تنعقد بالأمس قمة «مجموعة العشرين» التى تصبو إليها التطلعات البشرية- فى ظل تقاعس النظام الدولى- للخروج من أزماتها المتلاحقة، إذ لم يشهد العالم تغييرات كبرى غير مسبوقة.. من قبل مائة عام، زمن «الجائحة الأسبانية» التى قضت منذ 1918 على نحو خمسين مليوناً من البشر، لمثل ما يحدث للبشرية منذ نهاية 2019 مع جائحة فيروس «كورونا»، ما يؤكد إلى جانب المتغيرات المناخية الأخرى- الملوثة للبيئة- حقيقة كوكبنا الأرضى «مسامى الحدود».
وأن مصالح دول العالم من ثم.. مترابطة، فضلاً عن تشارك البشرية فى مستقبل واحد لا يميز بين الأعراق، بحيث لا يمكن صيانته إلا بجهود متضافرة تحول دون دخول الاقتصاد العالمى مجدداً فى أخطر ركود منذ الكساد الكبير مطلع ثلاثينيات القرن الماضى .. وإلى الأزمة الاقتصادية المالية نهاية 2008، ذلك من بعد إخفاق الدول الإمبراطورية الإمبريالية – عقب الحربين العالميتين- فى تشكيل نظم دولية أكثر عدلاً، سواء من خلال «عصبة الأمم» أو «الأمم المتحدة» إلا من تحميل الدول الإقليمية عبء الحرب «بالوكالة» عنهم.
وما إليها من توابع سياسية واقتصادية ومجتمعية وبيئية، كان من الطبيعى أن تنعكس آثارها على مجمل الأمن والسلم الدولى والإقليمى، وبالتوازى مع «التنمر» الإمبريالى فى ممارسة اللعبة «الصفرية» بعقلية الحرب الباردة، ما أدى بالضرورة إلى ظهور تجمعات تعددية نشأت على هامشها منظمات قارية، مثل الوحدة الأوروبية، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وما إليهم من مجموعة دول «بريكس»، و«منظمة شنغهاى للتعاون».. إلخ.
كان وجودها فى نهاية المطاف أفضل كثيراً من عدمه لتحصين الاستقرار الذى عجزت عن تحقيقه كل من «الثنائية الأوروبية» 1916، والثنائية النووية 1949.. وصولاً إلى الأحادية الأميركية 1992 التى أثبتت فى عقدها الأخير عدم صلاحيتها لتزعم العالم منفردة، ما دعا إلى تعاظم دور مجموعة دول العشرين التى سبق إعلانها مع مطلع الألفية الثالثة الميلادية كواحدة من أهم التجمعات السياسية للمساعدة فى إنقاذ النظام المالى العالمى كما حدث عام 2008، إذ ضمت بجانب دول منظمة الوحدة الأوروبية- 19 دولة من مختلف قارات العالم- فى استطاعتها مواجهة ما لم تستطع الاقتصادات الصغيرة بمفردها أن تفعل إزاءه شيئاً، ذلك من خلال سياسة عمل مشترك يتم التركيز فيه على الصالح العام.. والمصالح الجماعية، ومن دون الأهداف الخاصة والأجندات الاستثنائية لدول ذات أحلام إمبراطورية.. تصنع مجدها على حساب إشاعة روح عدائية عنصرية تنتشر فى العالم كما السرطان، بحيث لا يمكن أن تتحملها دول العالم الجديد «المأزومة»، والمقترح إعادة جدولة ديونها فى القمة التى هى فى واقع الأمر فى مركب واحد، إما نحو النجاة أو إلى التهلكة الجماعية فى ظل مخاطر جسيمة تواجه قطاعات وبلداناً عديدة بالإفلاس الحتمي.
فى هذا السياق، تنعقد قمة مجموعة العشرين فى الرياض- السعودية – فى أصعب مراحلها، وبمشاركة من قادة الدول الأكبر اقتصادياً وسط هذه الأحوال العالمية المضطربة، وتحت وطأة انتشار جائحة «كورونا» التى خصصت المجموعة لمكافحتها 21 مليار دولار، فضلاً عن ضخ 11 تريليون دولار لحماية الاقتصاد العالمى الذى يعانى تبعات الجائحة الفيروسية، كما يتوازى اجتماع القمة مع متغيرات سوسيولوجية فى الولايات المتحدة وألمانيا- ثالث ثلاثة مع الصين كأكبر اقتصادات العالم- وفى حضور اليابان (عضو القمة) التى تسعى حكومتها الجديدة لتطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية، ربما على غرار توجه الصين (عضو القمة) نحو تنمية العلاقات مع كوريا الجنوبية.
ذلك فى إطار سعى النمرين الآسيويين الكبيرين إلى تخفيف التوتر فى المنطقة، كما إلى معالجة القمة للتحديات الاقتصادية الناشئة عن الحروب التجارية التى تضر الجميع من فرط تأثيرها على انسياب حركة التجارة الدولية بشكل عام، ناهيك عن بحث موضوعات أمنية تتصل بتحركات عسكرية تؤثر على استقرار سوق الغاز.. من شرق البحر المتوسط إلى آسيا الوسطى، حيث تتوجه أصابع الاتهام- بالتحريض فى المشهدين المتوسطى والقوقازى- إلى تركيا (عضو القمة)، ذلك دون استثناء مناقشة ملف صراعات الحضارات ما بين الحق فى «حرية التعبير».. وبين حماية «الرموز الدينية» من التشويه، إلى ما غير ذلك من مباشرة نتائج مهمة مأمولة.. كطوق نجاة أو طاقة نور فى نهاية نفق طويل مظلم للغاية يجتازه العالم، وبهدف تعزيز التوافق الدولى الذى تعمل من أجله.. دول مجموعة العشرين وشركاؤها لترسيخ الاستقرار فى كل أرجاء البسيطة.
إذ يمكن القطع بأن قمة مجموعة العشرين تعد حالياً أفضل السبل والجهود العالمية للتواصل مع القادة العالميين وبالمنظمات الدولية. لمواجهة التحديات التى تواجه كوكبنا البشري، ما يفتح أبواب الفرص- عن حق- للجميع من المعرضين إزاء حالات الانقسام الإقليمية والدولية إلى أخطار محدقة، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط- قلب العالم- من يديرها كأنه يحكم العالم، ما يجعل منها موضع صراع من حولها وفى داخلها، إلا من وقوف العرب موزعين غير متضامنين إزاء حالة تنافس- أقرب إلى الخصومة- مع القوميات الرئيسية الثلاث الأخرى غير العربيات، على أطراف المنطقة (إيران- تركيا)، وباستثناء دسّ إسرائيل أنفها مثل كلب الصيد فى داخل الوطن العربى، حيث التسابق فيما بينهم على قصب السبق نحو مركز إقليمى متفوق يتيح لأيهم عن الآخرين، مكانة دولية متميزة، وبالعكس، ما يدعو كلا من مصر (الأفريقية) والسعودية (الخليجية) فى السنوات الأخيرة إلى الطرح جانباً سابق عوامل الغيرة الدبلوماسية بينهما، وللتوجه معاً من ثم نحو خيار مصر للسلام 1978، كضرورة للتركيز لاحقاً على تحديات الهيمنة الإيرانية والتركية، وذلك فى إطار تعزيز وتأكيد روح الفريق الإقليمى- العالمى داخل الأسرة البشرية الواحدة- إذا صلحت النوايا- وصولاً ربما إلى منظومة موازية عربية- شرق أوسطية، قد تمثل «مدينة نيوم الإلكترونية الحديثة، نواتها، من حيث مشاطأتها للدول المطلة على خليج العقبة وشمال البحر الأحمر، والمتصلة من جانب آخر بطريق الحرير عن المبادرة الصينية الدولية «الحزام والطريق»، ما يجمع فى إطار هذه المسيرة العمرانية لما بعد الحداثة.
ووفق الرؤية المصرية- السعودية حتى 2030، ما بين الاحتكارات البترولية العربية.. والاحتكارات المالية الدولية، إلى جانب القاطرة الاقتصادية للصين، والقوة الحضارية والبشرية العلمية لمصر، كتجربة نادرة فى رسم صور «الاقتصاد البديل»، وإلى تنويع المصادر، ومن ثم إلى تسريع السعى نحو المستقبل، لا تبتر فحسب الأذرع الإرهابية داخل الإقليم، وامتداداتها الدولية، بل قد تمثل أيضاً نواة لنظام دولى تعددى جديد.. قد يجرى الإعداد له فى أروقة مجموعة العشرين التى تطلق على اجتماعاتها قمة تمكين الإنسان، لعلها تعيد الطمأنينة الإنسانية القلقة والمرتجفة، جماعيتها المفقودة.