة، وصنعت قدرة هذا الفرد الواحد ما لم تستطع صنعه جموع التبشير ولا سطوة الغلبة والفتوحات.

وينبغى أن نفرق بين الاعتراف بحقوق الجسد وإنكار حقوق الروح، فحقوق الجسد ليست إنكارًا للروحانية ولا تستلزم هذا الانكار.

وهذه علامة من علامات شمول العقيدة الإسلامية، فلا يوصف بالشمول دين ينكر الجسد، كما لا يوصف بالشمول دين ينكر الروح.

وقد أشار القرآن الكريم إلى الفارق بين عالم الظاهر وعالم الباطن فى قصة الخضر وموسى عليهما السلام. وذكر تسبيح جميع الموجودات ما كان ناطقًا أو جامدًا لا حياة ظاهرة فيه.«وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (الإسراء 44).

ويكفى المرء أن يتعلم هذا من كتاب دينه ليبيح لنفسه من سبحات التصوف كل ما يستباح فى عقائد التوحيد.

وحسب المرء أن يرضى مطالبة الروحية ولا يخالف عقائد دينه ليوصف ذلك الدين بالشمول، ويبرأ فيه الضمير من داء الفصام.

كذلك يخاطب الإسلام العقل، ولا يقصر خطابه على الضمير أو الوجدان. وفى حكمة أن النظر بالعقل هو طريق الضمير إلى الحقيقة، وأن التفكير باب من أبواب الهداية. «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا» (سبأ 46) «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» (البقرة 226)
وفى مشكلة المشكلات التى تعرض للمتدين- يعتدل المسلم بين الإيمان بالقدر، والإيمان بالتبعة والحرية الإنسانية.

ومن عقائد دينه «إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لا يُؤَخَّرُ» (نوح 4)، وأنه ما كان لنفس أن تموت إلاَّ بإذن الله.
ومن عقائد دينه أيضًا «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(الرعد 11).وليس فى الإسلام خطيئة موروثة، فكل إنسان قد ألزمه الله طائره فى عنقه..

ولا تواكل ولا اتكال، بل عمل وتقوى.. «وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (التوبة 105).

وتوصف العقيدة الإسلامية بالشمول لأنها تشمل الأمم الإنسانية جميعًا، وليست دين أمة واحدة من دون الأمم، أو طبقة واحدة من السادة المسلطين دون الضعفاء المسخرين.

وتوصف بالشمول لأنها رسالة تشمل بنى الإنسان من كل جنس وملة وقبيل..
«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا» (سبأ 28).

فهذه عقيدة إنسانية شاملة، لا تخص بنعمة الله أمة من دون الأمم لأنها من سلالة مختارة، ولا تميز أحدًا بغير فضيلة التقوى والعمل الصالح.

والإله فى هذه العقيدة الشاملة، هو رب العالمين، لا رب أقوام أو أمم دون أقوام وأمم.. وهو سبحانه وتعالى ليس إله أقوياء دون الضعفاء..

وبهذه العقيدة الشاملة انتشر الإسلام، وأفلح المسلمون ما تمسكوا به، وغلبوا بالعقيدة لا بالسلاح أقوياء أمم الأرض !

وبهذه العقيدة الشاملة، كان القوة الغالبة، والقوة الصامدة. هى التى أعانت على الغلب، وأعانت على الدفاع والصمود، وهذه هى القوة، حيث كان ويكون الشمول، قوام عقيدة الإسلام.

Email: [email protected]

www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

10:06 ص, الأربعاء, 9 نوفمبر 16