فى مدينة العـقاد ( 780 ) عقائد المفكرين فى القرن العشرين (8)

رجائى عطية

9:39 ص, الأحد, 2 سبتمبر 18

رجائى عطية

رجائى عطية

9:39 ص, الأحد, 2 سبتمبر 18

مقارنة الأديان

عندما اكتشفت أمريكا الوسطى، ووجد الأسبان فيها أقوامًا يتعبدون بأديان لا يعرفونها، خف القساوسة والمبشرون إلى البلاد المكتشفة ليبحثوا فى أديانها ويحولوا أقوامها إلى المسيحية.

ولكن الذى أدهشهم- فيما يورد الأستاذ العقاد- أنهم رأوا بعد قليل شعائر لهؤلاء كشعائر الأديان المعهودة فى الدنيا القديمة، وسمعوا منهم كلامًا عن التكفير والخلاص ومناسك على شىء من الشبه بنظائرها فى الديانة المسيحية.

وحار القادمون الجدد فى تعليل تلك المشابهة، وذهبت خواطرهم فى اتجاهات شتى.

وخطر للبعض أن ما رأوه بقية من بشارة قديمة نسيت واندثرت وبقيت موروثاتها الممسوخة، وخطر لغيرهم أن الشيطان يزيف لهم الحق والباطل ليخدعهم عن الدين.

على أن هذا التفسير لم يعد كافيًا فى أواخر القرن الثامن عشر، حين اتسعت كشوف الرحالين وتتابعت أخبار القبائل والسلالات التى تتشابه بينها شعائر الأديان والعبادات.
وتقدم أيضًا علم الأجناس البشرية ومعه علم المقارنة بين أديانها وعقائدها.

وقد ثبت التشابه بين سلالات لا صلة بينها، ولم يُعرف أنها اتصلت ببعضها قبل القرن الثامن عشر.

وقد كانت الصدمة قوية لأنصار الدين، بما أتى به القرن الثامن عشر من مشاكل كثيرة، وأثارت شكوكًا جعلت الكنائس تعالجها واحدة بعد واحدة، ولم تنته من علاجها، فلما أسفرت المقابلة بين الأديان والعبادات عن تلك المشابهة المتكررة، مَثَّلَ ذلك ضربةً قوية محرجة كادت مع غيرها سبقت أن تخذل عوامل الإيمان والاعتقاد أمام عوامل الشك والإنكار.

على أن هذا الحرج لم يكن واحدًا بين جميع المعتقدين والمؤمنين.

ظهر من الخارجين على سلطان الكنيسة الرومانية، من يؤمنون بالله ولا يؤمنون بالكتب ولا بالشعائر الكنسية. وتسمت طائفة منهم باسم «الربانيين» (Diests)، وسموا دينهم بدين الطبيعة، واشتهر منهم فى البلاد الإنجليزية اللورد «هربرت شريرى» الذى دعا قبيل وفاته فى منتصف القرن السابع عشر إلى دين «طبيعى» يقوم على أركان خمسة هى: الإيمان بالله، والعبادة، والفضيلة، والتوبة، واليوم الآخر.

وتلاه «انتونى كولنس Collins» الذى يعتبره كثيرون أستاذًا لفولتير وبنيامين فرانكلين فى حرية الفكر. ثم تلاه «تندال Tindal» الذى ألف كتابًا عنوانه «المسيحية قديمة قدم الخليفة» ليثبت أن الإيمان سابق على الكنائس المذاهب.

وبعد ظهور الربانيين بقليل، ظهرت طائفة أخرى تسمت باسم «الإلهيين- Theists»- ولا خلاف فى الواقع بين الاسمين، لأن كلمة «ثيوس- Theos»- مرادفة لكلمة «ديوس- Deus»- فكلاهما بمعنى الإله.
وظهر غير هاتين الطائفتين دعاة ومفكرون لا يعترفون بالأديان، ولكنهم يدينون بالإله والفضيلة، ويسمون أنفسهم : أحرار الفكر، أو أحرار العقيدة.

ولم يتحرج الربانيون والإلهيون من المشابهة بين الأديان والعبادات، بل ولم يتحرج غير المتشددين من رجال الكنيسة.

 على سند أن الناس يتشابهون فى التعقل وطلب الهداية وإن تفاوتوا فى مراتب العقول، ولأن الإنسان فى نظر الفقهاء المتبصرين يهتدى إلى الله بالوحى وغير الوحى.

يقول الأستاذ العقاد :

«وانجلى النزاع الذى أثارته المقارنة بين الأديان عن هذا الموقف فى أوائل القرن العشرين»

«فالمتدينون المتحرجون يقبلونه على أنه أثبت وجود أديان لم تكن متلقاة من طريق الوحى الإلهى، ولكنه لم ينف وجود أديان أخرى موحاة من الله»

«بل ذهب أناس من المتدينين المتحرجين إلى القول بأن العبادات جميعًا وحى من الله، ولكنه وحى قديم شابته الخرافات من فعل السحرة والكهان، فانحرفت الأمم البدائية فى جهالاتها عن طريق ذلك الوحى القديم»

«أما غير هؤلاء المتدينين المتحرجين فالمقارنة بين الأديان والعبادات قد زودت فئة كبيرة منهم بالحجة القوية على ضرورة التدين وأنه بديهة مركبة فى طبيعة البشر، ولولا ذلك لما أجمعوا على التدين متفرقين فى أرجاء الأرض مع اختلاف الأزمان وتفاوت الحضارات وتباعد الثقافات وطبقات التفكير»

«ويصدق على المقارنة بين الأديان ما صدق على دوران الأرض والقوانين الطبيعية ومذهب التطور فى مسألة العقيدة، وقد رأينا أنها شككت العقول زمنًا فى أصول الاعتقاد ثم أصبحت فى القرن العشرين سندًا لمن يؤثرون الاعتقاد ويشككون فى الإنكار».

[email protected]
www. ragai2009.com
 

رجائى عطية

رجائى عطية

9:39 ص, الأحد, 2 سبتمبر 18