فى مدينة العـقاد 576 فاطمة الزهراء والفاطميون 5

رجائى عطية

11:18 ص, الأحد, 29 أكتوبر 17

رجائى عطية

رجائى عطية

11:18 ص, الأحد, 29 أكتوبر 17

محمد الجد الإنسان

عندما ولد الحسن، سماه والداه «حربًا»، فلما جاء رسول الله قال لهما: أرونى ابنى ما سميتموه؟ قالوا: حرب! قال: بل هو حسن، وهكذا عند مولد الحسين وعند مولد محسن الذى مات صغيرًا.

وكم كان عليه الصلاة والسلام مسرورًا بأحفاده، يدللهم ويداعبهم، وربما شوهد الطفل راكبًا على كتفيه، فيتأنى فى صلاته ويطيل السجدة كى لا يزحزحه.. كان عليه الصلاة والسلام يهش للحسن والحسين، ويسبقه إليهما حنانه حتى ينزل من المنبر ليحملهما وهو يقول: «صدق الله العظيم! إنما أموالكم وأولادكم فتنة!».

كان إذا سمع أحدهما يبكى نادى فاطمة عاتبًا: «ما بكاء هذا الطفل. ألا تعلمين أن بكاءه يؤذينى؟».

وجعل عليه الصلاة والسلام من عادته أن يبيت عندهم حينًا بعد حين، ويتولى خدمة الأطفال بنفسه، وقد يلفّهم جميعًا فى برد واحد فيقول لهم: «أنا وأنتم يوم القيامة فى مكان واحد».

كانت هذه الأبوّه الكبيرة أعز عليهم من أبوّة أبيهم.. والأسرة تعيش حياة سعيدة مع الشظف والفاقة.. سعيدة بهذا العطف والحنان فى قلوب كبار.. لا يساوى حطام الدنيا عندهم مثقال ذرة!
بلاغتها

نقل الأستاذ العقاد عن الرواة خطابًا طويلاً للزهراء فى عتابها للصديق بشأن ميراثها عن أبيها، وذكر أنه قد نقل عنها فى ذات المناسبة رواية مختلفة فى لفظها ومعناها، وكلا الروايتين آية بلاغة، ولكن طولهما واختلافهما أثار نقاشًا، فلا يجد الأستاذ العقاد حاجة للتوقف عند هذه الخطب، لأن الخلاف عليها فى غير طائل، وليست بلاغة فاطمة فى حاجة إلى الاستشهاد بهما، فقد نشأت وهى تسمع كلام أبيها أبلغ البلغاء، وانتقلت إلى بيت الزوجية فعاشت سنين تسمع كلام الإمام المتفق على بلاغته، وسمعت القرآن يرتل فى الصلوات وفى سائر الأوقات، وتحدث الناس فى زمانها بمشابهتها لأبيها فى حديثها وكلامها ومشيتها، ونقل ابن عبد ربه فى «العقد الفريد» وصف السيدة عائشة لهذا الشبه بين البنت وأبيها، حتى قالت: «ما رأيت أحدًا أشبه حديثًا وكلامًا برسول الله ﷺ من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها ورحب بها وأجلسها فى مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه ورحبت به وأخذت بيده فقبلتها، ودخلت عليه فى مرضه الذى توفى فيه، فأسرّ إليها فبكت، ثم أسرّ إليها فضحكت، وكنت أحسب لهذه المرأة فضلاً على النساء فإذا هى واحدة منهن، بينما هى تبكى إذا بها تضحك ّ فلما توفى الرسول ﷺ سألتها فقالت: أسرّ إلىّ فأخبرنى أنه ميت فبكيت، ثم أسرّ إلىّ أنى أول أهل بيته لحوقًا به فضحكت».

لا محل للخلاف إذن حول بلاغة فاطمة، فقد نشأت تستعظم البلاغة من حديث أبيها المطبوعة على مشابهته فى حديثه، كذلك كانت مع زوجها صاحب البلاغة والفصاحة والحجة والبيان.

أما نسبة الشعر إلى الزهراء، فالخطب فيه أهون، لأن ما نسب إليها من الشعر لا يدرجها فى مسالك الشاعرات، ولأن الأستاذ العقاد أقرب إلى الشك فى هذا الشعر من جانب القبول.

أما الذى لا خلاف عليه، فهو بلاغة فاطمة التى اعتادت أن تسمع أبيها أبلغ البلغاء، وأن تسمع بعد زواجها الكثير من كلام الإمام علىّ، الذى كان إمامًا للبلغاء والحكماء!

فى الحياة العامة

مضت السنين والسيدة فاطمة على دأبها فى العكوف على بيتها، ورعاية زوجها وتربية أبنائها وخدمة البيت، فأقامتها الحوادث بدءًا من سقيفة بنى ساعدة وما دار فيها حتى استوت البيعة بالخلافة للصديق أبى بكر رضى الله عنه، ثم كانت الأزمة التى نشبت بينها وبينه بشأن ميراثها عن أبيها.

وقد انحسمت الفتنة بالمبايعة إلى أبى بكر ببيعة لم يطلبها، بل كان مشتغلاً بتجهيز الرسول عليه السلام.

وعاشت رفض زوجها الإمام مرتين للمبايعة التى أتاه بها أبو سفيان، فقال له فى محاولته الأولى: «لا والله يا عم! إنى أكره أن أبايع من وراء رتاج»، ورد إلحاحه فى المرة الثانية بقوله: «إنك تريد أمرًا لسنا من أصحابه».

نعم كان علىّ يؤمن بحقه فى الخلافة، ولكنه أراده حقًّا يطلبه الناس لا يسبقهم هو إلى طلبه، ولم يمنعه ذلك من البيعة لغيره وإعانته بالرأى وصدق العون وبالجهاد.

وكانت السيدة فاطمة ترى حق علىّ فى الخلافة، وترى أن قرابة النبى أحق الناس بخلافته، فضلاً عن بلاء علىٍّ فى الجهاد وعلمه المشهود به، وكلاهما يؤهله لمقام الخلافة.

ثم كانت مسألة «فدك» أو مسألة الميراث عن أبيها التى اختلف فيها سند أبى بكر وسند فاطمة، وأوشك أبو بكر أن يحل الناس من بيعتهم له، مخافة سخط بنت رسول الله.

كان أبو بكر يتساند فى حجب الميراث عن فاطمة إلى قول النبى ﷺ: «إننا معشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة»، ويقول: «إنى والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله عن حالها التى كان عليها».

ويقال إن الزهراء احتجت عليه بقول الله تعالى عن نبى من أنبيائه، وهو زكريا عليه السلام: «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، وقوله تعالى: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ».

وقال لها أبو بكر: «يا بنت رسول الله! أنت عين الحجة ومنطق الرسالة ولا يدلى بجوابك ولا أوقعك عن صوابك، ولكن هذا أبو الحسن ( زوجها علىّ ) بينى وبينك هو الذى أخبرنى بما تفقدت، وأنبأ بما أخذت وتركت».

وفى نهج البلاغة شرح ابن أبى الحديد، أن فاطمة احتجت بأن «فدك» قد وهبها لها رسول الله ﷺ، فطالبها أبو بكر بشهودها على ذلك، فشهد بذلك علىّ بن أبى طالب وأم أيمن أيضًا , بينما شهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف بأن رسول الله ﷺ كان يقسمها.

هنالك قال أبو بكر: صدقتِ يا ابنة رسول الله، وصدق علىّ، وصدقت أم أيمن، وصدق عمر، وصدق عبد الرحمن بن عوف، وذلك أن مالك لأبيك، كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم ( طعامكم ) ويقسم الباقى ويحمل منه فى سبيل الله، فما تصنعين بها؟

قالت: أصنع بها كما يصنع بها أبى قال: فلك علىّ الله أن أصنع كما يصنع فيها أبوك، قالت: والله لتفعلنّ؟ قال: والله لأفعلنّ. قالت: اللهم اشهد.

وقد روى أنه أثناء الخلاف فى هذه القضية، قال عمر لأبى بكر: «انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها»، فانطلقا واستأذنا عليها فلم تأذن لهما، فأتيا عليًّا فكلماه، فأدخلهما، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ولم ترد عليهما السلام، فقال أبو بكر: «يا حبيبة رسول الله، والله إن قرابة رسول الله أحب إلىّ من قرابتى، وإنك لأحب إلىّ من عائشة ابنتى، ولوددت يوم مات أبوك إنى مت ولا أبقى بعده، أفترانى أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله. ألا إنى سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث. ما تركنا فهو صدقة».

فأجابت فاطمة بحجتها، وختمت بأنها تُشهد الله وملائكته أنهما أسخطاها، فقال أبو بكر: «أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة. ثم انتحب حتى كادت نفسه تزهق، ثم خرج فاجتمع إليه الناس فقال لهم: «يبيت كل رجل منكم مسرورًا بأهله، وتركتمونى وما أنا فيه. لا حاجة لى فى بيعتكم. أقيلونى بيعتى».

على أنه يبقى أن أبا بكر لم يأخذ من فدك شيئًا لنفسه، وإنما هو الحرج فى ذمة الحكم قد بلغ أقصاه بهذه القضية بين أطراف صادقين مصدقين، رضوان الله عليهم أجمعين.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:18 ص, الأحد, 29 أكتوبر 17