كان رالف بنش أول شخص من ذوي البشرة الداكنة يفوز بجائزة نوبل، عن جهوده في السلام العالمي، في 1950، وتبعه بعد ذلك ألبرت جون لوتولي، حيث كان الأخير أول إفريقي يحصل على الجائزة في سنة 1960 للسلام أيضًا، بينما كان مارتن لوثر كينج أصغر أمريكي من أصول إفريقية يتوّج بـ”نوبل” في 1964، وكان السير ويليام آرثر لويس أول من كسر تلك القاعدة القائلة أن أصحاب البشرة الداكنة لا يفوزون بنوبل إلا عن جهودهم في السلام.
يعد السير ويليام آرثر لويس أول شخص من أصحاب البشرة الداكنة يفوز بجائزة نوبل عن غير فئة السلام أو الأدب فيما بعد، وأول عالم من منطقة بحر الكاريبي أيضًا.
نشأة مأساوية بينما تُنبؤ بالكثير
يقول آرثر لويس عن نفسه في أرشيف جائزة نوبل، إنه وُلد في سانت لوسيا، التي كانت آنذاك جزءًا من المستعمرة الفيدرالية لجزر ويندوارد البريطانية، وكان لويس الرابع من بين 5 أبناء لجورج فرديناند وإيدا لويس، والآخرون هم ستانلي وإيرل وألين وفيكتور.
وهاجر والداه من أنتيجوا بعد فترة وجيزة من مطلع القرن الماضي، وتوفي والده عندما بينما آرثر يبلغ من العمر 7 سنوات وإخوته تتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 عامًا، تاركًا زوجته إيدا لتربية أطفالها الخمسة بمفردها.
كان لويس طالبًا موهوبًا، ولذلك رُقي بفصلين قبل سنّه، وبعد إنهاء دراسته وعندما كان في الـ14 من عمره، عمل كاتبًا، بينما كان ينتظر أن يبلغ من العمر ما يكفي لدخول امتحان منحة حكومية إلى إحدى الجامعات البريطانية، والتي حصل عليها فعلًا في عام 1932، وخلال ذاك الوقت أصبح صديقًا لإريك ويليامز؛ أول رئيس وزراء لدولة ترينيداد وتوباغو فيما بعد.
تحديات بسبب اللون
كان اختيار لويس المهني الأول أن يصبح مهندسًا، لكنه يقول إن ذلك بدا بلا جدوى، لأن الحكومة والشركات البيضاء لن تسمح بتوظيف مهندس أسود، وقال لاحقًا: “في النهاية قررت أن أدرس إدارة الأعمال، وأنوي العودة إلى سانت لوسيا لوظيفة في الخدمة البلدية أو في التجارة الخاصة، أو أدرس القانون في نفس الوقت لأعود إذا لم يظهر أي شيء إداري”.
حينما كان لويس في سن الـ18، حصل على منحة حكومية للدراسة بكلية لندن للاقتصاد (LSE)، وكان أول فرد “أسود” يُقبل هناك، وأثناء التحاقه بالدراسة للحصول على درجة البكالوريوس في التجارة، عام 1933، حقق نجاحًا مماثلًا كما فعل في المدرسة الابتدائية، وحظي تفوقه الأكاديمي بملاحظة وإعجاب أقرانه وأساتذته.
وأثناء وجوده بكلية لندن للاقتصاد، درس على يد جون هيكس وأرنولد بلانت وليونيل روبينز وفريدريك هايك، ثم تخرج في عام 1937 مع مرتبة الشرف الأولى، ومنحته الكلية منحة للحصول على درجة الدكتوراة في الاقتصاد الصناعي.
وأصبح لويس أول عضو هيئة تدريس “أسود” في كلية لندن للاقتصاد، ففي عام 1938 عُين مدرسًا، وفي 1939 صار مدرسًا مساعدًا، واستمر في العمل كعضو في هيئة التدريس بكلية لندن للاقتصاد حتى عام 1948، وكان في عام 1947، قد تزوج من جلاديس جاكوبس.
اختارت جامعة فيكتوريا في مانشستر، لويس محاضرًا لديها، وانتقل هناك مع أسرته، ليصبح أول أستاذ محاضر “أسود” في بريطانيا، في عام 1948، عن عمر يناهز 33 عامًا، وظل أستاذًا هنالك في مانشستر حتى عام 1957.
لويس.. واقتصاديات التنمية
يقول جوستاف رانيس في دراسته “مساهمة آرثر لويس في سياسة التنمية“، إن فترة تدريس لويس في جامعة فيكتوريا شهدت تطويره بعضًا من أهم مفاهيمه حول أنماط رأس المال والأجور في البلدان النامية، وأصبح معروفًا بشكل خاص بمساهماته في اقتصاديات التنمية، ذات الأهمية الكبيرة، حيث بدأت المستعمرات في الحصول على الاستقلال من مستعمريها الأوروبيين.
كما عمل لويس مستشارًا اقتصاديًا للعديد من الحكومات الإفريقية والكاريبية، بما في ذلك نيجيريا وغانا وترينيداد وتوباغو وجامايكا وبربادوس، وعندما حصلت غانا على استقلالها في عام 1957، عُين كأول مستشار اقتصادي للبلاد، وشارك في وضع أول خطة خمسية للتنمية (1959 – 1963).
“السير” ويليام آرثر لويس
يقول فيليكس برينتون في دراسته عن “السير ويليام لويس آرثر“، إنه في عام 1959، قد عاد إلى منطقة بحر الكاريبي عندما عُين نائبًا لرئيس جامعة ويست إنديز، وبعدها انُتخب في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم عام 1962، وفي عام 1963 حصل على وسام “فارس” من الحكومة البريطانية، لإنجازاته وإسهاماته في الاقتصاد، وفي ذات العام أصبح أستاذًا للشئون العامة والدولية في جامعة برينستون، فكان أول مدرس “أسود” يحصل على درجة الأستاذية الكاملة.
شغل لويس بعد ذلك منصب أستاذ للاقتصاد السياسي في جامعة جيمس ماديسون، وفي عام 1966، انُتخب عضوًا في الجمعية الفلسفية الأمريكية، كما كان من 1966 إلى 1973 مدير جامعة غيانا، وعمل آثر في جامعة برينستون على مدار العقدين التاليين، حيث درّس أجيالًا من الطلاب حتى تقاعده في عام 1983.
وقد ساهم لويس في إنشاء بنك التنمية الكاريبي، وفي عام 1970 اختير كأول رئيس له، وخدم بهذه الصفة حتى عام 1973.
أبحاث قادت لـ”نوبل”
قالت سارة بيندر في مقالها “إرث الحائز على جائزة نوبل السير لويس آرثر.. إحياء لذكراه في روبرتسون” إن لويس كتب عددًا من الأبحاث، والتي أدت إلى تقدمه نحو “نوبل”، مثل “العمل في جزر الهند الغربية: ولادة حركة عمالية (1939)”، الذي نشرته جمعية فابيان لأول مرة في عام 1939، وكان البحث سردًا للحركة العمالية في الثلاثينات في بحر الكاريبي، وظل العمل الوحيد المنشور عن الحركة على مستوى تلك المنطقة والتمردات العمالية الناطقة بالإنجليزية لعقود، وأعاد جون لا روز وسارة وايت نشر الكتاب في نيو بيكون بوكس في فبراير 1978، حيث يُوصف لويس أنه من أوائل المؤيدين لجبر ضرر جزر الهند الغربية السابقة عن أخطاء الاستعمار البريطاني، بسبب الأفكار التي طرحها في العمل.
نموذج لويس
ونشر لويس في عام 1954 أكثر مقالاته تأثيرًا “التنمية الاقتصادية بإمدادات غير محدودة من العمالة“، وفي البحث قدم ما سُمي بعد ذلك نموذج القطاع المزدوج، أو “نموذج لويس” أو “أصول التخطيط الاقتصدي“.
كما جاء اسم لويس بأرشيف “متخصصون في النظرية النظرية الاقتصادية“، وفيه أنه جمع بين تحليل التجربة التاريخية للبلدان المتقدمة والأفكار المركزية للاقتصاديين الكلاسيكيين لإنتاج صورة واسعة لعملية التنمية، وفي نظريته، يتطور القطاع الرأسمالي بأخذ العمالة من قطاع “الكفاف” المتخلف غير الرأسمالي، ويخضع للمؤسسات غير الرسمية والأعراف الاجتماعية، حيث لا يضاعف المنتجون أرباحهم، ويمكن أن يحصل العمال على أجور أعلى من ناتجهم الهامشي، وينتج عن ذلك عوائد أعلى لرأس المال، والتي يُعاد استثمارها في تراكم رأس المال، بينما في المقابل، تؤدي الزيادة في مخزون رأس المال إلى توسيع العمالة عن طريق جذب المزيد من العمالة من قطاع الكفاف، ليصبح الآخرون مكتفين ذاتيًا، ما يؤدي إلى التحديث والتنمية الاقتصادية، وأظهر البحث، بناء على تحليل لويس، أن مكاسب الإنتاجية في المناطق التي كان يشغلها سابقًا قطاع الكفاف، مثل الزراعة، ويمكن أن تعوض بعض الطلب على العمالة.
نظرية النمو الاقتصادي
جاء في أرشيف جامعة ويست إنديز أن لويس في كتابه “نظرية النمو الاقتصادي” الصادر في 1955، سعى إلى توفير إطار مناسب لدراسة التنمية الاقتصادية، مدفوعًا بمزيج من الفضول والحاجة العملية، فخلال الثورة الصناعية، كانت إنجلترا تعاني من أسوأ اضطراب اقتصادي في عصرها، وبدأت المدن في التحول نحو المصانع وأساليب الإنتاج كثيفة العمالة، حيث شهدت تحولات عملاقة في أسواق العمل والزراعة، مما أدى في النهاية إلى زيادة الإنتاج وزيادة الدخل، ومن ثم وضع لويس نظرية فحواها “إذا تمكنت إنجلترا من تغيير سوء حظها، فيمكن أن تفعل الشيء نفسه للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم”، وأثبتت نظرياته صحة بعض البلدان، مثل نيجيريا وبربادوس، حيث شهدت بعض التنمية الاقتصادية.
نوبل تنتظر “السير”
حصل لويس على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1979، وتقاسمها مع ثيودور شولتز، لأبحاثهما الرائدة في أبحاث التنمية الاقتصادية مع إيلاء اعتبار خاص لمشاكل البلدان النامية.
الفارس يترجل عن جواده
توفي لويس في الخامس عشر من يونيو 1991 في بريدجتاون ببربادوس، ودُفن في أراضي كلية سانت لوسيان، في مقبرة باسمه؛ تكريمًا له.