Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (386).. الإسلام دعوة عالمية (11)

العيد الكبير قبل آلاف السنين، كانت الضحية من قبيل الضحية التى تقبل عليها القروية الساذجة لمغالبة مرضها أو عقمها أو هجران زوجها، أو قلة حظها، والغرض منها دفع السوء على يد ساحر أو كاهن أو عرّاف. وكان هناك نوع آخر من الضحايا التى يُدفع بها السوء أو الخوف والتوجس، وتلك هى الضحايا التى تقدم إلى أرواح الم

فى مدينة العـقاد (386).. الإسلام دعوة عالمية (11)
رجائى عطية

رجائى عطية

1:32 م, الخميس, 12 يناير 17

العيد الكبير
قبل آلاف السنين، كانت الضحية من قبيل الضحية التى تقبل عليها القروية الساذجة لمغالبة مرضها أو عقمها أو هجران زوجها، أو قلة حظها، والغرض منها دفع السوء على يد ساحر أو كاهن أو عرّاف.
وكان هناك نوع آخر من الضحايا التى يُدفع بها السوء أو الخوف والتوجس، وتلك هى الضحايا التى تقدم إلى أرواح الموتى، والتى يحسب الناس أنها تجوع وتظمأ، وتأكل وتشرب.. وكانوا يذبحون لها الذبائح، ويتقربون بالقرابين دفعًا للسوء واتقاءً للحسد والنقمة.
ثم ترقى شعور الناس بالضحية وفهمهم لمعناها مع ارتقائهم فى التدين، فأصبحت الضحية تحمل الخطيئة عن صاحبها، وكان مجرد فهم هذه الخطيئة تقدمًا فى الفهم والشعور بالعقيدة الدينية.
وقد ارتقى الناس فى فهم التضحية بمقدار ارتقائهم فى فهم العقيدة الدينية. وجاء الزمن الذى كان فيه أنبياء بنى إسرائيل- كأشعياء وإرمياء- يبكتون الشعب لأنه يعلق رجاءه فى الخلاص والغفران على الذبائح والقرابين، ثم ارتفع السيد المسيح عليه السلام بعقيدة التضحية، فقدم الرحمة والشكر على فدية الأنعام والأموال، وأوصى ببذل النفوس فى سبيل الهداية.
أما التضحية فى الإسلام، فهى شكر وصدقة وإحسان : « فَكُلُوا مِنْهَـا وَأَطْعِمُـوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ » (الحج 28)، « فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُـوا مِنْهَـا وَأَطْعِمُـوا الْقَانِـعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ » (الحج 36، 37).
فالتضحية الكبرى هى التقوى، وهذه الضحايا إنما هى وسيلة من وسائل الشكر والإحسان..
وليس من عقائد الإسلام أن الضحية تكفِّر الذنوب، أو ترد القضاء.. ولكنها عطية واجبة تؤدى جانبًا من جوانب البر.
وبذلك ارتفعت التضحية من السحر إلى العبادة، ومن دفع السوء إلى بذل الإحسان.
* * *
وتتلخص الآداب الإنسانية من هذه الناحية- فيما يبدو للأستاذ العقاد فى كلمات ثلاث تجمعها : الحق والواجب والتضحية.
الواجب وسط معتدل بين الحق والتضحية، والتضحية أعظمها.
وكل تضحية واجبة أو مفروضة- هى فى الواقع رمز إلى التضحية العليا التى هى أرفع الواجبات والفروض، لأنها لا تطلب ولا تُسْتوجب، ولا يفرضها على الإنسان غير ضميره وشعوره.
فإذا كان من آفات العصر الانشغال بالحقوق دون الواجبات والتضحيات، فإنه بسبب ذلك تضيع الحقوق وتسقط الواجبات، وتغدو الضحية ضحية المضطر غير المختار !
إن العصر الذى ينشغل بحقوقه دون واجباته، يتحول الجميع فيه إلى طالبين مُطَالّبين فى ذات الوقت !
تقول الحكمة إن الحقوق لا تضيع حين تُؤدى الواجبات، وإن من لا يضحى باختياره يصير ضحية للحوادث بغير اختياره، ولا شكران ولا ثواب لضحايا الضرورة.
فهنيئًا بالعيد الكبير.. عيد الأضحى والقرابين، فهو بشير يغنى عن التذكير، والبشرى كالذكرى تنفع المؤمنين..
الضحية فى مقارنة الأديان
يشير الأستاذ العقاد إلى أن كلمة التضحية بمعناها الحديث كلمة إسلامية، لم تعرف بهذا المعنى : معنى الفداء، قبل نزول القرآن الكريم.
ومعناهما الأصيل مأخوذ من « الضحى » موعد تقديم ذبيحة العيد بعد صلاته، وغير صحيح ظن بعض المتعجلين من المستشرقين أنها تشير إلى أصل قديم لعبادة الشمس فى عصر الجاهلية.
والمقارنة المتئدة بين الأديان، تسفر فى أمر « التضحية » عن حقيقة مطردة، هى ارتفاع الإسلام شأوًا بعيدًا فوق أرفع الآفاق التى بلغتها أطوار الدين، وهذه الحقيقة تظهر بغير عناء من كل مقارنة بين عقيدة الإسلام وما تقدمها من العقائد فى أصول وأمهات شعائر الدين.
وتتلخص هذه الأصول فيما يقول الأستاذ العقاد فى العقيدة الإلهية، وعقيدة النبوة، وعقيدة الصلاح فى النفس الإنسانية بين يدى الله وأنبيائه.
فالله فى الإسلام، السرمدى المنزه عن شوائب المادة، رب العالمين أجمعين، وليس برب لقبيلة أو أخرى تختاره ويختارها لغير سبب دون الأمم كافة، وليس ربًّا لطائفة من الناس يرتبط خلاصها بحادث من حوادث التاريخ فى زمن ما.
والنبى فى الإسلام، داعٍ إلى الهدى بحجة العقل والضمير، وليس منجمًا لاستطلاع الغيب ولا وسيطًا لدفع الكوارث وجلب المنافع بين الخالق ومخلوقاته.
والنفس البشرية، نفس رشيدة مسئولة بعملها عن صلاحها وعن خلاصها.
وهذه الأصول الثلاثة هى أهم أركان العبادة فى كل ديانة.
ولكن المقارنة بين الأديان فى الفروع تنتهى كذلك إلى تمييز الإسلام بمثل هذا الفضل، أو هذا التقدم من وجهة النزاهة فى التفكير والاستقامة على هداية الضمير.
ومن هذه الفروع عقيدة « التضحية » أو القربان فى الدين الإسلامى، وفيما تقدمه من الأديان.
وفيها يتجلى بطلان مزاعم الذين زعموا أن الإسلام نسخة محرَّفة أو مشوَّهة من اليهودية.
فاليهودية تتعدد فيها القرابين، ما بين بواكير الزرع أو بواكير الحيوان أو مواسم الحصاد، وتكون تارة للغفران وتارة « رشوة » لتسكين الغضب استجلاب الرضا من الله. بل ويكون القربان الأكبر أحيانًا- طعامًا مقدمًا إلى الله لأنه- حاشا لله- يستسيغه ويشعر بالسرور لاشتمامه. يدل على ذلك ما طفق الأستاذ العقاد يستشهد به من نصوص إصحاحات أسفار العهد القديم، كأسفار التكوين والخروج والأخبار.
ولكن القربان ليس ثمنًا فى الإسلام للغفران، ولا يتعلق بوساطة هيكل أو كهانة.
وليس طعامًا للرب، ولا طعامًا لأحدٍ من الوسطاء.
وليس فرحًا بمنظر الدم أو احتفالاً برشه وغمس الأيدى فيه مرضاة للعيد أو لربه كما تقول نصوص أسفار العهد القديم.
وليس فيه معنى من معانى التقريب للظواهر الطبيعية فى مواسمها المعروفة للحصاد.
فالقربان الإسلامى بعيدٌ غاية البعد عن مراسم الوثنية وشعائر الكهانة، ولكنه شكر لله وإحسان إلى الجياع والمحرومين وبرهان على التقوى والصلاح، وهما كل ما يطلبه الله من عباده.. تنزه سبحانه وتعالى أن يطلبه سرورًا برائحته أو فرحًا بمنظر الذبائح فى دمائها واستئثارًا بالطيبات منها لمن يدعون الوساطة عنده سبحانه والشفاعة لديه !
رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

1:32 م, الخميس, 12 يناير 17