فى مدينة العقاد (153).. إبراهيم الخليل

رجائى عطية

11:22 ص, الأربعاء, 27 يناير 16

رجائى عطية

رجائى عطية

11:22 ص, الأربعاء, 27 يناير 16

مراجع الصابئة

تدين بعقائد الصابئة ملة قَدَّرَ الأستاذ العقاد عدد أبنائها وقت تأليف كتابه عن إبراهيم سنة 1953 – ما بين ستة وعشرة آلاف بين رجل وامرأة وطفل. وقد حاولت أن أعرف مقدارها اليوم بعد مضى أكثر من نصف قرن على إحصاء العقاد الذى لم يبين مصدره كعادته، وهى عادة أرهقتنى ولا تزال فى تتبع وإيراد أرقام وآيات وسور القرآن التى يستشهد بها، كذلك أرقام آيات الإصحاحات فى كل من أسفار العهد القديم وأناجيل العهد الجديد ورسالات الرسل.

أما عن الصابئة، فليس بالوسع افتراض الزيادة العددية لمجرد مرور السنين، فهذه الملة دائرتها ضيقة،وليس لها نشاط تبشيرى، فيما قد يحمل احتمالات تقلص عددها لا زيادته، ومع ذلك فقد حاولت، ووجدت فى «الويكيبيديا» وبعض دوائر المعارف، أن تعدادها يقدر الآن بنحو سبعين ألفا، وهى على اى حال أرقام تقديرية لصعوبة إحصاء هذه الفئة، وهى على قلة عددها تستقل فيما يقول العقاد بلغة «مقدسة» خاصة بها، ولها أبجدية خاصة، وأحكام دينية فى معيشتها لا تشبه فى جملتها دينا واحدًا وإن تشابهت أجزاء منها مع هذا أو ذاك من الأديان، فيما يرى العقاد أن عقائدها سابقة على جميع الأديان الكتابية، وعلى دين الخليل. وفى دوائر المعارف التى رجعت إلى بعضها أن الصابئة معدودة من الأديان الإبراهيمية، وأن أتباعها يتبعون أنبياء الله آدم وشيث، وإدريس، ونوح، ثم إبراهيم ويحيى بن زكريا، وأنهم كانوا منتشرين فى بلاد الرافدين وفلسطين، وأنه لا يزال بعض من أتباعها موجودين للآن بالعراق وفى «الأحواز» العربية التى احتلتها إيران، وأنها يُطلق عليها فى اللهجة العراقية «الصبة»، وأن كلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا)، والذى يعنى فى اللغة «المندائية» اصطبغ، والمعنى أنهم مصطبغون بنور الحق والتوحيد والإيمان، وأن ديانتهم تؤمن بالوحدانية، وبأن الله واحد لا شريك له، وأن له عندهم أسماء حسنى حيث جاء فى كتاب الصابئة المقدس «جنزاربا» : اسم الحى العظيم، الحى الأزلى، المزكى، المهيمن، الرحيم، الغفور، العزيز الحكيم.

ويرى الأستاذ العقاد أن فى هذه الديانة، على رأى بعض الباحثين، بقية من الديانتين المختلفتين فى عصر الخليل، لأن الصابئة يدينون بمذاهب مختلفة يرد بعضها على بعض، كمذاهب الكواكب والأصنام، مما تواترت الأخبار بالاختلاف عليه بين قوم إبراهيم ومن حاربوهم واضطروهم إلى الهجرة من بلادهم..

والمحقق فى أمرهم فيما يورد العقاد- أنهم يرجعون إلى أصل قديم، يدل على ذلك استقلالهم باللغة الدينية والكتابة الأبجدية، وحروفها تشبه الحروف النبطية.

ويشترك الصابئة مع أصحاب الأديان فى شعائر كثيرة، وهم كما يشبهون الجميع يخالفون الجميع، فيما يتمثل العقاد ببعضه إزاء البراهمة وأصحاب العقائد الأورفية- أو السرية، والمجوس، واليهود، وإزاء المسيحيين والمسلمين. على أن غاية البحث النظر فى مراجعهم بالنسبة للخليل إبراهيم عليه السلام.

الكعبة

والمشهور عن الصابئة أنهم يوقرون الكعبة فى مكة، ويعتقدون أنها بناء «هرمس» أو «إدريس» عليه السلام، وأنها بيت «زحل» أعلى الكواكب السيارة، وينقل عنهم عارفوهم أنهم قرأوا سنة محمد عليه الصلاة والسلام فى كتبهم، ويسمونه عندهم ملك العرب، لأن الشائع عندهم عدم الإيمان بالأنبياء، إلاَّ فرقة واحدة منهم تذكر شيثا وإدريس وإبراهيم ويحيى المغتسل، ويحسبونهم تارة من الأنبياء وتارة من عباد الله الخلص.

عبادتهم

وقد كان الباحثون يعجبون فيما يورد العقاد لتنويه القرآن بهذه الملة رغم قلة عددها وخفاء أمرها، ولكن الدراسات الحديثة بينت للباحثين العصريين شأن هذه الملة فى دراسات الأديان كافة، فعادوا يبحثون فى عقائدها، فثبت لهم أن الصابئة تؤمن بالله واليوم الآخر، وتؤمن بالحساب والعقاب وبأن الأبرار يذهبون بعد الموت إلى عالم النور «آلمى دنهورو»، وأن المذنبين يذهبون إلى عالم الظلام «آلمى دهشوخا» حيث يلبثون زمنًا على حسب ذنوبهم قبل أن ينقلوا إلى عالم النور.

ويضيف الأستاذ العقاد أنه لليوم لم يكشف الستار عن بواطن معتقداتهم وشعائرهم، لأنهم يصطنعون التقية ويوجبونها. وغير معلوم على التحقيق تفصيل عبادتهم فى أيام الدعوة الإسلامية، ولكنهم كانوا ولايزالون ينزهون الله غاية التنزيه.

وأهمية الصابئة أنها ترينا ملتقى التوحيد القديم والوثنية القديمة، وفيها بقايا الاصطدام بين العقيدتين، وقد يكون مدار الاختلاف بين «عقيدة الخليل» ومخالفيه حول هذا المصطدم، ولعل العقيدة الصابئية أن تكون بقية خليط مجتمع من الجانبين بعد هجرة إبراهيم وشيعته من وطنهم القديم.

ومن هنا كانت نحلة الصابئة مهمة فى دراسة الأديان بعامة، ودراسة دين إبراهيم بخاصة، حيث كان لها فى ذلك شيئًا يجاوز عددها القليل وعزلتها التى فرضتها على نفسها أو فرضتها حوادث الأيام .
(يتبع)

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:22 ص, الأربعاء, 27 يناير 16