Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

في لقاء المؤسس والرئيس التنفيذي مع «CEO Level Podcast» «كور بي».. كيف لعبت دور المستشار والمعالج السريع لحلول التحول الرقمي داخل المؤسسات المالية

حققنا إيرادات تفوق 10 ملايين دولار فى عامنا الأول.. وما زلنا فى طور التأسيس

في لقاء المؤسس والرئيس التنفيذي مع «CEO Level Podcast» «كور بي».. كيف لعبت دور المستشار والمعالج السريع لحلول التحول الرقمي داخل المؤسسات المالية
عبد الحميد الطحاوي

عبد الحميد الطحاوي

9:01 ص, الأربعاء, 30 أبريل 25

يواصل برنامج CEO Level Podcast تقديم حلقاته المثيرة واستكشاف القطاعات المتنوعة التى تهم المشاهد العادى ومجتمع الأعمال أيضًا، فى هذه المرة فضلنا أن نتوجه إلى قطاع الخدمات المالية الذى يركز على التحول الرقمى والتكنولوجيا.

استضاف حازم شريف، رئيس تحرير جريدة “المال” ومقدم “CEO Level Podcast”، أحمد جابر المؤسس المشارك والرئيس التنفيذى لشركة CoorB “كور بي” المتخصصة فى تمكين الخدمات المالية وتقديم الحلول الرقمية فائقة السرعة للمؤسسات المالية المختلفة.

أفادت خبرت “جابر” فى شركة “فيزا” العالمية، والتى امتدت لأكثر من 16 عاما تدرج فيها حتى تولى رئاسة منطقة شمال افريقيا، فى انطلاقة قوية لـ “كور بي” فى أسواق المنطقة والسوق السعودية بشكل خاص، واقتناص عقد للبنك الأهلى السعودى اكبر البنوك الخليجية.

وكشف “جابر” فى لقائه، عن تمكن شركة “CoorB – كور بي”، خلال فترة لم تتجاوز 15 شهرًا من إطلاقها مطلع 2024، من توقيع نحو 100 عقد مع مؤسسات مالية، وتحقيق إيرادات تجاوزت 10 ملايين دولار، مع فريق يضم أكثر من 200 موظف فى السعودية ومصر ولبنان.

“جابر” يؤمن بنصيحة “تولستوي” عن “أهمية الجمع بين العمل والإيمان بأنواعه المختلفة ليكون الشخص إنسانًا متوازنًا” والتى يعتبرها مؤسس “كور بي” أحد أسباب نجاحه فى رحلته العملية بقطاع التكنولوجيا، كما تحدث “جابر” عن الأخطاء الكلاسيكية فى ريادة الأعمال وكيف يمكن لشباب الأعمال تجنبها.

وإلى نص الحوار المتاح على قناة “ALMAL TV” بموقع “يوتيوب” ومنصات البودكاست والتواصل الاجتماعى.

● حازم شريف: يسعدنا أن نستضيف اليوم الأستاذ أحمد جابر، الرئيس التنفيذى والمؤسس لشركة “كور بي”، فى لقاء يحمل طابعًا خاصًا لسببين. أولًا، لأنه اللقاء الثانى الذى يجمعنا به بعد استضافته الأولى فى CEO LEVEL عام 2021، حين كان يشغل منصب نائب المدير الإقليمى لشركة “فيزا” فى شمال أفريقيا ومصر. وثانيًا، لأن نشاط شركته الجديدة يمثل تجربة واعدة فى قطاع الخدمات الرقمية، وهو ما يثير فضولنا للتعرف أكثر على تفاصيلها.

أستاذ أحمد، أهلًا وسهلًا بك مرة أخرى.

أحمد جابر: أهلًا بك أستاذ حازم، سعيد جدًا بهذه الاستضافة وأشكرك على كلماتك الطيبة. يشرفنى أن أكون معكم مجددًا، خاصة فى هذا السياق المختلف والمميز.

● حازم شريف: اليوم أنت تقود شركتك الخاصة من مقرها الرئيسى فى دبى بعد مسيرة مهنية طويلة فى واحدة من كبرى شركات التكنولوجيا المالية فى العالم. هل هذا الوصف دقيق؟

أحمد جابر: نعم، دقيق تمامًا. بدأت هذه المرحلة الجديدة منذ نحو عام، وهى تجربة مختلفة تمامًا من حيث التحديات والطموحات.

● حازم شريف: دعنا نعد قليلًا إلى البدايات. من هو أحمد جابر؟ كيف بدأت رحلتك الدراسية والمهنية؟

أحمد جابر: بداية، أشكرك مرة أخرى على هذا الحوار، وأود أن أثنى على التطوير الملحوظ فى بودكاستك بالموسم الرابع، حيث أصبحت الحلقات أكثر عمقًا واحترافية، وتعلّمنا منها الكثير.

أما عن بدايتى، فقد كانت مثل كثير من الشباب، مليئة بالمفاجآت والانحرافات غير المتوقعة عن المسار المخطط له. تخرجت فى عام 2000، رغم أنه كان من المُفترض أن أتخرج فى 1999، وهناك قصة طريفة وراء هذا التأخير.

● حازم شريف: هل لنا أن نعرف تفاصيلها؟

أحمد جابر: بالتأكيد. كنت أدرس فى كلية الهندسة بالأكاديمية البحرية بالإسكندرية، لكننى تأخرت فصلًا دراسيًا لأننى كنت أطمح أصلاً فى الالتحاق بكلية التجارة. لطالما كنت أميل إلى عالم الأعمال، لكن، كما تعرف، رغبات الأهل كثيرًا ما تكون هى الفيصل.

● حازم شريف: مفهوم “كليات القمة”.. وقتها لم يكن لعالم الأعمال البريق نفسه الموجود اليوم.

أحمد جابر: بالضبط. قدمت أوراقى إلى كلية التجارة فى آخر يوم للتقديم، ظنًا منى أن الأهل سيقبلون بالأمر الواقع. لكن والدى، وهو أستاذ جامعى فى كلية الطب، ووالدتى – رحمها الله – وكانت تشغل منصبًا رفيعًا فى وزارة العدل، أصرا على توجهى نحو أحد المسارات الأكاديمية الكبرى. وبالفعل، بعد فصل دراسى واحد فقط، قررت الانضمام إلى كلية الهندسة فى الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.

● حازم شريف: وهل بدأت الدراسة مع بداية عام دراسى جديد؟

أحمد جابر: الأكاديمية تعتمد نظام الفصول الدراسية وليس السنوات، لذا التحقت فى الفصل الدراسى الثانى، وهو ما يمكن اعتباره بداية حقيقية لمسارى الهندسى.

● حازم شريف: إذن، يمكننا أن نقول إنك دفعت “ثمن” نصف عام من التردد؟

أحمد جابر: هذا صحيح تمامًا. لكنه كان درسًا مبكرًا فى أهمية اتخاذ القرار فى الوقت المناسب وتحمل تبعاته.

● حازم شريف: هل تعتبر تلك المحاولة الأولى لتغيير مسارك الدراسى بمثابة أول مناورة أو مخاطرة قمت بها فى حياتك؟

أحمد جابر: نعم، أراها بالفعل أول مخاطرة حقيقية. وفى هذا السياق، أود أن أوجه نصيحة مهمة لكل الشباب: فى تلك المرحلة، كان والداى غاضبين جدًا، وكان لديهما كل الحق. فى النهاية، دراسة الهندسة ساعدتنى كثيرًا أكثر مما كنت أتصور. الحقيقة أن الأهل غالبًا ما يملكون رؤية أوسع وخبرة أعمق بالحياة. فى سن الشباب نعتقد أننا نعرف كل شيء، لكن الأهم أن نتعلم كيف نصغى، وكيف نتحمل مسؤولية قراراتنا.

● حازم شريف: وما الذى حدث بعد التخرج فى كلية الهندسة؟

أحمد جابر: تخرجت عام 2000 فى قسم الكهرباء، ورغم أننى كنت لا أزال متأثرًا بتأخرى الدراسى، جاءت صدمة أخرى غير متوقعة: تم قبولى كضابط احتياط فى الجيش، على عكس توقعاتى بأن أخدم سنة واحدة كجندى. قضيت ثلاث سنوات كاملة فى الخدمة العسكرية.

● حازم شريف: تجربة طويلة… هل كانت مفيدة رغم التحديات؟

أحمد جابر: جدًا. رغم الضيق فى البداية، إلا أن تلك السنوات الثلاث كانت من أكثر الفترات التى أثرت فى تكوينى الشخصى. تعلمت خلالها الكثير عن الانضباط والمسؤولية والتعامل مع طبقات مختلفة من المجتمع. خلال دراستى فى الأكاديمية، كنت أحتك غالبًا بنخبة من مستويات اجتماعية مرتفعة، لكن فى الجيش، كنت أتعامل يوميًا مع أفراد من خلفيات متعددة. هذه التجربة أثرت فيّ جدًا وأغنت شخصيتى.

● حازم شريف: وماذا عن العمل خلال فترة الخدمة؟

أحمد جابر: كنت أعمل كضابط احتياط فى مصنع بنها للإلكترونيات، وكان يومى يبدأ فى السادسة صباحًا لأصل إلى المصنع قبل الثامنة. وبعد الانتهاء من عملى فى المصنع، كنت أذهب مباشرة إلى شركة “كاش نت” حيث كنت أعمل مساءً من الخامسة حتى منتصف الليل.

● حازم شريف: حدثنا عن “كاش نت”. ما طبيعة عمل الشركة وما دورك فيها؟

أحمد جابر: “كاش نت” كانت تجربة فريدة. أسسها الأستاذ محسن البردعى مع مجموعة من المستثمرين، وكانت أول شركة فى مصر تقدم خدمات متكاملة لإدارة وتشغيل ماكينات الصراف الآلى (ATM Driving). فى السابق، كانت البنوك مسؤولة عن كل ما يخص هذه الماكينات: من الاستيراد والصيانة إلى التغذية المالية وتأمين نقل الأموال. جاءت “كاش نت” لتأخذ هذا العبء عن البنوك، وتقدم الخدمة بجودة أعلى وتخصص أكبر.

● حازم شريف: وماذا كانت مهامك فى الشركة آنذاك؟

أحمد جابر: كنت أعمل كمهندس تركيبات. إذا كانت هناك ماكينة صراف جديدة متجهة إلى شرم الشيخ مثلًا، كنت أسافر بنفسى لتسلّمها وتركيبها. أحيانًا أكون بمفردى، فأطلب المساعدة من موظفى المكان أو من فريق الشحن. كنا نتولى تركيب الماكينة بزوايا دقيقة جدًا، ثم نوصلها بالنظام البنكى، ونقوم بإجراء الاختبارات الفنية.

● حازم شريف (ضاحكًا): كنت تطلب المساعدة من الناس فى المكان؟ “لو سمحت يا بشمهندس تعالى ساعدني”؟

أحمد جابر (مبتسمًا): بالضبط كده! طبعًا ليس من الشارع مباشرة، لكن من الموظفين فى المولات أو الأماكن التجارية، أو من طاقم شركة الشحن. لم يكن منطقيًا أن نسافر كفريق كامل فقط لتركيب ماكينة. كنا نوفر على الشركة وننجز العمل بالكفاءة نفسها.

كنا نتابع كل شيء: من فكّ الماكينات وتركيبها، إلى ضبط البرمجيات وربطها بالبنك من خلال شركة “إيجى نت”، التى كانت تتولى الاتصال بين الماكينات والنظام المصرفى. التجربة كانت ثرية جدًا ومليئة بالتفاصيل التقنية والعملية.

● حازم شريف: بعد الانتهاء من تركيب ماكينة الصراف الآلى، هل كنت تُغادر الموقع مباشرة؟

أحمد جابر: إطلاقًا. لم يكن ممكنًا أن أتحرك قبل أن أتأكد أن الماكينة تعمل بكفاءة تامة وتنجز أول عملية سحب نقدى بنجاح. هذا هو جوهر عملها. كنت أتابع كل شيء: من التركيب إلى البرمجة والتشغيل، ثم أنتظر حتى تصل شركة التغذية بالأموال، وأشرف على أول عملية سحب.

● حازم شريف: كنت تظل جالسًا بجوار الماكينة حتى يتم تنفيذ أول عملية سحب؟

أحمد جابر: بالضبط، وأحيانًا لم أكن أمتلك حتى رصيدًا كافيًا لأجرى تجربة بنفسى، فكنت أبحث عن أحد المارة وأطلب منه أن يجرب السحب من الماكينة. كنت أقول له: “لو سمحت، دى ماكينة جديدة من كاش نت، ممكن تجرب؟”.

● حازم شريف: لكن الناس كانت يترددون، أليس كذلك؟

أحمد جابر: الناس بطبيعتهم يميلون لما يعرفونه، وعندما يرون شابا غريبا يطلب منهم استخدام ماكينة غير تابعة لمصرفهم، فيكون التردد طبيعيا. لكن فى حالات كثيرة، كانوا يتعاطفون معى من طول جلوسى بجانب الماكينة، ويقررون التجربة. ولو لم تنجح العملية؟ أعيد المحاولة من جديد، وأنتظر مستخدمًا آخر. هذه التجربة علمتنى الصبر، وعلّمتنى أيضًا مهارات الإقناع وكسب ثقة الناس.

● حازم شريف: كم استمر عملك فى “كاش نت”؟

أحمد جابر: قضيت حوالى عامين كاملين.

● حازم شريف: هل استمررت طوال تلك الفترة فى دورك كمهندس تركيبات؟ أم بدأت تتطور مهنيًا داخل الشركة؟

أحمد جابر: حصلت على ترقيات خلال هذه الفترة. بعد مرور عام تقريبًا، أصبح هناك فريق مختص بالتركيبات، وتوليت مسؤوليته. بدأت أعمل على تدريبهم والإشراف على العمل بدلًا من تنفيذه بنفسى. انتقلت من العمل الميدانى إلى المتابعة الفنية والإدارية من المكتب، وكنت أضع نظمًا للعمل وأتابع الأداء.

● حازم شريف: يبدو أنك كنت تعمل فى ظروف مزدوجة صعبة… بين الجيش والشركة!

أحمد جابر: كنت أبدأ يومى فى السادسة والنصف صباحًا، أذهب إلى مصنع بنها للإلكترونيات ضمن خدمتى كضابط احتياط، أخرج فى الثالثة عصرًا، ثم أذهب مباشرة إلى “كاش نت” وأعمل حتى منتصف الليل. ثم أعود للمنزل، أنام لساعات قليلة، وأبدأ من جديد. كانت فترة شاقة، لكنها مليئة بالحماس والطموح.

● حازم شريف: وماذا حدث بعد ذلك؟

أحمد جابر: بعد هذه الفترة، تغير اسم الشركة إلى “NPC – National Processing Company”، وكانت أول شركة فى مصر تقدم خدمات متكاملة فى مجال المدفوعات الإلكترونية تشمل إصدار البطاقات، ومعالجة العمليات، وتشغيل ماكينات الصراف الآلى، وخدمات الدفع المختلفة.

وفى عام 2006، تم الاستحواذ على “كاش نت” من قبل شركة Network International، إحدى كبرى شركات المدفوعات الرقمية فى المنطقة، وأكملت مشوارى معهم.

● حازم شريف: وكيف تطورت مسيرتك بعد الاستحواذ؟

أحمد جابر: واصلت العمل بعد الاستحواذ، وتوليت منصب رئيس قسمين: قسم التنفيذ، وقسم الدعم الفنى. هذا المنصب منحنى خبرة متكاملة، جمعت بين الجانب التقنى العميق والإدارة، وأتاح لى فهمًا شاملًا للبنية التحتية لقطاع الدفع الإلكترونى، من الألف إلى الياء. كانت هذه التجربة حجر الأساس فى مسيرتى، وبداية تشكل الرؤية التى بنيت عليها خطواتى التالية.

● حازم شريف: هل يمكن اعتبار ما اكتسبته فى تلك الفترة مجرد خبرة هندسية فقط؟

أحمد جابر: لا، الحقيقة إنها كانت خبرة هندسية وإدارية فى آنٍ واحد. تخيّل أنك مسؤول عن الدعم الفنى لستة أو سبعة بنوك تعمل معنا، وأى مشكلة كبيرة تحدث، فإن أول من يتلقى الاتصال هو أنت. كنت دائمًا فى الواجهة، ولابد أن تكون قادرًا على احتواء غضب العميل، وتوضح له بكل شفافية طبيعة المشكلة، وكيف ومتى سيتم حلها. الثقة تُبنى من هنا.

الناس بطبيعتهم لا يحبون المراوغة. من يتهرب من قول الحقيقة يخسر على المدى الطويل. أما حين تكون صادقًا، حتى لو كانت لديك مشكلة، وتشرح للعميل كيف تتعامل معها، يبدأ فى الوثوق بك بشكل حقيقى.

● حازم شريف: وهل كان دورك يقتصر على الدعم الفنى فقط؟

أحمد جابر: لا أبدًا، كنت مسؤولًا أيضًا عن تنفيذ المشاريع الجديدة. كل مشروع يبدأ بفهم احتياجات البنك، ثم وضع خطة تنفيذ واضحة مع مديرى المشاريع، ثم الإشراف على التنفيذ. الدور كان تقنيًا بالأساس، لكنه تضمن جانبًا إداريًا مهمًا جدًا.

● حازم شريف: ومتى حدث التحول الكبير فى مسارك المهني؟

أحمد جابر: فى 2006، وبدون أى تخطيط مسبق. كنت أتصفح موقع شركة “فيزا”، وكنت منبهرًا بأسلوبهم الاحترافى. كنت بالفعل أتعامل معهم من خلال منتجات خاصة ببنوك نعمل معها، وبدأت أتابع صفحة الوظائف لديهم. فوجئت بوجود وظيفة شاغرة فى مصر، فتقدمت لها.

بعد فترة قصيرة، تواصلوا معى من مكتب التوظيف فى لندن، وأبلغونى بأنهم يرغبون فى إجراء مقابلة، ولكن ليس فى مصر… فى دبي!

● حازم شريف: كيف كان وقع هذا الخبر عليك؟

أحمد جابر (مبتسمًا): فى الحقيقة فرحت جدًا، ليس فقط بسبب فرصة العمل، لكن لأنه لأول مرة فى حياتى، شركة تدفع لى تذكرة سفر وتحجز لى فندقًا راقيًا. فى ذلك الوقت، السفر إلى دبى كان فى حد ذاته مغامرة غير متاحة لى بسبب ظروفى المادية.. فكانت سعادتى بالسفر إلى دبى أكبر من الوظيفة نفسها.

● حازم شريف: كيف سارت المقابلات؟

أحمد جابر: أجريت ثلاث مقابلات متتالية: الأولى مع مسؤول التوظيف، والثانية مع مدير شركة “فيزا” فى السعودية، والثالثة مع مدير العمليات لمنطقة الشرق الأوسط. وبعدها اتصلوا بى وقالوا: “لدينا خبر لك ويجب أن تتخذ قرارك”. للوهلة الأولى ظننت أنه رفض، لكنهم أخبرونى أننى تم قبولى فى وظيفتين!

الوظيفة الأولى فى دبى كمسؤول عن تحسين جودة خدمات المدفوعات، والثانية فى السعودية كمدير مشروع لدمج الشبكة المحلية للمدفوعات SPAN مع نظام “فيزا”. المشروع كان بدأ عام 2001 ولم يكتمل بعد. وكان مطلوبا دمج بطاقة الدفع المحلية مع شعار “فيزا” فى بطاقة واحدة. كان أول مشروع من نوعه فى المنطقة.

● حازم شريف: وكيف اتخذت القرار؟

أحمد جابر: قررت أن أذهب إلى السعودية، لأن التحدى كان أكبر، وكنت أشعر أن المشروع سيُضيف لى الكثير. هناك فرق كبير بين تحسين نظام قائم، وبين بناء منظومة من الصفر. بدأت عملى هناك فى أبريل 2006.

● حازم شريف: ومتى تم الانتهاء من المشروع؟

أحمد جابر: فى فبراير 2008، أنهينا المشروع بالكامل. ثم انتقلنا للعمل مع البنوك على إصدار البطاقات وتدريب الفرق على النظام الجديد. هذا الإنجاز فتح لى بابًا جديدًا داخل “فيزا”، حيث تم اختيارى للانضمام إلى فريق الأعمال بالشركة.

● حازم شريف: وماذا كانت أولى مسؤولياتك بعد الانتقال لهذا الفريق؟

أحمد جابر: أصبحت مسؤولًا عن عدد من البنوك، أهمها بنك الراجحى – أكبر بنك فى السعودية من حيث عدد البطاقات آنذاك. وكانت أول صفقة أوقعها بنفسى فى هذا المجال، والحمد لله نجحت. توالت بعد ذلك الصفقات، وفى نهاية 2009، تم اختيارى لمنصب نائب مدير المنطقة، ثم فى نهاية 2010 أصبحت المدير العام لشركة “فيزا” فى السعودية.

● حازم شريف: كانت تلك أول تجربة قيادية حقيقية لك؟

أحمد جابر: بالضبط. أصبحت مسؤولًا عن سوق ضخمة وفريق عمل كبير فى واحدة من أهم دول المنطقة. كانت تجربة غنية ومليئة بالدروس، ومن خلالها بدأت تتبلور رؤيتى حول ما يمكن أن أقدمه على مستوى أوسع.

● حازم شريف: إذن، بعد سنوات فى السوق السعودية، أصبحت المدير العام لشركة “فيزا” هناك فى عام 2011؟

أحمد جابر: صحيح. كنت نائبًا للمدير العام لمدة عامين قبلها، وهذا لأن سنى وقتها كان صغيرًا نسبيًا على هذا المنصب؛ كنت فى أوائل الثلاثينيات، تحديدًا حوالى 33 سنة. والآن أنا أقترب من الخمسين.

وفى عام 2015، تم اختيارى لقيادة أربع دول خليجية ضمن شركة “فيزا”: السعودية، والكويت، وعمان، والبحرين. وبموجب ذلك، أصبحت نائب رئيس الشركة فى المنطقة.

ثم فى 2018، انتقلت لتولى قيادة منطقة شمال أفريقيا، وكان مقرها فى القاهرة. التجربة كانت مختلفة تمامًا؛ فبيئة العمل فى الخليج لا تُقارن بتعقيد السوق فى شمال أفريقيا.

● حازم شريف: ننتقل الآن إلى المقارنة بين التجربتين: الخليج العربى وشمال أفريقيا. ما الفرق الجوهرى بين السوقين، خصوصًا فى مجال المدفوعات الإلكترونية الذى يمثل جوهر خبرتك؟

أحمد جابر: كنت مسؤولًا عن 11 دولة: أربع منها فى الخليج، وسبع فى شمال أفريقيا، والفرق كان أكبر مما توقعت بكثير.

خذ مثلًا ليبيا، التى عاشت مرحلة ما بعد الحرب. الوضع هناك كان فريدًا جدًا، وكانت هناك قيود مشددة على التحويلات المالية، لدرجة أن كل معاملة مالية كانت تخضع لتدقيق من الدولة لمنع تهريب الأموال.

الأكثر تعقيدًا أن البلاد كان بها بنك مركزى فى طرابلس وآخر فى بنغازى، ولكل منهما لوائحه وأنظمته المختلفة. ونحن كشركة “فيزا”، كنا نتعامل مع الطرفين فى الوقت نفسه، ما شكّل تحديًا كبيرًا على المستويين الإدارى والسياسى.

حازم شريف (مازحًا): هذا يعنى أنك كنت الشخص الوحيد الذى يستطيع أن يسافر بين الجهتين بنى غازى وطرابلس ويمر وسط المعركة؟

أحمد جابر (ضاحكًا): تقريبًا، لكن فى النهاية كنا ملتزمين بالتعامل مع البنك المعترف به من قبل الأمم المتحدة، وهو بنك طرابلس فى ذلك الوقت.

ومن أبرز التجارب اللى أعتز بها كانت فتح السوق السودانية. فى ذلك الوقت، كانت هناك عقوبات مالية مفروضة على السودان، ولم تكن هناك أى بطاقة “فيزا” فعالة فى السوق.

قدّمت عرضًا رسميًا لمجلس إدارة “فيزا” فى سان فرانسيسكو لإقناعهم بدخول السوق السودانية. كنا نعمل على هذا الملف كأنها مهمة دولية حقيقية: قابلنا رئيس الوزراء، ووزير المالية، ومحافظ البنك المركزى، وعددًا من قيادات البنوك، وأجرينا جولات ميدانية مكثفة.

والحمد لله، نجحنا فى إطلاق شبكة “فيزا” فى السودان، من الصفر.

أما فى دول المغرب العربى مثل المغرب وتونس والجزائر، فالوضع كان مختلفًا تمامًا. حتى عام 2021، لم تكن هناك بطاقات ائتمان فعلية (Credit Cards) متداولة، بل فقط بطاقات خصم مباشر (Debit Cards). وهذا نابع من تأثير الثقافة الفرنسية على أنظمة الدفع فى هذه الدول، حيث لم يكن هناك إيمان كبير بفكرة الشراء بالائتمان.

● حازم شريف: وماذا عن السوق المصرية؟ كيف رأيتها مقارنة ببقية الأسواق؟

أحمد جابر: السوق المصرية قصة مختلفة تمامًا وتستحق حلقة خاصة للحديث عنها تفصيليا، فى الفترة من أواخر 2018 وحتى 2021، كانت مصر تمر بمرحلة قوية جدًا من التحول الرقمى. أُطلق مشروع بطاقة “ميزة”، وظهرت شركات ضخمة أصبحت من “اليونيكورن” (شركات أصبحت تقدر بمليار دولار كقيمة سوقية)، مثل شركة “فوري”.

كانت هناك حركة غير مسبوقة فى السوق، ونمو سريع فى الطلب على الخدمات الرقمية. القيمة المضافة كانت حقيقية.

الفرق بين الأسواق يظهر فى كل شيء: فى نموذج العمل، فى ثقافة المستخدم، وفى مستوى الوعى المالى.

فى الخليج، كنت تقدم الخدمة لبنوك تعمل مع عملاء من جنسيات مختلفة، من الهند وباكستان وبريطانيا وغيرها، فكنت تتعامل مع خبرات متنوعة وثقافات متعددة، فلكل دولة طبيعتها وثقافتها. فى بعض الدول، كان علينا أن نبدأ من نقطة الصفر، وأن نقوم بتثقيف السوق بمفهوم الدفع الإلكترونى.

● حازم شريف: وكيف تعاملت مع هذا التنوع؟

أحمد جابر: هذا هو التحدى الحقيقى للقائد: أن يتأقلم مع كل بيئة، ويوجه الفريق بما يتناسب مع واقع السوق، مع الحفاظ على معايير الأداء العالية التى اعتدناها فى “فيزا”.

و”فيز”ا نفسها كانت تؤمن بأهمية تنقل المديرين بين المناطق كل 3 أو 4 سنوات، لاكتساب خبرات جديدة وتقديم رؤى مختلفة لكل سوق.

شخصيًا، كنت دائمًا أتعلم من فرق العمل، وفى الوقت نفسه أحاول أن أضيف لهم شيئًا حقيقيًا. وهذا، فى رأيى، هو جوهر القيادة فى أسواق دائمة التغير.

● حازم شريف: فى بيئة العمل متعددة الجنسيات، ما الفائدة التى يمكن أن تجنيها مقارنة بالعمل مع فريق من جنسية واحدة؟ أيهما برأيك يثرى بيئة العمل بشكل أكبر؟

أحمد جابر: بالنسبة لى، أفضّل العمل مع فريق متعدد الجنسيات. ليس لأنه الأفضل دائمًا، لكننى شخصيًا أجد فيه ثراء فكريًا، لأن كل فرد يأتى من خلفية ثقافية مختلفة. على سبيل المثال، الأوروبيون لديهم طريقة تفكير وأداء مميزة، وكذلك الهنود والمصريون. هذا التنوع يخلق بيئة مليئة بالأفكار المتنوعة والأساليب المختلفة.

أما الفريق الذى يضم أفرادًا من الجنسية نفسها، فله ميزات أخرى، خاصة إذا كان هناك تناغم قوى بين الأعضاء، مثل فريق رياضى متجانس. فمثلا لو جلبت أفضل اللاعبين فى العالم إلى فريق، لكنهم لم يتعودوا على بعضهم البعض، فإن أداءهم لن يكون بالكفاءة نفسها. لذا، التناغم داخل الفريق له دور كبير فى تحقيق النجاح.

● حازم شريف: بعد 16 عامًا من النجاح فى شركة “فيزا”، لماذا قررت الرحيل؟

أحمد جابر: فى الواقع، لم أترك “فيزا” بشكل مفاجئ. لقد قضيت 16 سنة فى الشركة، وكانت لدى الفرصة لخدمة العديد من دول الشرق الأوسط. لكن كل شخص يصل إلى نقطة فى مسيرته المهنية يتعين فيها أن يقرر ما إذا كان سيستمر أم لا، وكانت قد حانت تلك اللحظة فى حياتى.

كانت مرحلة صعبة على المستوى الشخصى، خاصة مع احتياج والدتى، رحمها الله، لرعاية خاصة. فى تلك الفترة، كانت مهمتى فى الشرق الأوسط قد انتهت، وكان من الطبيعى أن أبحث عن فرص جديدة داخل “فيزا”. ولكن التحدى كان فى الانتقال إلى دولة جديدة بعيدًا عن والدتى، وهو ما كان صعبًا للغاية.

وعلى الرغم من أن “فيزا” توفر فرصًا كبيرة فى عشرات الدول، فإن الظروف الشخصية جعلت الانتقال إلى مكان بعيد صعبًا. وفى تلك الأثناء، جاءنى عرض للعمل فى شركة “The Entertainer”، وهى شركة عالمية تأسست فى دبى.

● حازم شريف: وماذا كانت مهمتك الأساسية فى “The Entertainer”؟

أحمد جابر: كانت مهمتى فى “The Entertainer” هى تسريع عملية التحول الرقمى للشركة. الشركة بدأت ككتاب يحتوى على قسائم شراء، وكانت فكرة بسيطة وناجحة: “اشترى منتجًا واحصل على آخر مجانًا”. هذا الكتاب كان مشهورًا جدًا، خاصة بين المقيمين الجدد فى الإمارات.

على سبيل المثال، إذا كنت فى دبى، كان الناس يوصونك بكتاب “The Entertainer” كأداة لا غنى عنها. كانت قسائم الشراء هذه تتيح للناس مثلاً الحصول على وجبة إضافية مجانًا عند شراء وجبة أخرى فى المطاعم.

لكن فى مهمتى الجديدة، كان التحدى يكمن فى تحويل هذه الفكرة إلى تطبيق رقمى بالكامل، بحيث يتم التحول من الدفع النقدى إلى الدفع الإلكترونى.

إضافة إلى ذلك، كان من أهداف المستثمرين زيادة الربحية من خلال تحسين تجربة المستخدم والابتكار فى الكفاءة التشغيلية.

● حازم شريف: كم من الوقت قضيت فى شركة “The Entertainer” قبل أن تبدأ فى تأسيس “كور بي”؟

أحمد جابر: قضيت سنتين فى “The Entertainer”، من بداية عام 2022 حتى نهاية عام 2023، وهى الفترة نفسها التى بدأت فيها التفكير الجدى لتأسيس “كور بي”. منذ مغادرتى لشركة “فيزا”، كان هدفى الواضح هو تأسيس شركة خاصة بى. وفى رأيى المتواضع، الذى قد يكون صوابًا أو خطأ، فإن أى شركة أو مشروع يجب أن يكون نابعًا من رغبة حقيقية فى حل مشكلة ماسة. فبدون مشكلة حقيقية لتقديم حلول لها، تصبح فرصة بقائك فى السوق مهددة.

● حازم شريف: إذن، ما المشكلة التى تسعى “كور بي” لحلها؟

أحمد جابر: المشكلة التى كانت واضحة بالنسبة لى من خلال تجربتى الطويلة فى “فيزا” هى سرعة تنفيذ الحلول فى القطاع البنكى. على الرغم من أن المنتجات التى تقدمها البنوك مثل بطاقات الدفع، ونقاط البيع، وماكينات السحب هى نفسها فى كل الأسواق، لكن المشكلة تكمن فى مدى سرعة تنفيذ هذه الحلول.

بعض البنوك كانت تطلق المنتجات فى غضون ثلاثة أشهر، بينما كانت بنوك أخرى تستغرق سنة أو أكثر، وبعضها استغرق ثلاث سنوات. والغريب أننى وجدت أن هذه المشكلة ليست مرتبطة بالتكنولوجيا أو التمويل، لأن البنوك كانت تتمتع بملاءة مالية جيدة، والتكنولوجيا كانت متوفرة.

المشكلة الحقيقية كانت فى العقلية: فى التنفيذ، التخطيط، البيروقراطية، والإجراءات. كنت دائمًا أتساءل: كيف يمكن لبنك فى دولة ذات اقتصاد غير قوى أن يطلق منتجًا بسرعة، بينما بنوك فى دول مستقرة اقتصاديًا تستغرق سنوات لتحقيق ذلك؟

● حازم شريف: إذن، كنت تقول للبنك المتأخر فى تنفيذ الحلول: “عندك مشكلة فى العقلية؟”! كيف كنت تطرح هذا الموضوع؟

أحمد جابر: بالطبع لا! لو كنت طرحت الأمر بشكل مباشر، لكان الاجتماع انتهى فى أول خمس دقائق! لكن الفكرة كانت تكمن فى معالجة هذه المشكلة دون التصريح بها بشكل صريح. كنت أؤمن بأن الحل يكمن فى تقديم شركة تجمع بين التقنية المتقدمة فى الحلول المالية الرقمية، وبين معالجة العوامل المؤثرة فى الأداء مثل التحليل، المتابعة، وهندسة الإجراءات، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات. من هنا جاءت فكرة تأسيس “كور بي”.

اليوم، تقدم “كور بي” توجهين رئيسيين فى عملها: الأول الحلول التقنية فنحن نقدم مجموعة من المنتجات التقنية التى تشمل:

‏Core Banking Solution: حل مصرفى شامل فى الوقت الفعلى عبر الإنترنت، يتمتع بأعلى درجات الأمان، يركز على العملاء ويغطى جميع الأنشطة المالية للمؤسسات.

‏Middleware Solution: حلول البرمجيات الوسيطة التى تتيح نقل البيانات والمعلومات بين الأنظمة المختلفة بطريقة آمنة وموثوقة.

تصميم تجربة المستخدم (UX/UI): تصميم واجهات التطبيقات التى يستخدمها العملاء يوميًا، بحيث تكون أكثر سلاسة وفعالية.

نحن فى “كور بي” نصمم هذه المنتجات بأنفسنا، ونعتمد على فريق تقنى ضخم- ضمن آخرين- يضم أكثر من 100 مهندس ومبرمج مصرى من أفضل الكفاءات فى مجال التكنولوجيا.

التوجه الثانى هو الاستشارات والتحليل المؤسسى: فنحن نركز أيضًا على تقديم استشارات وتحليل يساعد فى تحسين الأداء الإدارى والبشرى داخل المؤسسات المالية. فى هذا الجانب، نعمل مع البنوك وندير المشاريع من الألف إلى الياء، ليس فقط فى مجال المدفوعات أو التقنية، ولكن أيضًا فى إدارة الموارد البشرية، التوظيف، وتمويل الموظفين. لدينا فريق استشارى من محترفين ذوى خبرات قوية فى شركات كبيرة، وهم يعملون على تحليل بيانات المشاريع، وإعادة توجيه الإجراءات، وتقديم حلول مستدامة للتطوير المستمر.

● حازم شريف: ما الذى يميز “كور بي” عن الشركات الأخرى فى هذا المجال؟

أحمد جابر: السر وراء قوة “كور بي” يكمن فى الدمج بين الحلول التقنية والاستشارات. عندما يعمل فريق التقنية بلغة واحدة مع فريق الاستشارات، فإن الانسجام فى العمل يؤدى إلى تنفيذ أسرع وأعلى كفاءة. فعندما يكون لدينا هذا التكامل بين الجانبين، فإن ذلك يعزز من سرعة الإنجاز وفاعلية النتائج، “كور بي” لا تقتصر فقط على تقديم الحلول التقنية، بل تساهم أيضًا فى تحسين البيئة التنظيمية والإدارية للمؤسسات المالية، مما يتيح لهم التكيف بسرعة مع التغيرات فى السوق وتحقيق نتائج مستدامة.

● حازم شريف: دعنا نلخّص الأمر، أنت لاحظت فراغًا حقيقيًا فى السوق من خلال تجربتك فى “فيزا”، حيث كانت بعض المؤسسات المالية تتأخر فى التحول الرقمى، مما خلق فجوة فى التنفيذ. فقررت أن تلعب دور الوسيط والمستشار لتسريع العملية وتنظيم الهيكلة، مع تقديم الدعم التقنى فى الوقت نفسه. هل هذا صحيح؟

أحمد جابر: نعم، هذا صحيح جدًا.

● حازم شريف: كيف بدأت فى تأسيس “كور بي”؟

أحمد جابر (مازحا): بصراحة، هناك الكثير من الكتب التى تحذر من ارتكاب الأخطاء الكلاسيكية فى ريادة الأعمال، لكننا تقريبًا ارتكبنا جميعها!

● حازم شريف: إذن ما أبرز الأخطاء التى وقعتم فيها، حتى يستفيد الآخرون منها؟

أحمد جابر: دعنى أبدأ بالأخطاء التى تعلمنا منها. أول شيء، فى تأسيس أى شركة، خاصة فى هذا المجال، يجب أن تكون أوراقك القانونية مكتملة %100. من المهم أن يكون لديك عقود جاهزة ومحامون مختصون يتعاملون مع جميع الجوانب القانونية، لأنك قد تجد نفسك فى موقف مفاجئ، مثل أن يأتى إليك بنك كبير يطلب التعاون، ويجب أن تكون جاهزًا لذلك.

لحسن الحظ – أو لسوء الحظ – بعد تأسيس الشركة، جاءنا أحد أكبر البنوك فى السعودية، وربما فى الشرق الأوسط وقتها، وهو البنك الأهلى السعودى. كان البنك بصدد إنشاء بنك رقمى جديد، وطلب منا العمل على أول مشروع لهم: المساهمة فى تأسيس البنك الرقمى وتصميم التطبيق الإلكترونى الخاص به، الذى كان يسمى “نيو”. وكانت لديهم أيضًا خدمة تحويل الأموال، وطلبوا منا تطوير تطبيق خاص بها. كانت هذه هى المرة الأولى التى نعمل فيها فى السوق، وكان ذلك فى يناير 2024، والشركة كان عمرها شهرًا واحدًا فقط!

● حازم شريف: هل اضطررتم لتغيير خططكم وتأسيس الشركة بطريقة مختلفة؟

أحمد جابر: نعم، اضطررنا للبدء فى السعودية على عكس خطتنا الأولية التى كانت تقضى بتأسيس شركة قابضة فى الإمارات. كانت الفكرة أن تكون الشركة الأم مسؤولة عن فروعنا المختلفة فى الأسواق. لكننا فوجئنا بأننا بحاجة لتوقيع عقد مع البنك خلال يومين فقط، فقررنا فتح شركة صغيرة فى السعودية. لم نأخذ محاميًا ولم نؤسس شركة قابضة كما كنا نخطط. دفعنا ثمن هذا القرار غاليًا، سواء فى الضرائب أو فى التعديلات التى كانت ضرورية على العقود فيما بعد. فى السعودية، مثلًا، يتم إنشاء الشركة باسم أحد أعضاء الفريق، وهذا يخلق تحديات كبيرة على المدى الطويل.

● حازم شريف: لكن فى النهاية كان المشروع مهمًا جدًا. فهل لو عاد بك الزمن، كنت ستكرر الخطأ نفسه؟

أحمد جابر: نعم، كنت سأكرر القرار نفسه، والغلطة نفسه، حتى لو كان ذلك مئة مرة.

● حازم شريف: هل تعتقد أن هناك أخطاء تستحق أن تُكرر فى بعض الأحيان؟

أحمد جابر: بالتأكيد. فى بعض الأحيان، تكون الأخطاء جزءًا من التجربة، وقد تعلمنا منها الكثير، وتداركناها فى الوقت المناسب، لكن فى تلك اللحظة، كانت الفرصة أكبر من أى مخاوف.

● حازم شريف: دعنى اتطرق إلى الخطأ الآخر الذى ذكرته، وهو “الكاش فلو”. ماذا تعنى بذلك؟

أحمد جابر: هذه كانت ثانى أكبر مشكلة، عندما تعمل على مشروع ضخم مثل هذا، من الضرورى أن تعرف كيفية تأمين تمويل كافٍ فى الوقت المناسب لتغطية التزاماتك.

فى مشروعات البنوك، يوجد عادة مرحلة طويلة من التقييم قبل البدء الفعلى فى التنفيذ، وهذه المرحلة تشمل: تقييم الوضع الحالى للبنك، وتقييم التقنية المتاحة، وتقييم فريق العمل، ووضع رؤية عامة وخارطة طريق، وإعداد إطار محدد للمشروع وتقديمه للعميل، التفاوض على الإطار، ثم توقيع العقد، وإصدار قرار الصرف، وأخيرًا، بدء التحصيل المالى.

المشكلة أننا لم نقدر هذه المرحلة بشكل صحيح، كان لدينا تصور أن هذا سيستغرق شهرين أو ثلاثة، ولكن فى الواقع كان يستغرق من 4 إلى 6 شهور.

هذا يعنى أننا كنا نشغل فريقًا كاملًا، ندفع له رواتب، نبنى تقنيات، نجهز حلولًا، وكل ذلك دون أن نحصل على أى مقابل مباشر. كان هذا استثمارًا فى الأمل والثقة، ولكن كان بحاجة إلى حسابات دقيقة وإدارة تمويل حذرة.

● حازم شريف: فى مرحلة التأسيس، هل كانت هناك صفقات بالفعل أم كنت فقط تقوم بالإجراءات؟ هل كان هناك مقابل مادى من البداية؟

أحمد جابر: لا، فى البداية كانت الصفقات “بدون مقابل” البنك الذى تعاملنا معه فى البداية كان يرى أننا شركة جديدة، رغم أننا فى “كور بي” نعتبر أنفسنا من أقدم الشركات الناشئة فى العالم! كان لدينا شراكة مع شركة “Clifton Myers Enterprises (CME)”، وهى شركة أمريكية موجودة حاليًا فى لبنان، ولها خبرة تمتد لأكثر من 40 عامًا فى بناء التقنيات. استفدنا كثيرًا من التكنولوجيا التى وفرتها لنا الشركة لكن من منظور البنوك، كنا شركة ناشئة جديدة، لذا قال لنا البنك: “أنتم ستعملون معنا مجانًا أولًا، إن وافقتم فهو كذلك!”

وبالفعل، عملنا لمدة ستة أشهر تقريبًا بدون أى مقابل، وإذا سألتنى اليوم إذا كنت سأكرر هذه التجربة، أقول لك: نعم، بالطبع سأكررها، لأننا كنا واثقين من قدرتنا على النجاح، وبعد مشروعنا المجانى الأول، وصلنا اليوم مع خمسة عملاء إلى العقد رقم 100، ونحن لا نزال نوقع عقودًا جديدة حتى اليوم، خلال سنة وثلاثة أشهر فقط.

● حازم شريف: لنتحدث عن لحظة التأسيس، فهى لحظة مهمة جدًا، هناك من قد يظن أن الأخطاء التى ارتكبتها كانت تصرفات عشوائية، لكن الحقيقة أنك لست شخصًا جاء من “الشارع” أو فكرت فجأة فى هذه الخطوة. لديك شركاء، ومعرفة، وعلاقات قوية جدًا فى المجال. لذا من الصعب أن أطلب منك أن تفعل شيئًا غير الذى فعلته.

أحمد جابر: كلامك صحيح، وبالفعل كانت مخاطرة محسوبة، لكننى لم أتوقع أن تكون التكاليف بهذا الحجم. بدأت أدرك تمامًا معنى “تضحيات المؤسسين”، كنت مضطرًا لبيع سيارتى فى مصر وأخرى فى الإمارات، بالإضافة إلى بيع عقار، كل ذلك من أجل تمويل المشروع.

● حازم شريف: من هم شركاؤك فى هذه الرحلة؟ وكيف تم تأسيس الشركة؟ وما تفاصيل هيكل الملكية ورأس المال؟

أحمد جابر: رأس المال الذى جمعناه استخدمناه بالكامل فى تطوير المنتجات، استثمرنا حوالى مليون دولار أنا والشركاء من أجل بناء أنظمة “كور بانكنج” (Core Banking)، والحلول الذكية مثل “ميدل وير”. أيضًا، أبرمنا وثائق تعاون مع شركات مثل “بايمنتولوجي” لاختبار النظام الذى طورناه.

كان نصيبى فى الشركة %33، كما كان لشركة “CME” أيضا %33، وكان لدينا شريك سعودى كمستثمر مالى، وكان يمتلك خبرة كبيرة فى مجال التكنولوجيا. لكن بما أنه ليس معنا الآن، فأنا أود الحفاظ على خصوصية اسمه.

كنا جميعًا شركاء مؤسسين. بدأنا فى تعيين المهندسين، وكان النواة الأساسية للفريق تأتى من شركة “CME”، لأن لديهم خبرة عميقة فى مجال التكنولوجيا. كانوا يعرفون تمامًا كيف يديرون المشروعات، وكيف يقومون بتحليل البيانات، وتقديم خطط واضحة لضمان الجودة والخروج بمنتج متميز. جلبوا لى فريقًا من بيروت، وما زالوا يعملون معنا حتى الآن. لديهم معلومات مذهلة، وأنا ممتن لهم جدًا.

شركة “CME” تعمل فى عدة دول حول العالم مثل الولايات المتحدة، فرنسا، السويد، الإمارات، والصين، ولديهم خبرات كبيرة فى العمل مع شركات مثل “باى بال”. ومع ذلك، استطعنا تكوين فريق قوى داخل مصر، حيث قمنا بتعيين حوالى 100 إلى 108 مهندسين مصريين. وأشعر بالفخر بما حققوه.

● حازم شريف: كيف يتم اختيار المهندسين فى “كور بي”؟

أحمد جابر: التوظيف فى شركتنا معقد، لكننا نحرص على الحفاظ على أعلى مستوى من الجودة. جزء من عملية المقابلات يتم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعى، حيث يُطلب من المتقدمين كتابة كود معين فى امتحان مدته ساعتان على الكاميرا. نسبة النجاح فى هذه المرحلة تتراوح بين 8 إلى %11 فقط، وهو ما يساعدنا فى ضمان أن لدينا أفضل الكوادر الفنية فى السوق.

● حازم شريف: إذن، كانت البداية مليئة بالتحديات، لكن اليوم أنتم تحتفلون بالعقد رقم 100. ما السر وراء هذه النجاحات السريعة؟

أحمد جابر: السر ببساطة هو الثقة فى قدراتنا، والتزامنا بتحقيق الجودة فى كل جانب من جوانب عملنا، من البداية وحتى اليوم.

● حازم شريف: عندما تكون فى مصر لاختيار مهندسين، هل تعتمدون على شركات توظيف، أم أن هناك طرقا أخرى لاختيار الكوادر؟

أحمد جابر: الحقيقة أنه ليس أنا من يقوم بذلك. لدينا فريق توظيف مكون من أربعة أفراد بالإضافة إلى مدير للموارد البشرية، وهم المسؤولون عن البحث العميق عبر مواقع مثل LinkedIn للعثور على الوظائف المطلوبة. اليوم، هناك أدوات حديثة تسهّل عملية التوظيف بشكل كبير. بعد البحث، يمر المرشحون بمجموعة من الإجراءات، تبدأ باختبار يعتمد على الذكاء الاصطناعى، ثم مقابلة تقنية، وفى النهاية مقابلة شخصية.

فريقنا فى التوظيف لديه خبرة كبيرة، نظرًا لأن شركة “CME” التى تعاوننا معها قبل تأسيس “كور بي” كانت تدير نصف قوة العمل فى أسواق الشرق الأوسط من مصر. جلبنا العديد من المهندسين من مصر، وبعضهم من لبنان، وكنا نبرم تعاقدات مع شركات خارجية عندما نحتاج إلى سرعة فى التوظيف، خاصة عندما يكون لدينا مشروع يتطلب تعيين 50 شخصًا بسرعة. فى بعض الأحيان، نتعاقد مع شركات فى الهند لتوفير موارد بشرية مؤقتة لمدة سنة، خاصة عندما يكون مصير المشروع غير مؤكد.

التعاقد المؤقت يكون شفافاً، مع ضمان المسؤولية عن الجودة. أما بالنسبة للمهندسين التابعين لنا بشكل دائم، فنعرف أنهم سيستمرون معنا لسنوات قادمة، وهذا ما يمنحنا الاستقرار فى فريق العمل.

● حازم شريف: ومن حيث هيكل الملكية، كيف تبدو الأمور اليوم بعد هذه التوسعات؟

أحمد جابر: اليوم، أصبحت الشركة مملوكة بنسبة %50 لى، و%50 لشركة “CME”. وبعد سنة وثلاثة أشهر من التأسيس، أصبحنا قادرين على تغطية استثماراتنا بالكامل.

● حازم شريف: يبدو أنكم حققتم نجاحًا ملحوظًا فى وقت قصير. هل يمكننا الحديث عن الإيرادات التى حققتموها فى 2024؟

أحمد جابر: لا أستطيع الإفصاح عن الأرقام الدقيقة فى الوقت الحالى، لأننا فى محادثات استثمارية جارية وأنا مرتبط باتفاقية عدم إفصاح. لكن يمكننى القول إننا حققنا إيرادات تفوق توقعاتنا بشكل كبير.

● حازم شريف: وماذا عن التحديات التى ظهرت نتيجة هذا النمو السريع؟

أحمد جابر: الحقيقة أن النمو السريع خلق عبئًا كبيرًا علينا. عندما يكون لديك حوالى 200 موظف، من الصعب تخيل حجم الإيرادات التى تحتاج لتحقيقها لتغطية التكاليف. لدينا حوالى 100 موظف فى مصر، و40 فى بيروت، والبقية فى الهند والسعودية. الإيرادات فى السنة الأولى تجاوزت 10 ملايين دولار، وهو رقم كان مرعبًا بعض الشيء لنا، خاصة أننا كنا فى أول عام تأسيس، ولم نكن قد بنينا بعد الثقافة المؤسسية الكاملة داخل الشركة.

● حازم شريف: وكيف تم التعامل مع هذه التحديات؟

أحمد جابر: التحديات تم التعامل معها بفضل خبرة شركائنا فى “CME”، الذين ساعدونا فى تحسين إدارة الجودة وتقنيات العمل. عملنا بسرعة على بناء محاور واضحة لأعمالنا، ووضعنا إجراءات داخلية قوية ورؤية واضحة. استفدنا بشكل كبير من تجربتهم، مما جعل عروضنا اليوم تضاهى فى جودتها منتجات شركات عالمية، وليس مجرد شركة ناشئة.

● حازم شريف: إذًا، هل تعتبرون أنفسكم شركة ناشئة، أم أنكم انتقلتم إلى مرحلة أخرى؟

أحمد جابر: فى الوقت الحالى، لم نعد نعتبر أنفسنا شركة ناشئة. نحن فى مرحلة “التحجيم” (Scale-up)، بمعنى أننا شركة قائمة بذاتها فى مرحلة التوسع. اليوم، لدينا أكثر من 200 موظف ونعمل بشكل مريح على تلبية احتياجات السوق والنمو بشكل مستدام.

● حازم شريف: فى حال قررت جمع تمويل فى المستقبل، هل ستتوجه إلى رأس المال الجريء (Venture Capital)؟ أم أن هناك خطة للاعتماد على صناديق استثمار تقليدية أو مستثمرين ماليين عاديين؟ وما نوعية المساهمين الذين تخطط لجذبهم؟

أحمد جابر: وضعنا المالى فى الوقت الحالى جيد جدًا. طبعًا، هناك أشهر سهلة وأخرى صعبة، وهو شيء تعلمته كـرائد أعمال. عندما كنت موظفًا، كنت أنتظر نهاية الشهر للحصول على الراتب والإجازات، لكن اليوم أصبحت أقلق بشأن نهاية الشهر وأعمل على تأمين رواتب الأشهر المقبلة.

الهدف الرئيسى لدينا هو جذب المستثمر الإستراتيجى، وهو الهدف الذى نتطلع إليه جميعًا. فى بعض الأحيان، عندما نحتاج فقط إلى سيولة نقدية، يمكننا الحصول على تمويل من أى مستثمر يقدم عرضًا ماليًا جيدًا. لكن إذا كان هناك مستثمر إستراتيجى مهتم فعلًا بالتحول الرقمى ويفهم ما نقوم به، ويساعدنا فى التوسع فى أسواق جديدة، فهذا هو النوع من المستثمرين الذى أود أن نعمل معه فى المرحلة المقبلة.

● حازم شريف: عند تأسيس “كور بي” فى 2024، هل كانت الأسواق السعودية والإماراتية والمصرية ضمن خططكم المستهدفة من البداية، أم أن السعودية فرضت نفسها على أولوياتكم؟

أحمد جابر: الحقيقة أننا كنا مستهدفين هذه الأسواق الثلاثة من البداية: مصر، والسعودية، والإمارات. لكن بما أن آخر فترة لى فى “فيزا” كانت فى مصر، كانت السوق المصرية هى الأولى استهدافا بالنسبة لى، لأسباب عديدة، أبرزها أن التحول الرقمى فى مصر يحدث بوتيرة سريعة جدًا، وهو وقت مثالى لشركات التكنولوجيا للانطلاق هناك.

● حازم شريف: بعد سنة وثلاثة أشهر من التأسيس، كيف تقسمون إيرادات الشركة بين الأسواق المختلفة؟ لا أقصد الأرقام، بل النسب فقط.

أحمد جابر: حاليًا، السعودية هى السوق الأولى بالنسبة لنا، بحصة تتجاوز %90 من الإيرادات، أما الإمارات، فهى تمثل حوالى %10، وبالنسبة لمصر، حتى الآن لم نتمكن من توقيع أى صفقات، وأعتقد أن هذا يرجع إلى انشغالى الشديد بالسوق السعودية. فى الواقع، قضيت عامًا كاملاً فى غرفة فندقية فى السعودية، ولم أكن أتوقع أن يستغرق الأمر هذه الفترة. كلما انتهينا من مشروع، بدأنا فى آخر فورًا.

● حازم شريف: هل حقًا وصلتم إلى 100 مشروع فى السعودية؟ وهل هذه المشروعات مع البنك نفسه أم مع مؤسسات مختلفة؟

أحمد جابر: نعم، وصلنا إلى 100 مشروع فى السعودية، ومع أربع مؤسسات مالية رئيسية: البنك الأهلى السعودى، الشركة الوطنية للتمويل، بنك البلاد، وبنك رابع لا يمكننى الإفصاح عنه حالياً لأنه بنك رقمى جديد لم يُطلق رسميًا بعد فى السعودية. هناك مشروعات صغيرة قد تستغرق شهرًا أو أقل، ولكننا فخورون جدًا بمساهمتنا فيها حتى إن كانت جزءًا صغيرًا من كل مشروع.

● حازم شريف: ما الدرس الأهم الذى تعلمته من هذا النمو السريع خلال عام واحد؟ مجرد توقيع 100 عقد فى هذه المدة القصيرة هو أمر غير اعتيادى.

أحمد جابر: النمو السريع خلال عام واحد كان درسًا مهمًا جدًا. ما تعلمته هو أنه عندما تنمو بسرعة، يجب عليك التوقف ومراجعة نفسك. يجب أن تسأل: أين نحن الآن؟ ما وضعنا الحالي؟ ويجب إعادة ترتيب الهيكل المؤسسى بالكامل. النمو السريع يتطلب بناء شركة منظمة تستطيع استيعاب هذا التوسع.

اليوم، لدينا فرق فى الهند، ومصر، والإمارات، بالإضافة إلى موظفين من شركائنا فى “CME”. والتحدى كان كيفية خلق تناغم بين هذه الفرق المتنوعة ثقافيًا. لذلك، قررنا فى الربع المالى الحالى ألا نبيع أى منتجات، بل اعتبرناها “وقفة تعبوية” لإعادة بناء الهيكل المؤسسى بشكل مضبوط.

عملنا مع متخصصين فى التخطيط الإستراتيجى، من بينهم محترفون من بنك استثمار جولدمان ساكس، لأنك لا تستطيع أن تكون خبيرًا فى كل المجالات. رغم أن “فيزا” كانت لها الفضل فى تعليمى التخطيط الإستراتيجى فى جامعة هارفارد، إلا أننى أدركت أننى بحاجة للعمل مع أفضل المتخصصين فى هذا المجال.

● حازم شريف: هل استعنت بـInvestment Banker (مستشار مالى خبير) فى جولات التمويل أو التوسع الخاصة بشركتك؟

أحمد جابر: نعم، استعنا بمستشار متميز للغاية، وهو الأستاذ عادل أفيونى، الذى كان وزير الاستثمار فى لبنان سابقًا، هو عضو فى شركة CME، ويعد إضافة كبيرة لشركتنا، لديه خبرة كبيرة فى مجال الاستثمار فى السعودية ودول الخليج، وبدأنا نتحدث بأسلوب أكثر عقلانية بشأن الاستثمار، ورغم أن الموارد قد تكون مكلفة، لكن الاستعانة بشخص ذى خبرة يعطينا فرصة للتعلم المستمر وتطوير الأعمال.

● حازم شريف: ننتقل الآن إلى تجربتك العملية فى ثلاث أسواق مختلفة: مصر، السعودية، والإمارات. كيف ترى التحول الرقمى فى كل سوق على حدة؟ وما أبرز الملاحظات التى يمكن أن تشاركها معنا حول هذه الأسواق؟

أحمد جابر: التحول الرقمى بشكل عام، مثل العديد من الصناعات، يبدأ من الحكومة، لأن الحكومة تلعب ثلاثة أدوار رئيسية: التنظيم، تقديم بعض الخدمات الأساسية مثل جوازات السفر والتوثيق، وكذلك القدرة على التغيير والتطوير المستمر، أما الأهداف فهى زيادة الإنتاجية، رفع الكفاءة، وتسهيل الخدمة على المواطنين.

فيما يخص مصر، أنا فخور جدًا بالتغييرات التى تحدث فى البنية التحتية، مثل المدن الجديدة، خطوط المترو، والمونوريل. التغيير أصبح واضحًا جدًا للجميع. ما نراه فى مصر هو مثال حقيقى على التحول الرقمى فى البنية التحتية.

السعودية الآن تحتل المرتبة الرابعة عالميًا فى مؤشر الأمم المتحدة للخدمات الحكومية الرقمية، حيث أن %97 من الخدمات المقدمة للمواطنين هناك أصبحت إلكترونية. نموذج آخر يعجبنى هو دولة إستونيا، التى وصلت إلى %99 من خدماتها إلكترونية، رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز مليون و700 ألف نسمة. ورغم أن السعودية كانت فى المرتبة الرابعة فى المؤشر فى السابق، أعتقد أنها ستتقدم للمرتبة الثالثة، وهى بالفعل رائدة فى مؤشرات أخرى كثيرة.

● حازم شريف: ما الذى يمكن أن تتعلمه الدول العربية الأخرى من التجربة الإستونية فى التحول الرقمي؟

أحمد جابر: تجربة إستونيا مذهلة. رغم أنها دولة صغيرة، لكنها استطاعت تحقيق تقدم هائل فى التحول الرقمى. فى السنة الواحدة فقط، توفر إستونيا إنتاجية تعادل 1400 سنة عمل بفضل تحولها الرقمى الكامل. ومن المهم أن نلاحظ أن هذا التحول لم يكن محصورًا فى قطاع معين، بل شمل جميع الخدمات الحكومية والأعمال، مما أدى إلى تحسين شامل فى مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

● حازم شريف: شركتك تنقسم إلى جانب استشارى وآخر تقنى. ما أبرز المنتجات التى طورتها شركتكم، وهل هناك أمثلة على منتجات ساعدتم الآخرين فى بنائها؟

أحمد جابر: فى البداية، أخطأنا فى اختيار نموذج الأعمال. أسسنا الشركة على ثلاثة منتجات رئيسية: أولًا “الكور بانكينج”، وهو الحل البنكى المركزى الذى يدير حسابات العملاء والمقاصة اليومية. ثانيًا، “الميدل وير”، وهو حل يربط بين الأنظمة البنكية المختلفة، سواء داخليًا أو مع شركات عالمية. ثالثًا، تطبيق الهاتف الخاص بالبنك، الذى يعد من أكثر الحلول التقنية تعقيدًا. فى السنة الأولى، لم نبع أيًا من هذه المنتجات بالكامل، بل قمنا ببيع أجزاء صغيرة منها. اكتشفنا أن السوق لا تقبل الحزمة الكاملة دفعة واحدة، ولحسن الحظ أن خدماتنا قابلة للتفكيك والتخصيص.

● حازم شريف: من الغريب أنكم طوّرتم ثلاث منتجات رئيسية ولم تبيعوا أيًا منها بالكامل فى البداية!

أحمد جابر: صحيح، كان هذا أحد الدروس المهمة لنا. بعنا فقط أجزاء صغيرة من المنتجات، وكان ذلك فى صالحنا. لو كنا تعاقدنا على أنظمة كاملة، كنا سنواجه التزامات ضخمة، وهو ما لم نكن نرغب فيه. المرونة فى التعامل مع الشركاء سمحت لنا بتقديم حلول تراعى هدفنا الرئيسى: تسريع التحول الرقمى ودعمه فى الأسواق التى نعمل فيها.

● حازم شريف: هل لا تزال تمارس الرياضة حتى الآن؟

أحمد جابر: نعم، أمارس الرياضة بشكل مستمر، وخاصة الملاكمة. ولكن فى شهر رمضان، لم أتمكن من التمرين. بدأت الملاكمة فى عام 2020، مع بداية جائحة كورونا. قبل ذلك، كنت أمارس الرياضة بشكل عام، مثل الذهاب إلى “الجيم” أو الركض، أو حتى الاستعانة بمدرب خاص، كما يفعل الكثيرون للحفاظ على لياقتهم البدنية.

فى عام 2020، صديقى العزيز شادى، وهو رياضى معروف، قال لى: “هنبدأ نتخن، تعال نلعب بوكس.” وافقت على الفور، ورغم أن الصالات الرياضية كانت مغلقة بسبب الجائحة، لكن شادى كان يعرف شخصًا لديه صالة تدريب خاصة، بدأنا التدريبات مع الكابتن محمد رضا، بطل مصر فى الملاكمة، ومن ثم تطور الأمر إلى تدريبات فى الفنون القتالية المختلطة.

الكثير من الناس يستهينون بالرياضة والموسيقى، لكن فى رأيى هما ضروريان للغاية. بالنسبة لى، الموسيقى تساعدنى على التفريغ الإيجابى للطاقة، الرياضة لها التأثير نفسه؛ تمنحنى طاقة وحافزًا لمواجهة التحديات. وكذلك القراءة، خاصة قراءة القرآن، فهى تسهم فى تقوية الروحانيات. لا أود تحويل الحديث إلى موضوع دينى، لكننى أؤمن بأن الروحانيات أساسية جدًا فى حياة أى إنسان، مهما كان دينه.

كما قال ليو تولستوى فى كتابه “اعتراف”: “لكى تكون إنسانًا متوازنًا، يجب أن يكون فى حياتك العمل والإيمان.” هذه العناصر معًا تشكل شخصية متوازنة وقوية.

● حازم شريف: التوازن بين العمل والإيمان كما ذكر تولستوى، هو فكرة رائعة لنختتم بها هذا الحوار المميز معك. واستمتعت بالحديث عن هذه الشركة.. ولكن هل هناك نية للطرح فى البورصة خلال الفترة القادمة؟

أحمد جابر: شكرًا لك، استمتعت بالحوار أيضًا. بالنسبة للطرح فى البورصة، الأمر لا يزال مبكرًا بعض الشيء، لكننا بالفعل نناقشه. بالطبع، هذا لن يحدث قبل دخول مستثمر. نحن الآن فى مرحلة حاسمة من عمر الشركة، وهى مرحلة “أكون أو لا أكون”. التحدى الرئيسى الآن هو: هل سنتمكن من الحفاظ على ما بنيناه، أم ستواجهنا تحديات جديدة؟

● حازم شريف: أنا شخصيًا متفائل جدًا بمستقبل شركتكم، خاصة أن لديكم خبرات قوية وتفكيرا إستراتيجيا فى جذب مستثمرين. خلفيتك القوية فى العمل مع شركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى فريق قوى ومؤسسة راسخة، تجعلنى واثقًا من نجاحكم.

أحمد جابر: إن شاء الله. وأتمنى من هذا المنبر أن نرى المزيد من التقدم التكنولوجى فى الدول العربية. لو تمكنا من توفير آلاف السنين من الإنتاجية عبر التحول الرقمى، وهذا ما سيحدث الفارق الكبير، وسيكون لذلك تأثير هائل على اقتصاداتنا ورفاهيتنا جميعًا.. فالرقمنة لم تعد اختيارًا للجميع.

أطلقنا الشركة فى يناير 2024.. ووقعنا 100 عقد خلال 15 شهرًا فقط

حققنا إيرادات تفوق 10 ملايين دولار فى عامنا الأول.. وما زلنا فى طور التأسيس

عدد موظفينا تجاوز 200 فى 3 دول.. والهيكل المؤسسى ما زال قيد البناء

بدأنا من مشروع «بدون مقابل».. واليوم نغلق مشروعًا كل أسبوع تقريبًا

%90 من إيراداتنا حاليًا من السعودية.. ومصر لم نبدأ فيها بعد

بنية البنوك التقنية ليست المشكلة… الأزمة فى سرعة اتخاذ القرار

نعيد هندسة البنية الداخلية للمؤسسة

بعض المشروعات تحتاج 6 أشهر للتقييم قبل تقاضي أول دفعة

منتجاتنا قابلة للتفكيك.. والمصرف يشترى ما يحتاجه فقط

السعودية فى المركز الثالث عالميًا فى التحول الرقمى الحكومي

الرقمنة يمكن أن توفّر لمصر آلاف السنين من الإنتاجية سنويًا

بعت سيارتى فى القاهرة والإمارات لتمويل أول مشروع لـ«كور بي»

ارتكبنا كل الأخطاء الكلاسيكية فى ريادة الأعمال.. وتعلمنا منها بسرعة

أبحث عن مستثمر إستراتيجى يفهم التكنولوجيا… لا مجرد ممول

تعلمت الملاكمة فى أثناء كورونا.. والانضباط فى التدريب علمنى قيادة الفرق