فى مدينة العـقاد 667 القائد الأعظم محمد على جناح 6

رجائى عطية

9:40 ص, الأحد, 11 مارس 18

رجائى عطية

رجائى عطية

9:40 ص, الأحد, 11 مارس 18

كان قلق المسلمين فى الهند من نوايا السياسة البريطانية إزاء الدولة العثمانية، دافعًا لهجرة الآلاف من المسلمين على الحدود إلى بلاد الأفغان ليعيشوا فى ظل حكومتها الإسلامية، وذهاب «مولانا محمد على» إلى تركيا وفلسطين ومصر ليجمع كلمة الترك والعرب على استبقاء الخلافة وتأسيس «دولة اتحادية».

ولكن بينما كانت الهند تغلى بالثورة والمقاومة السلبية والإيجابية، إذا بمصطفى كمال أتاتورك يلغى الخلافة فى مارس 1924، وينفى آخر خلفائها من القسطنطينية.

والأمر المحقق فى نظر الأستاذ العقاد أن القائد الأعظم محمد على جناح برز للزعامة فى السياسة الهندية خلال هذه الآونة، وكان على رأى مخالف لآراء زعماء المسلمين فى مسألة الخلافة وفى مسالة المقاومة السلبية، فكان من ثم أحق الزعماء بأن يتناول عصا القيادة فى هذه الظروف.

كان مجمل رأيه ألا يسلم مقود الجهود فى بلاده لمن يتخذون مسألة الخلافة وسيلة للمناورات السياسية، وكان هذا هو الواضح أمامه، ويفرق بين الحاكم وولى الأمر فى فرائض الطاعة والمعاونة، فالمسلم لا يدين بالطاعة لغير الله ولا يقبل الحكم من «ولى الأمر» إلاَّ لأنه يتولاه بأمر الله ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

أما الحاكم الذى ليس وليًّا للأمر، فطاعته ضرورة قسرية والخروج عليه واجب كلما امتنعت هذه الضرورة القاسرة. فإذا لم تعد هناك خلافة، فمن غير المعقول أن يخرج المسلمون من طاعة الدولة البريطانية ليدخلوا فى طاعة الدولة البرهمية، والخيار فى هذه الحالة هو قيام دولة مستقلة للمسلمين فى بلادهم.

الملتقى

يقصد الأستاذ العقاد بهذا العنوان «ملتقى» القضية وزعيمها، أى ملتقى الباكستان ومن رشحته الحوادث لقيادة المساعى المتشعبة التى جمعت الشمل لتكون كما هى اليوم دولة بين كبريات الدول بالقارة الآسيوية.

فى عام 1906 أخذت بريطانيا العظمى تفكر فى توسيع نصيب الهنود من الحكومة الذاتية.

وفى ذات العام اجتمع زعماء المسلمين فى «دكا» لإنشاء العصبة الإسلامية.
وبعد سنتين توجه وفد من زعماء المسلمين للقاء اللورد منتو حاكم الهند ومطالبته بوضع قواعد للانتخاب تكفل تمثيل المسلمين فى المجالس النيابية.

ولم يكن محمد على جناح من مؤسسى العصبة، ولا بالتالى من أعضاء الوفد الذى عرض مطالب المسلمين على الحاكم العام.

ولا يعنى هذا أنه كان يقاطع الحركة الإسلامية أو يجهل دواعيها، وإنما كان اعتقاده إلى ذلك الحين أن المؤتمر صالح لخدمة الهنود جميعًا.. مسلمين وبرهميين، أى المسلمين وغير المسلمين.

فلما تأكد أن وجود العصبة لازم لرعاية المصالح الإسلامية انضم إليها وهو يستشهد فى كتاب ترشيحه أن ذلك لا ينقض ولاءه للقضية القومية الكبرى.

وفى سنة 1914 كان جناح رئيس البعثة الهندية إلى لندن لشرح القضية الهندية وتوضيح مطالبها عند نهاية الحرب العظمى.

وفى سنة 1916 كان هو رئيس اللجنة التى تألفت للاحتفال بمقدم غاندى من أفريقيا الجنوبية، وكان رئيسًا لفرع بومباى أكبر فروع العصبة المؤلفة لتوسيع حقوق الحكم الذاتى.

ويمكن أن يُقال فيما يرى الأستاذ العقاد أن وفاة الزعيم البرهمى «جوكهيل» فى سنة 1915 كانت مفترق الطريق بين جناح وبين سياسة العمل الموحد فى القضية الهندية.

كان جوكهيل نادرًا فى نبله وحكمته وسماحة عقله، فكان ذلك هبة زعامته الكبرى بين الزعماء البرهميين، فكان يتقبل بالارتياح نظم الانتخاب التى تعطى المسلمين ضمانهم فى المجالس النيابية ودواوين الحكومة، وكان يتقبل بالارتياح ما هو أكبر وأدعى للتوفيق بين الأكثرية والأقلية من أبناء الهند، وكانت خطته فى هذا التوفيق من إملاء الواقع وإملاء الحكمة، ومن ثم كانت وفاة جوكهيل قبل نهاية الحرب العالمية ضربة قاسمة لسياسة الوحدة وتضافر الجهود القومية.

وقد تتلمذ جناح عليه وأُعجب به وحافظ على الولاء له ودعى المسلمين إلى مجاراته، فلما توفى الرجل فى فبراير 1935 بدأ الانحراف فى دوائر المؤتمر عن النهج القويم، وبدأت الشكوك والظنون تساور جناح وتقنعه بضرورة العزلة التى كان يجاهد عقله فى رفض الاقتناع بها.

ولكن جناح ثابر زمنًا، وحاول أن يقرب بين العصبية التى أسندت إليه رئاستها وبين المؤتمر، وخرجت الهيئتان بميثاق مشترك، فأطلق عليه الفريقان لقب «سفير الوحدة»، واشتهر بين البرهميين والإنجليز بلقب رسول السلام.

بيد أن سياسة الواقع التى كانت تدعو جوكهيل إلى قبول الضمانات المطلوبة للمسلمين، تغيرت فى السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، فصارت على نقيض ما كانت عليه وصار فى حكم الواقع أن الإنجليز سوف ينزلون عن السلطان فى القريب، وصار محققًا أن السلطان سينتقل إلى الهنود، فأخذ ساسة «المؤتمر» يرفضون ما كانوا قد قبلوه، وكلما أصبحت السلطة القومية حقيقة واقعة، أنكر ساسة المؤتمر شيئًا مما كان مقبولاً، وتشبثوا باحتكار القيادة والنيابة، عن الهند كلها، وإذا أجريت الانتخابات مرات، فإنهم رفضوا الاعتراف بنائب ناجح ما لم يكن عضوًا فى المؤتمر، وأمعنوا فأنكروا حق العصبة فى النيابة عن مسلمى الهند، وتشبثوا بهذا الإنكار حتى لم يعد أمام العصبة سوى أن تقابل إنكارهم بإنكار، وأعلنت هى الأخرى أنها لن تعترف بالمسلمين الأعضاء فى المؤتمر إلاَّ إذا كانوا أعضاءً فى العصبة وممثلين لها بتزكية منها.

* * *

وشاعت فكرة الانفصال وجعلت تزداد شيوعًا برغم مناداة غاندى باستحالة الفصل بين التوأمين.

ونادى حزب المؤتمر بشعاره : «الاستيلاء أولاً ثم التقسيم ثانيًا».. أى مناضلة البرهميين والمسلمين معُا للاستيلاء على الحكم القوى، ثم يأتى التقسيم بعد الاستيلاء عليه.

هنالك طفق جناح يرد على هذا الشعار بشعار مقابل أن المسلمين لا يناضلون فى سبيل عبوديتهم.

ثم جاء يوم يئس فيه القائد الأعظم من التفاهم على ضمانات الحكومة الموحدة، وأجمع النية وكان محقًا فى نظر العقاد بحكم وقائع شتى على فض الخلاف المستحكم بإقامة دولتين منفصلتين.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

9:40 ص, الأحد, 11 مارس 18