أكدت «فيتش سوليوشنز» مؤسسة الخدمات المالية التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتمانى أن الحكومة المصرية ملتزمة بتوفير بيئة مستقرة للمستثمرين الأجانب عبر اتخاذ عدة إجراءات من شأنها العمل على التعويض الجزئى للتباطؤ الاستثمارى الذى شهدته السوق المحلية خلال الفترة الأخيرة بسبب الظروف والتداعيات العالمية.
وترى المؤسسة الأمريكية فى أحدث تقرير لها عن مصر، حصلت «المال» على نسخة منه، أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية كانت قاسية على المصريين والاقتصاد حيث أدى ارتفاع التضخم إلى دورة تشديد نقدى قوية، كما تباطأ قطاع السياحة مرة أخرى.
الصناديق «فرس الرهان» لقطاع الائتمان العقارى
وركزت «فيتش سوليوشنز» بشكل أكبر على توقعاتها بشأن حركة القطاع العقارى فى مصر حتى عام 2026، والحديث عن فرص النمو وأهم التحديات التى قد يتعرض لها القطاع خلال هذه الفترة، مؤكدة أن صناديق الاستثمار العقارية ستصبح «فرس رهان» قطاع ائتمان الاستثمار العقارى حال اكتمال الأطر التنظيمة المناسبة لها.
النمو الاقتصادي
وتوقعت «فيتش سوليوشنز» حدوث تباطؤ فى النشاط الاقتصادى فى مصر، خلال الـ 12 شهرا المقبلة نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ السياحة.
وأوضحت أن هذه العوامل أدت إلى خفض توقعاتها الخاصة بالنمو فى مصر لتأتى أقل من متوسط الفترة من 2019-2015 والذى بلغ خلالها %4.8 مع تحديد مخاطر سلبية لهذا التوقع.
ورجحت “فيتش سوليوشنز” تباطؤ النمو الاقتصادى فى مصر إلى 4.3 % فقط فى السنة المالية الحالية (2023/2022) مقابل %6.2 خلال العام المالى الماضى (-2021 2022).
ارتفاع التضخم وزيادة العبء على الاستهلاك المحلى
وقالت إن ضعف الجنيه بشكل أكبر من المتوقع قد يؤدى إلى تحفيز التضخم وزيادة العبء على الاستهلاك المحلي، مما قد يدفع إلى تباطؤ النمو بين 3.3 و%3.8 فى السنة المالية 2023/2022.
وترى المؤسسة الأمريكية أن قطاعات النقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من المجالات الرئيسية التى ستقود معدلات النمو المرتقبة فى مصر خلال الفترة المقبلة.
وأكدت استمرار الاستثمار فى الهيدروكربون والبنية التحتية، موضحة أنها ستظل محركا رئيسيا للنمو الرئيسى فى مصر على المدى الطويل وأنها ستخلق فرصا لقطاعات أخرى داعمة مثل النقل والخدمات المالية والمصرفية.
وأشارت إلى أن قصة النمو الاقتصادى فى مصر خلال الفترة من عام 2017 وحتى جائحة كورونا كانت مدعومة بشكل كبير من زيادة حجم الاقتصاد الكلي، وحالة الاستقرار السياسي، موضحة أن الاقتصاد المصرى حقق معدلات نمو هى الأقوى فى 15 عاما تقريبا خلال العام المالى 2022/2021.
ارتفاع التضخم وزيادة العبء على الاستهلاك المحلى
وعلى صعيد التضخم، قالت «فيتش سوليوشنز» إن التضخم سيستمر فى نفق «الرقمين» – أى أكثر من %10 – الأمر الذى سيؤثر على الطلب المحلى وبطء نشاط الاستثمار، مرجحة أن يصل متوسط التضخم إلى %15.2 خلال النصف الثانى من العام الجاري.
وترى «فيتش سوليوشنز» أن التضخم المرتفع سيؤدى إلى تآكل دخل الفوائد للمصريين الذين استثمروا فى أدوات الدين الحكومية ذات العائد المرتفع أو شهادات الإيداع، بحسب وصفها.
وتوقعت أن يقوم البنك المركزى برفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، مؤكدة أن ارتفاع تكلفة خدمة الديون وتباطؤ النمو الاقتصادى سيقلل من عزيمة المركزى نحو التشديد النقدى القوي.
وأوضحت أن الحرب الروسية الأوكرانية لها تأثير خطير على الاقتصاد المصرى وستستمر فى ذلك خلال الفترة القليلة القادمة.
وذكرت أن الحكومة تحرص على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر وتحقق نتائج جيدة فى هذا الشأن وتلتزم بتوفير بيئة مستقرة للأجانب مع إصلاحات تم تفعيلها منذ عام 2014 لتحسين مناخ الأعمال.
التجزئة والصادرات
وتوقعت المؤسسة الأمريكية أن تظل تجارة التجزئة أحد القطاعات الرئيسية للنمو فى مصر، حيث تتوافر فرص توسع فى المستقبل، وسيستمر الطلب على مشغلى مراكز التسوق والسوبر ماركت الرئيسية.
وتوقعت «فيتش سوليوشنز» تحسن ظروف التشغيل فى سوق التجزئة وقطاع العقارات المخصص للبيع بالتجزئة، مدعومة بتحسين إنفاق الأسر وزيادة الرغبة فى الاستثمار وتطوير مبان ومدن جديدة.
وأوضحت أن تجار التجزئة الدوليين يواصلون الدخول والتوسع فى السوق المحلية سواء من خلال امتيازات أو عقد اتفاقيات مع شركات إقليمية وعلامات تجارية أجنبية، مدعوما بعدد السكان الكبير.
وقالت إن ضعف العملة يستمر فى تعزيز القدرة التنافسية للصادرات لكن مع استمرار اعتماد شركات التصنيع المصرية على واردات السلع مثل الحبوب وغيرها قد يؤدى إلى ارتفاع التكاليف.
وأوضحت أن مؤشر مدير المشتريات قد انخفض إلى 45.2 نقطة فى يونيو وهو الأدنى منذ يونيو 2020 وبشكل خاص فى قطاعى التصنيع والتجزئة، متوقعة أن يؤدى ارتفاع التضخم والسياسة النقدية المتشددة إلى تقليل القوة الشرائية والتأثير على القطاع الخاص.
ورجحت أن يواجه المستهلكون ارتفاعا فى تكاليف الاقتراض مع التوقعات برفع أسعار الفائدة، لافتة إلى أن الحكومة تعمل على زيادة الإنفاق الاجتماعى فى محاولة للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الغذاء والوقود على الأسر.
الاستثمار المحلى والإنفاق
وأوضحت أن الاستثمار المحلى سيتأثر بارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ الطلب، لكن فى مواجهة هذه التطورات السلبية، ما زال هناك انتعاش متوقع من الخارج فى إطار جهود الحكومة لجذب التدفقات الرأسمالية الوافدة خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وتوقعت «فيتش سوليوشنز» أن يسجل إنفاق الأسر فى مصر معدل نمو جيد على المدى المتوسط وحتى عام 2026، مرجحة أن يشهد عام 2022 تباطؤا فى نمو الإنفاق ليحقق %2.8 مقارنة مع %7 خلال عام 2021.
تعافٍ متوقع للإنفاق الأسرى ليصل إلى %3.6 بحلول 2026
ورجحت أن يبدأ الإنفاق الأسرى فى التعافى خلال عام 2023، وأن يسجل معدل النمو فى الإنفاق الأسرى كمتوسط سنوى نحو %3.6 خلال فترة التوقعات التى تنتهى 2026.
كما توقعت «فيتش سوليوشنز» أن ينمو نصيب الفرد من الدخل، على المدى المتوسط، من 1404 دولارات للفرد فى 2022 إلى 1460 دولارا 2023، ليصل إلى 1701 دولار بحلول عام 2026.
وأكدت المؤسسة الأمريكية أنه خلال الفترات الربع سنوية الأخيرة وعلى الرغم من وباء كورونا، انخفض معدل إفلاس الشركات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القوانين الجديدة والمزيد من بيئة العمل الداعمة.
وتوقعت تقوية العلاقات التجارية بين مصر والصين، موضحة أن الأخيرة عبرت عن رغبتها فى تزويد مصر بحزمة تحفيز تجاري، وفتح الباب أمام تطوير صناعات جديدة ومرافق التصنيع التى ستفيد قطاع الصناعة.
وأوضحت أن حل أزمة دول مجلس التعاون الخليجى أمر إيجابى أيضا، لأنه يزيل العوائق التى تعترض السفر والتجارة بين دول مجلس التعاون الخليجى ومصر مع قطر.
طريق السياحة
وفيما يتعلق بالسياحة، قالت «فيتش سوليوشنز» إن السياح من روسيا وأوكرانيا شكلوا حوالى ثلث إجمالى زوار مصر فى السنوات الأخيرة، موضحة أنه مع التوقعات باستمرار الحرب سوف يثنيهم عن العودة إلى مصر فى السنة المالية 2023-2022 بينما قد يساعد ضعف الجنيه على جذب السياح من أماكن أخرى.
إستبعاد عودة عائدات وأعداد السياحة الوافدة إلى 2018/ 2019
واستبعدت المؤسسة الأمريكية أن تعود عائدات السياحة أو أعداد الوافدين إلى المستوى المسجل فى السنة المالية 2019/2018 وذلك حتى السنة المالية 2024/2023.
القطاع العقاري
على صعيد القطاع العقاري، قالت «فيتش سوليوشنز» إن القوة التى يشهدها القطاع والوضع العام يشجعان على الاستثمار وذلك نتيجة التطوير المستمر وتشييد 20 مدينة جديدة وتطوير أخرى قائمة، موضحة أن المدن الجديدة توفر للمستثمرين المحتملين فرص مشروعات عقارية جذابة وواسعة النطاق.
التنويع والعاصمة الإدارية والتوقعات الاقتصادية المستقرة يدعمان الرؤية الإيجابية لـ«الإسكان»
وأوضحت أن تطوير المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين والمنصورة وغيرها ستوفر مساحة جديدة للشق التجارى القابل للتأجير، مشيرة إلى أن القاهرة لا تزال هى المحور الرئيسى لنشاط الاستثمار العقارى التجارى خاصة للمكاتب والبيع بالتجزئة.
وقالت إن القطاع العقارى يمتلك نقاط قوة أبرزها الدعم الحكومى لمشروعات البناء فى جميع أنحاء البلاد، وأسعار البيع المناسبة للمستثمرين الأجانب وبشكل خاص فى الوحدات التجارية، إلى جانب التحسن فى عملية التنظيم والتى لاقت ترحيبا من المستثمرين.
وذكرت أن القطاع العقارى يمتلك العديد من الفرص تتمثل فى زيادة الطلب على الأصول الصناعية وطموح مصر لتصبح مركزًا لوجستيًا مركزيًا فى أفريقيا، والاستثمار فى الطرق والموانئ ومشروعات المطارات، وتطوير مدن ومناطق صناعية جديدة بالدولة.
وأشارت «فيتش سوليوشنز» إلى أن أهم التحديات التى تواجه القطاع العقارى تتمثل فى ارتفاع أسعار الخامات والفائدة وضعف الجنيه، والتى تؤثر سلبا على القوة الشرائية للأسر.
وقالت إنه برغم اجتهاد الحكومة نحو العمل على تحسين الرقابة التنظيمية فى القطاع العقارى إلا هناك ثمة تحديات تواجه ذلك أبرزها الإجراءات البيروقراطية الطويلة لتخطيط الأصول العقارية وتطويرها وتسجيلها الأمر الذى يمكن أن يمنع وصول الأصول عالية الجودة إلى السوق المحلية بشكل سريع.
وتوقعت أن تستمر الشركات المحلية والإقليمية فى السيطرة على سوق العقارات التجارية فى مصر، ومع ذلك، فإنه على المدى الطويل سيتبدل الموقف نحو الاستثمار الأجنبى والاهتمام الدولى بالسوق المصرية.
المعدلات الإيجارية
وترى «فيتش سوليوشنز» أن المدن الساحلية الرئيسية، تتميز بمعدلات إيجارات عقارية قوية فى الشق الصناعى نتيجة ارتباطها التجارى بقناة السويس وخطوط الأنابيب والغاز التى تمر عبر المدينة.
وقالت إن محافظة القاهرة من المتوقع أن تحقق أعلى صافى عائد على الاستثمار فى الإيجارات بنسبة 8 – %10 تليها الجيزة 7.5 -%10 والإسكندرية صافى عائد %10-6 فى 2023.
و رجحت أن يتراجع الطلب على سوق المكاتب بنسبة 6.2% فى عام 2023، وأن يبلغ متوسط الإيجارات نحو 12.3 دولار لكل متر مربع شهريًا فى الإسكندرية، لكن قد يؤدى إنشاء مدينة العلمين الجديدة، التى تبعد حوالى ساعة عن الإسكندرية، إلى زيادة الطلب.
وتوقعت اهتمام البنوك وشركات النفط والأغذية بالحصول على مكاتب رئيسية فى مصر مع ترجيحات بتحسن الطلب من جانب قطاع المشروبات وتكنولوجيا المعلومات والسلع الاستهلاكية على المدى المتوسط، على أن تظل القاهرة المدينة المفضلة للجميع.
ورجحت أن تنخفض الإيجارات المخصصة للنشاط الصناعى على خلفية تباطؤ الاقتصاد والتراجع العالمى العام، لكن على المدى البعيد ستؤدى السياسات الداعمة للأعمال والجهود المبذولة لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر إلى الطلب الجيد على العقارات الصناعية.
وذكرت “فيتش سوليوشنز” أن هناك عدة عوامل تُعزز من القاعدة الصناعية فى مصر وتجذب الشركات والمستثمرين والتى يتمثل أبرزها فى الموقع الإستراتيجى بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، ونمو عدد السكان مع قوى عاملة مهارية منخفضة التكلفة.
وأضافت المؤسسة الأمريكية أنه على المدى الطويل يمكن رؤية فرص سوق الإيجارات الصناعية فى الموانئ الجافة الجديدة التى يتم تطويرها فى ضواحى المدينة.
المبانى السكنية
وقالت «فيتش سوليوشنز» إن هناك عدة عوامل أساسية تدعم الرؤية الإيجابية الطويلة المدى لقطاع الإسكان -المبانى السكنية- أهمها أجندة التنويع الاقتصادى الحكومى وتطوير العاصمة الإدارية الجديدة، إلى جانب التوقعات الاقتصادية الكلية المستقرة.
وأضافت: «لكن على الجانب السلبي، تعرض القطاع لضربة من جائحة كورونا وتعليق تصاريح البناء للمبانى الخاصة».
وأشارت إلى أن مصر لديها أساسيات نمو سكانية قوية إذ يبلغ عدد سكانها الشباب حوالى 91 مليون نسمة، وهى الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبالتالى تقدم مستوى مستدام من الطلب على الإسكان، إلى جانب ارتفاع معدل الزيجات فى البلاد ونمو مستويات الهجرة من الريف إلى الحضر.
وأوضحت أن عدم القدرة على مطابقة العرض مع الطلب أدى إلى نقص بنحو 500 ألف وحدة فى العام نتيجة افتقار كبار المطورين إلى الخبرة فى مجال الإسكان لذوى الدخل المنخفض وكذلك عدم كفاية الحوافز الموجهة لتنفيذ تلك النوعية من المشروعات.
وقالت إن سوق التمويل العقارى فى مصر ضعيف وحصته تمثل %0.5 فقط من الناتج المحلى الإجمالي، موضحة أن هذه النسبة قليلة لجذب المطورين من القطاع الخاص لكن الحكومة تتخذ خطوات لمعالجة هذه القضية.
وأكدت أن القطاع السكنى فى مصر سيستمر فى الحصول على الدعم الحكومى بغرض تقديم الإسكان الاجتماعى كوسيلة لمعالجة النقص المستمر فى المساكن بالبلاد.