فى مدينة العـقاد 475 عبقرية الإمام 22

رجائى عطية

11:40 ص, الأربعاء, 24 مايو 17

رجائى عطية

رجائى عطية

11:40 ص, الأربعاء, 24 مايو 17

وقع الحوادث والمعضلات لا ضعفًا فى قدرة أو سياسة الإمام

لا محل للقول بأن عليًّا رجل شجاعة لا سياسة، أو أن معاوية أرجح منه فى الدهاء، لأن القضية لا تحسب بهذا الحساب، وإنما بالقدرة الكامنة وما يستسيغه أو لا يستسيغه هذا أو ذاك بالنظر إلى قيم ومبادئ الإسلام.

روى عن علىّ قوله: «…. والله ما معاوية بأدهى منى، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس».

وأحسب أن هذه قالة صدق وحق

وقد قال معاوية نفسه عما أعين به على علىًّ : «كان يسعى حتى يفاجئه الأمر مفاجأة، وكنت أبادر إلى ذلك، وكان فى أخبث جند وأشدهم خلافًا، وكنت أحب إلى قريش منه، فنلت ما شئت».

وأحب أن أتوقف- شخصيًا- عند قالة معاوية إنه كان أحب إلى قريش، وعندى أنها مقولة صادقة على ما فيها من مرارة. وقد تعرضت لهذه القضية فى مقال تفصيلى وجهت فيها رسالة فحواها أن الإمام علىّ لاقى على صدقه وحسن بلائه للإسلام جزاء سنمار، وأستاذنكم وأستأذن الأستاذ العقاد، فى أنى أضع أمام القارئ بعض ما أبديته فى هذا المقال المنشور بأخبار اليوم فى 13/8/2016 تحت عنوان : «الجد و الأخلاص، والتيارات المعاكسة»، وأعيد نشرة فى كتاب : «مدارات فى الفكر والأدب والحياة» دار المعارف 2016 قلت فيه : «يُصاب المرء بخيبة أمل، حين ينتظر جزاءً معجلاً، أو ينشده فى غير أهله، فإذا تراخى أو لم يصله، أصابه الضيق وربما اليأس والإحباط!

ومحال أن يُصاب المستغنى بشىء من ذلك، لأن استغناءه حرره من طلب الثمن أو انتظار الجزاء، ولذلك قيل إن من استغنى تحرر، وقيل أيضًا اتق عفـة المستغنـى، فهو لا ثمن له!

ولو انحصر الناس فى نشدان الأجر والجزاء، لما خرج الإنسان من ربقة الأرض وأثقال الماديات، ولما استطاع أن يحلق فى آفاق الإخلاص ومتعته فى ذاته، ومتعة ما يصاحبه من عطاء لا ينتظر أن يقايض به على ثمن أو جزاء.

ولو نظر الإنسان حوله، وتأمل فى ديوان الماضى وعبره، لرأى من المفارقات ما يوقظه إلى معانٍ لم يكن يراها.

كثيرًا ما يدفع المخلص ثمن إخلاصه، لا بما بذله فيه فقط أو تحمله لأجله من منافحة وعناء، وإنما فيما يدفعه ثمنًا من حياته ومستقبله لهذا الوفاء.

غاب عن كثيرين لماذا تأخرت الخلافة عن الإمام علىّ بن أبى طالب، وقاومها البعض وهو الجدير بكل المقاييس بها، لا لقرابته كما قال البعض أو تقولوا، وإنما لمناقب وصفات ومقدرة وجدارة وأهلية شهد بها دوره العظيم فى المنافحة عن الإسلام، ودفعه الطغاة والمشركين عنه، ومجاهدة من أرادوا السوء به، وبرسوله وبالمسلمين حتى تعرض للموت مرارًا، وصار شهيدًا يمشى على الأرض وقد قضى نحبه!

ولو تأملوا لفهموا ما فهمه عمر بن الخطاب حين قال باستقامته وعدله يوم اختار أهل الشورى ليكون الخليفة منهم : «لو ولوها الأجلح ( وهى كناية عن على ) لحملهم على الجادة». لقد أدرك عمر مما خبره ولاقاه، أن «الجادة» صارت مشكلة من لا يرغبون فيها طلبًا للترخص والتنعم، وتجنبًا لشدة الحق!

ولم تكن هذه «الجادة» الشبيهة بجادة عمر نفسه، هى كل دوافع الكارهين لخلافة الإمام علىّ، إنما كان يدفع فى الواقع ثمن إخلاصه حتى الموت فى المنافحة عن الإسلام ورد الطغاة والمشركين عنه. كان هؤلاء آنئذٍ، فى بدر وأُحُد والأحزاب، هم كبار زعماء البطون القرشية، أصحاب الطول والعصبية، واجتبى علىّ من هؤلاء فى منافحته عن الإسلام، فقضى منهم كثيرون فى منازلات كان هو بطلها الحاضر على الدوام، وانحصر الثأر فيه بعد أن نالوا من حمزة فى أُحُد، ولن تفهم ما طويت عليه هذه القلوب، إلاَّ إذا راجعت فى ابن إسحق وابن هشام سجلات من فقدتهم قريش فى تلك المواقع، وعلى يد مَن مِن المسلمين، فقد كانت هذه هى العادة آنذاك، أن يُعزى كل مصاب إلى من أصابه، وسوف تجد أن الفدائى الأول علىّ، كان صاحب النصيب الأوفى فى كل المعارك، حتى صارت له ثارات فى كافة البطون القرشية، وكان الطلقاء من هؤلاء الذين بقيت الثارات ناشبة فى قلوبهم، فضلاً عن كراهة «الجادة» التى كرهها من أثروا، ورأى عمر مقدماتها قبل أن يطعنه المجوسى فيما أظن أن الطعنة كانت موجهة إلى الإسلام ذاته فى شخص الفاروق.

المفارقة التى تغيب على غير المتأملين، أن للإخلاص ثمنًا يدفعه المخلص ولا يتقاضى مقابله فى معظم الأحيان!

يدفعه بسبب من أُضيروا من إخلاصه، وضاقوا باستقامته ومضائه!

ويدفعه بسبب من نفسوا عليه كفاءته، وحسدوه على تميزه ومكانته!

وقد جمع الإمام علىّ بين هذه وتلك، فلا تتعجب حين ترى ما لاقاه من تربص يناقض ما بذله من إخلاص فى المنافحة عن الإسلام!

فلا تنتظر من الناس كثيرًا تُحمد عاقبته بعد طول انتظار!

التاريخ غالبًا ما يعيد نفسه!

لم يكن مثال الإمام علىّ فريدًا فى بابه بين عبر التاريخ، فالحاضر والماضى قبله مليئان بصور شتى من جحود الإخلاص والمخلصين، وإن اختلفت الظروف والمشاهد، ولكنها مردودة إلى قاعدة لا يفتأ التاريخ يقدم دروسها.

كثيرًا ما نرى فى الصدارة من احترفوا الاستعراض والفهلوة وانتهاز الفرص، وغلبت هذه الآفات على بضاعتهم التى تصل إلى ما لا يصل إليه جد الجاديـن، وإخلاص المخلصين!

تتوه البوصلة، حين يتقدم النفاق والرياء والزلفى، ويتراجع الوقار والاحترام، وحين تحل المصالح الصغيرة محل الغايات الكبرى، وحين ينال الإمّعات بالزلفى ما لا يناله بالجد والاجتهاد أصحاب الإخلاص والمقامات!

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:40 ص, الأربعاء, 24 مايو 17