Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (395) الإسلام و الحضارة الإنسانية ( 4 )

براهين الإيمان فى مواجهة الشكوك نشر هذا المقال بمجلة الأزهر عدد ديسمبر سنة 1963، أى قبل رحيل الأستاذ العقاد رحمه الله بشهرين ونصف، وكانت كتابته بمناسبة رسالتين وردتا إليه من شابين حائرين، ينعى أحدهما على خَلْقه أن تصادف أن قلبه على اليمين لا الشمال، فحرمه من القبول بكلية الطيران التى هفت آماله إليه

فى مدينة العـقاد (395) الإسلام و الحضارة الإنسانية ( 4 )
رجائى عطية

رجائى عطية

10:04 ص, الخميس, 26 يناير 17

براهين الإيمان فى مواجهة الشكوك

نشر هذا المقال بمجلة الأزهر عدد ديسمبر سنة 1963، أى قبل رحيل الأستاذ العقاد رحمه الله بشهرين ونصف، وكانت كتابته بمناسبة رسالتين وردتا إليه من شابين حائرين، ينعى أحدهما على خَلْقه أن تصادف أن قلبه على اليمين لا الشمال، فحرمه من القبول بكلية الطيران التى هفت آماله إليها، ويتساءل فى حيرته أصحيح ما جاء بالآية القرآنية: «وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ» (البقرة 216).

ويتساءل الثانى، ألا يزيد المؤمنين إيمانًا أن يروا الله عيانًا، بدلآً من التخبط الجارى من قديم الزمن فى ظلمات الجهل، ونزعات التعصب والشك والإنكار، بين أبناء الديانات، وبين أعضاء الدين الواحد.

***
والواقع أن هذا المقال ليس ردًّا على الشابين اليافعين، فما كتبه الأستاذ العقاد أعمق كثيرًا من أن يستوعبا معانيه وتحليقه فيه.

فقد اتخذ الأستاذ العقاد من إعراب الشابين صراحةً عن شكوكهما، أساسًا لمناقشة حيرة الشباب وشكوكه، واعتبر هذه الصراحة دلالة تفاؤل لا تشاؤم، ودليلاً على استعداد للانتقال من التقليد إلى التبصر والاجتهاد، ورفض للـتذرع بالـحيرة للإقدام على «الإباحية الأخلاقية» واستحلال ما لا يحله الدين أو يرتضيه.

وأبسط ما جاء بالرسالتين، تساؤل الأولى أصحيح أنه يمكن أن نكرة شيئًا وهو خير لنا كما تقول الآية الكريمة، وهو بسيط لأن شواهد مصداقية الآية تحصى بالملايين، وأنها متعددة فى حياة الفرد الواحد متى خرج من انحصاره فى اللحظة، ونظر على امتداد حياته، وأحصى ما ظنه فى لحظة شرًّا ما بعده شر، فإذا بتوالى الأيام يكشف له عن أنه كان فيه خيرٌ كثير، وهى حقيقة أدلتها أكثر من الحاجة للاستشهاد عليها.

وعلى ذلك فلب مقال الأستاذ العقاد يدور حول إثبات أن دواعى الشك أو التشكك أضعف وأوهى من أن تكون أساسًا للشك أو الإنكار، وأن دحضها لا يطول النظر فيه كما يطول النظر فى البراهين الفلسفية التى يقوم عليها العلم بوجود الله.

فقد كشفت له التجارب عن يقين لا يرتاب فيه، عن سهولة التخلص من دواعى أو براهين الشكوك الدينية أو الإلحاد، وعن أن التصدى لها أيسر لظهور بطلانها من البحث فى براهين الفلاسفة على تحقيق وجود الله ؛ وهى براهين المنطق التى لا تصبر عليها جميع العقول.

فمن اليسير أن نفهم بقليل من البحث أن إنكار وجود الله لمحض ما يلاقيه المخلوق من نقص أو عذاب، إنما هو إنكار واهٍ قصير النظر ضعيف الحجة، بل إنه باطل وغير قابل للتصور عند إمعان النظر فيه.

وأيسر من ذلك، إظهار بطلان تصور أنه أجدى وأقوى للإيمان رؤية الله أو معرفته سبحانه برؤية العيان، أو بما هو من قبيل رؤية العيان.

فخلو المخلوق من النقص أو العذاب، ليس هو الآية على وجود الله، واستلزام ذلك محال لا يستقيم على أى فرض من الفروض التى تحسن النظر والتأمل فى حكمة الخلق والحياة.

فلا يمكن أن يكون المخلوق كاملاً كمال الخالق الذى لا يعوزه شىء. بل إن قدرة الله تعالى التى لا نهاية لها هى التى توجب أن يكون المخلوق المحدود بزمانه ومكانه دون هذا الكمال الذى لا يكون إلاَّ لله.

ولو تأمل المتأمل، لأدرك أن كمال المخلوقات لا يدل على وجود الخالق، فالخالق هو المنفرد بالكمال المطلق الذى لا يتكرر ولا يقبل التكرار.. ومن ثم فإن النقص فى المخلوقات هو الذى يدل على هذا الوجود الإلهى وعلى كماله المتفرد على كل وجه قابل للتصور والتقدير.

أما الشك فى وجود الله لأنه لا يظهر لنا عيانًا، فهو أضعف الشكوك التى تساور العقول فى أمر الأديان والاعتقاد برب معبود.

فهل تريدها معرفة إنسانية، أو تريدها معرفة من طبيعة غير طبيعة الإنسان فيما يعرفه ويتعرف به على الأشياء؟

إننا لا نعرف أوضح شىء فى عالم المحسوسات لأننا نراه بأعيننا جليًّا واضحًا للعيان. فلا يوجد أوضح للعيون من الشمس، ومع ذلك لا يمكن للإنسان معرفة حقائقها وأسرارها بالنظر إليها الذى لا نستطيع الإمعان فيه وإلاَّ أضيرت العيون بأبلغ الأضرار.

وليس بالمعقول أن تكون « حقيقة الحقائق الكبرى » أقل أسرارًا أو أيسر فهمًا ومنالاً أمام العارفين والمتعرفين.. وكيف تأتى المعرفة بالله عيانًا لجميع المخلوقات!

فهل يتجلى الله تعالى لعباده مرة فى القدم ثم ينتقل هذا التجلى بالرواية والحكاية إلى الخلفاء والأعقاب؟

وهل ينقله من رأى الله عيانًا إلى خلفائه وأعقابه نقلاً يتساوى فيه الخبر المنقول بالرواية مع اليقين الذى تجلى وتحقق بالمشاهدة؟!

فإن لم يستقم هذا التصور فى العقول، وهو غير مستقيم، فهل يستقيم أن يتجلى الله لكل جيل فى زمان بعد زمان؟!!

وهل يغنى التجلى فى الجيل بعد الجيل عن التجلى مرة بعد مرة، وبعد ألف مرة، لكل مولود جديد فى كل جيل جديد ؟!

وإذا تكرر هذا التجلى لكل مولود وكائن، فهل تتساوى المخلوقات جميعًا فى إدراك كنه الإيمان وفى درجة هذا الإيمان ؟!

وإذا أمكن هذا المحال، وتكرر العلم بالتجلى بحقيقة الحقائق على هذا التصور، فماذا يبقى للنفوس والضمائر من اجتهاد ؟!

ويكفى ما تقدم، فيما يورد الأستاذ العقاد، لتقرير أن الشك فى براهين الإلحاد أيسر أمام العقل من براهين الشك فى الإيمان.

فإذا كانت أشيع حجج المتشككين اعتراضًا على الدين، هى : حجة الألم فى الدنيا، وحجة الاستدلال على وجود الله برؤية العيان.

فإن مؤدى ما يطرحه المعترضون، أن يكون العالم أصعب تصورًا وأشد ظلمًا للمخلوقات من العالم كما يتصوره المتدينون المؤمنون بوجود الله على غاية ما ينتهى إليه تصور العقل البشرى من الحكمة والقدرة.

وهذا هو شأن سائر البراهين التى تخطر للمعترضين المنكرين وتجرى على هذا المجرى، فإنها تنتهى عند القياس إلى مثل هذه النهاية، وكلها كافية للاقتناع بأن براهين الشك والإلحاد أظهر تهافتًا وأظهر خطأ من براهين اليقين والإيمان.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

10:04 ص, الخميس, 26 يناير 17