فى مدينة العـقاد (740) جحا الضاحك المضحك (12)

رجائى عطية

11:13 ص, الخميس, 28 يونيو 18

رجائى عطية

رجائى عطية

11:13 ص, الخميس, 28 يونيو 18

فى الكتب الدينية

من عجائب النفس البشرية، أنه يتلاقى فيها الشعور بالمقدس، والشعور بالضحك.

والدليل على هذه المقابلة ما ورد فى الكتب المقدسة، ولا سيما الكتب التى تسوق العبرة من القصص والأمثال، وما ترويه من أخبار عن الضحك والضاحكين من مختلف الطبائع والأمزجة، وفى مختلف المناسبات.

وردت مثل هذه الإشارات فى القرآن الكريم.

ففى قصة إبراهيم عليه السلام، وحين زاره الملائكة فلم يعرفهم وخافهم، ثم بشروه بولادة اسحق من زوجته ساره.
«فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ» (هود -70 72)
فهنا خوف فاطمئنان ضحكت له امرأة إبراهيم ثم بشرى «مفاجئة» على غير انتظار، فتعجب لها الزوجة فتقول : إن هذا الشىء عجيب. ترد عليها الملائكة فيما يرويه القرآن : «قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ» (هود 73).

فى هذا المشهد كل عوامل الضحك النفسية التى ظهرت للباحثين النفسانيين فى تفسيراتهم، تعرضها الآية الكريم على نسقها المتتابع، فتأتى بالضحك حيث يأتى الضحك مطردًا فى مواضعة بعد تحول الشعور من الخوف إلى طمأنينة، ومعرفة بعد نكران، وبشارة مفاجئة بما ليس فى الحسبان.

* * *

وجاء فى القرآن الكريم فى قصة سليمان عليه السلام : «حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِى النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ» (النمل 18، 19).

وتأتى ها هنا عوامل الضحك على سجيتها ماثلة فى النقائض الدقيقة بين ضآلة النمل وضخامة الملك التى أوتيها سليمان عليه السلام، فتبسم ضاحكًا لقولتها، ورضى بما تفيض به نعمة الله عليه من السعة التى ألهمته الشكر والخشوع.

وورد الضحك- فيما يشير الأستاذ العقاد- فى آيات متفرقة بمعنى السخرية والاستهزاء، فجاء فى سورة المطففين :«إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاَء لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأرَائِكِ يَنظُرُونَ» (المطففين -29 35).

فالضحك هنا مقترن بالتغامز الخفى، كأنما يحسب المستهزئون أنهم يستغفلون المؤمنين، فيسخرون منهم بالتغامز فيما بينهم ويضحكون، ويأتى الضحك الأخير حين لم يكن فى الحسبان، لأن الكفار كانوا يضحكون فإذا بهم وقد انقلب الأمر عليهم، فهم أضحوكة للضاحكين، والمؤمنون وادعون على الأرائك ينظرون.

وجاء فى سورة الزخرف : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ» (الزخرف -46 47).

وضحك «المفاجأة» هنا واضح، حين فوجئوا بآيات الله، فتحول الشعور إلى الضحك من وقع المفاجأة.

وفى سورة النجم، عن نوح عليه السلام : «وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأولَى * أَزِفَتْ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ ولا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا» (النجم -52 62).

فى هذه الآيات الكريمة، يتحول الشعور «فجأة» بما من الاستغراب إلى نذير «الآزفة» المطبقة، وبين النقيضين المتباعدين بين الاستغراب والخوف، يتعجب القوم فيضحكون.

«والضحك من البلاء الذى لا يحسه السامع ويحس نقيضه ـ كالضحك من البلاء الذى يحسه ويحس أنه ناج منه، وقد تكرر ذكر الضحك بهذا المعنى فجاء فى سورة التوبة عن المخلفين الذين فرحوا بمقعدهم عن القتال : «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِى الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» (التوبة -81 82 ).

وهذا الضحك قد يقترن أيضًا ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ بالسماع عن الخطر مع الشعور بالأمان، وقد يرد بمعنى السرور لأنه يلازمه فى معظم دواعيه ومظاهره. وقد ورد ذكر السخرية والاستهزاء بمعنى الاستخفاف والكبرياء، أو بمعنى التردد بين حالتين متناقضتين : حالة ظاهرة وحالة باطنة تناقضها.

يقول الله تعالى عن المنافقين : «وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ * اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» (البقرة -14 15).

[email protected]
www. ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:13 ص, الخميس, 28 يونيو 18