العلوم الطبيعية ومسائل العقيدة
ربما كان العنوان الأصدق لهذا البحث، أنه درس عميق فى الإيمان وروافده وهدايته وطريقه وموجباته، فهذا هو ما يخرج به القارئ من هذه الجولة العميقة التى جالها الأستاذ العقاد بين العلوم الطبيعية ومسائل العقيدة.
جرى الناس فى أوائل القرن الثامن عشر على اتخاذ علماء العلوم الطبيعية مرجعًا فى كل شىء، حيث حل العالِم الطبيعى حتى يومئذ، محل عالِم المنطق وعالِم اللاهوت.
فمع ظهور نتائج العلم التجريبى، عرف الناس منها شوائب الخرافات التى أحاطت بأوهام اللاهوتيين فى القرون الوسطى، وعلموا أيضًا أن القضايا المنطقية لا تغنى عن التحقيق باستقرار الواقع، ومن ثم انتقلت وظيفة اللاهوتيين والمناطقة إلى العلماء التجريبيين، وأصبح العالِم الطبيعى هو المرجع الأول والأخير لكل شىء، ولكل باحث فى أمر من أمور العقل والمعرفة.
ومضى القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على هذا الحال، ثم ظهرت حدود لم تكن ظاهرة، وجعلت تزداد ظهورًا مع اتساع المعرفة.
فمن جانب العلوم الطبيعية ذاتها، ظهرت الحقيقة «العلمية» التى لا شك فيها، وهى أن العلوم الطبيعية كلها «وصفية»، تقف عند تسجيل الوقائع والتجارب المتمثلة لها، ولكنها ليس من شأنها ولا فى قدرتها أن تنفذ إلى «حقائق الأشياء» التى وراء أعراضها وظواهرها.
أما العلماء الطبيعيين أنفسهم، فقد تبين أن عقولهم تتفاوت من غاية الضيق إلى غاية السعة. وأنها ليست سواء فى فهم الحقائق العلمية الطبيعية نفسها، ولا فى الحكم عليها واستخلاص النتائج منها. ومن ثم ليس رأى العالِم الطبيعى هو حتمًا الرأى الأخير القاطع فى زمانه.
* * *
كان أناس من العلماء الطبيعيين يقررون أن طيران جسم أثقل من الهواء مستحيل، وظلوا على هذا «القرار» إلى أوائل القرن العشرين، ويعتمدون فى ذلك على العلم الطبيعى، وقصرت رؤيتهم عن حقائق الواقع المشهود كما ثبت بعد ذلك.
كان القصَّاص «جول فيرن» أسبق من هؤلاء العلماء إلى «تصور» الحقيقة العلمية فى أمور الطيران وفى أمور الغوص تحت الماء، فتصور القذيفة الجوية، وتصور السفر إلى الكواكب، وتصور الغواصة تحت أعمق أعماق البحر، وكانت لـه هـذه القـدرة على «التصور العلمى» الصحيح قبل مائة سنة، بل ومات سنة 1905 قبل أن يشاهد عجيبة من عجائب الحديد الذى يطير وعجائب القذيفة التى تطير وراء الهواء إلى قمر السماء.
وقد عاب العلماء الطبيعيون على الفلسفة القديمة والحديثة، تصوراتها التى استخفوا بها ولم يعدوها من العلم فى شىء، ولكنهم «جربوا» التجربة فعلموا أنها لا تغنيهم عن القصور الفلسفى، و«جربوا» أنفسهم فعلموا أنهم لا يقلّون «شطحًا» عن فلاسفة الأمس واليوم كلما احتاجوا إلى الفروض.
فمنهم من افترض أن المنظومة الشمسية كانت نجمًا واحدًا فتفلق من حرارة جوفه وتناثر فى الهواء.
ومنهم من يفرض أن هذه المنظومة نشأت من اصطدام نجمين.
ومنهم من يقول بل نشأت من مرور نجم آخر على مقربة من فلك الشمس لم يصدمها ولكنه اجتذب منها واجتذبت منه.
إعادة السؤال
هنالك يعيد الأستاذ العقاد السؤال: فى أى شىء من أمور العقل والمعرفة يُرْجع إلى المشتغلين بالعلوم الطبيعية!
كان الجواب فى أوائل القرن الثامن عشر: نرجع إليهم فى كل شىء إلاَّ أنه صار فى منتصف القرن العشرين على نقيض ذلك، ألاَّ نرجع إليهم فى كل شىء.
ولكن الأستاذ العقاد يتوسط ويتوسع، فيبدى إمكان الرجوع إليهم فى كل شىء ولكن بشرط واحد، مضمونه أن يسألوا عن شئون العلم الطبيعى كما أثبتوها بالتجربة والبينة المعقولة، وأن يسألوا فى كل شىء يعن للباحثين والمفكرين على اختلاف أبواب المعرفة التى يطرقونها ويسلكون منافذها، فإذا أجابوا فى غير مجالهم فإن من حقهم الاستماع إليهم، ولكن كحق كل مجيب باسم الفكر والفهم والدراية الإنسانية، وليس لهم ولا من حقهم هنا أن يجيبوا بحق «الوحى» المنزل والقول الذى لا يقوله أحد سواهم!
* * *
جوابهم فى مسائل العقائد و«النظريات» الغيبية على التخصيص، كجوابهم فيما دون ذلك عن مسائل التجربة المقررة، فجوابهم حينذاك جواب صاحب فكر ورأى، وليس بجواب «العلم» الذى يحسب كل ما عداه جهلاً غير مقبول.
يحق للعالِم الطبيعى أن يقرر لنا عن شئون العقائد ما هو الموافق منها للحقائق العلمية، وما هو المناقض لتلك الحقائق بحكم الواقع المقرر أو القياس الصحيح..
وعلى هذا ينبغى أن نفهم حدود العلم الطبيعى، ما يدخل فى صميم اختصاصه، وما يخرج عنه.
خواطر العيد بين ألفاظه ومعانيه
كلمة العيد فى اللغة العربية، أصدق الكلمات دلالة عليه، وقيمة هذه الدلالة تتجاوز الأهمية فى اللغة، إلى الأهمية فى عِلم الإنسان المعروف بالأنثروبولوجى.
والعيد يستلزم «أولاً» أن يكون له موعد معلوم يتكرر فيـه، وهـذه العـودة تستلـزم «ثانيًا» وجود مجتمع مستقر واستقرت له علاقته بالأرض والسماء أو بالزمان والزمان.
وتدل على العيد كلمات كثيرة فى اللغات الأخرى، يدور معناها أحيانًا على الموائد والأطعمة، وقد جمعت سورة المائدة هذه المعانى فى قوله تعالى: «إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ». (المائدة -112 114)
● أصل الأعياد.
وتكاد الأعياد جميعًا ترجع بأصولها فيما يقول الأستاذ العقاد إلى مواسم الزراعة والحصاد والرزق، ولكن الأديان ارتقت بها من أصولها المادية إلى المعانى الإلهية والروحانية وأضفت عليها صبغة من المقاصد العليا. من ذلك اعتياد بنى إسرائيل الاحتفال بعيد الفصح، وعيد المظال وغيرهما من أعياد البواكير والمحصولات.
واحتفالهم بعيد النور فى نحو الخامس والعشرين من ديسمبر من كل سنة، لأنه الموعد الذى يقصر فيه الليل ويطول النهار، ولم يزل هذا العيد مرعيًّا بين الأمم القديمة غير بنى إسرائيل.
● عيد الفطر وعيد الأضحى.
وكانت لهما سابقة قبل الإسلام، فكان العرب يصومون من أسبوع إلى أسبوعين فى موعد الانقلاب الصيفى الذى يوافق شهر القيظ أو شهر رمضان، ويحجون شبه عرايا إلى الكعبة ويقدمون القرابين إلى أربابهم، فلما جاء الإسلام هذب هذين العيدين، وأزال عنهما الصبغة المادية، وحولهما إلى العبادة الإلهية.
● الأعياد فى الشرق الأقصى، والأوسط.
يوشك أن يكون تاريخ الأعياد على ما تقدم عامًّا فى بلاد الشرق الأوسط والبلاد التى استمدت منها العلم بالفلك، أما بلاد الشرق الأقصى فلها مواسمها وأعيادها الطبيعية، تضاف إليها أعياد الأنهار والتطهر وزيارة الهياكل.
ولهذه الأعياد نظائر فى الشرق الأوسط عند توابيت الأولياء الذين يحرسون الأطفال خاصة فى اعتقاد أبناء الإقليم، ومن المعتاد أن يؤخر البعض أول حلاقة لشعر الطفل إلى أن يحلق فى مقام الولى المقصود.
● أما فى الهند.
فمن أعيادهم عيد الأداة أو الآلة التى يستخدمها الصانع، وقد استطاع غاندى الاعتماد على هذه العادة القديمة لتقديس «المغزل»، فأصبح بفضله من أعلام البلاد.
الطبيعة البشرية للأعياد.
صدق من قال إن الإنسان إنسان حيث كان، والطبيعة البشرية واحدة فى كل زمان ومكان. فإذا حمد الناس السلامة والسلام فى بلد بعيد أو قريب، فتأكد أنهم يحمدونها فى كل بلد متصل به أو منفصل عنه.
وخير تهنئة فى العيد، أن تتمنى للناس الخير والسلامة بمعناهما معًا: خير الأبدان، وخير الأرواح والأذهان.
وكل عام وأنتم بخير وسلام.
رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com