دراسة للإسلام المعاصر على الساحل الغربى للقارة الأفريقية
نرى الأستاذ العقاد هنا على مداومته متابعة ما يكتب وينشر فـى العالـم عـن الإسلام والمسلمين، والدراسـة التى يرصـدها هنا صدرت للأستاذ «همفرى فيشر» بعنـوان: «A study in contemporary Islam on the west African Coast» «دراسة للإسلام المعاصر على الساحل الغربى للقارة الأفريقية»- وخص المؤلف الكلام فيه «بالطائفة الأحمدية» والتى يظهر من ثنايا الكتاب- فيما يقول الأستاذ العقاد- أنه على خبرة وافرة بشئونها، حيث يقيم المنتسبون إلى هذه الطائفة فى كل من الهند وغرب أفريقيا.
وخطوط الكتاب كما يعرضها الأستاذ العقاد، جرت على عدة فصول، بدأ الفصل الأول بالحديث عن خصائص الإسلام وخصائص الوثنية التى تساكنه على رقعة واحدة بالقارة الأفريقية، وأدار مباحثه على أربعة أبواب: الأول يشرح العقائد الإسلامية عامة ونواحيها الخاصة حيث تتصل بالشعوب الوثنية. والثانى يحمل تاريخ الطائفة الأحمدية منذ نشأتها بالهند فى أواخر القرن التاسع عشر، وحتى قام بالأمر فى الطائفة «محمود أحمد» ابن صاحب الدعوة «غلام أحمد القاديانى»، فانقسمت الدعوة إلى قسمين أحدهما المشهور باسم «جماعة لاهور» وهو يقترب شيئًا فشيئًا من عقائد أهل السنة ويفارق شيئًا فشيئًا الدعوات التى تخالفها. والقسم الآخر هو الذى تولى الدعوة بين الوثنيين من أهل أفريقيا، ورسم خطة للتودد إلى تلك القبائل الوثنية، وسماها بخطة «الجهاد السلمى»، محاولاً أن يتجنب غراباتهم وما ينفرهم من الدين الجديد، وعلى أمل التفاهم والتقارب فى حدود المحافظة على جوهر العقيدة الإسلامية، والترخص بعض الشىء فى قشور المظاهر وأشكالها.
والبابان الثالث والرابع يشتملان على خلاصة تاريخية للأعمال التى قام بها المبشرون ثم ما قام به ولاة الأمر لتوطيد الحكم الإسلامى وتنظيم الحياة الاجتماعية بين القبائل التى تحولت عن الوثنية.
والمفهوم من جملة الأبواب، أن الدعوة نجحت فى توحيد الشعائر الاجتماعية العامة، وهى صلوات الجماعة والأعياد وصيام رمضان وأداء فريضة الحج بالتعاون بين القادرين وغير القادرين، وعلى ما أوجز الأستاذ العقاد بيانه نقلاً عن الكتاب.
ومما حرص عليه الدعاة المحدثون، تبديد ما علق بأذهان الوثنيين من أوهام عن معنى الجهاد فى الإسلام، وعن الظن بأن المسلم يستبيح قتل الوثنى بالسيف فى كل حال، وإيضاح أن المسلم لا يعادى الوثنى ما لم يقابله بعداء أو يحظر عليه الدعوة إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكان أصحاب السلطان فى البلاد قد ألقوا فى روع الناس أن الدعوة إلى الإسلام لا تعنى إلاّ القتال واستباحة دماء المخالفين حتى ولو كانوا مسالمين، وسعى المبشرون منذ جاءوا بعد القرن السابع عشر لتأكيد هذا الوهم لتنفير الناس من الإسلام.
فلما ابتدأ «المجاهدون» المحدثون دعوتهم- أعلنوا أنهم خرجوا للجهاد «السلمى» ولم يحملوا سيفًا ولا سلاحًا، ولا يفتعلون سببًا للخلاف مع الوثنيين يصعب التفاهم عليه بالمودة والإقناع، وترخصوا فى قبول عادات الوطنيين التى لا تمس العقيدة ولا يسهل تحويلهم عنها دفعة واحدة، ولا هى مما يبعدهم عن جوهر الإسلام.
ويروى المؤلف- فيما يورد الأستاذ العقاد- عن «ترمنجهام» الباحث الحديث فى تاريخ الإسلام أهم العقائد التى يشترك فيها جميع المتدينين فى أفريقيا الغربية من المسلمين أو الوثنيين الذين لم يصلوا إلى الإسلام ولكنهم ماضون فى طريقهم إليه، وما سلكته الجماعة الأحمدية فى تقريب معانى الإسلام إلى هؤلاء.
ولا يحجب الأستاذ العقاد أنه يتساءل ويتفاءل بعـد الإلمـام بعاقبـة الجهـود فى ذلك «الجهاد السلمى»- ألاّ يجوز أن تصبح أفريقيا الغربية ميدانًا لتوحيد الكلمة وتقريب المقاصد بين الدعاة إلى الإسلام على هدى الكتاب والسنة.
وهى غاية ما يرجى للتقريب الذى تسعى به طائفة داعية لسائر الطوائف من المقبلين على الإسلام.
الإسلام والنظام العالمى الجديد
يشير الأستاذ العقاد إلى أن بداية ظهور الطريقة القاديانية المشهورة، كانت فى البنجاب بالهند سنة 1899، ونهض بها «ميرزا غلام أحمد القاديانى»، واشتملت على عقائد كثيرة لا يقرها الإسلام، بل ولا يقبلها دين من الأديان الكتابية، ومن ذلك قوله إنه نبى مرسل وإنه عيسى بن مريم بعث إلى الأرض فى جسد جديد!
وفى سنة 1914 تطورت الطريقة إلى حركة إسلامية تنكر نبوة القاديانى، وتنكر الحكم بالكفر على من يؤمن بالقرآن وبرسالة محمد عليه السلام، وتحول إلى هذه الحركة الجديدة كثير من أتباع القاديانى وكثير من طلاب التجديد من السنيين والشيعيين، وظهرت للحركة كتب كثيرة باللغة الأردية وباللغة الإنجليزية للتبشير بالإسلام، مع ترجمة خاصة للقرآن، وتواريخ موجزة للنبى وخلفائه الراشدين.
وليست تفسيرات هذه الجماعة للكتاب والسنة بالتى توافق مذاهب الفقهاء المتفق عليها، فمنها ما يصرف معانى القرآن إلى تأييد ما ليس من مقتضيات الدين فى رأى الأقدمين والمحدثين.
إلاَّ أن الحاصل الذى لا مراء فيه أن هذه الطائفة هى أوفر المسلمين نشاطًا، وأشدهم دفاعًا عن العقائد الإسلامية، وأكثرهم اجتهادًا فى نشر فضائل الدين، وأعرفهم بالأساليب التى توجه بها الدعوة إلى العقول الأوروبية، وإلى جماهير المتعلمين فى الشرق والغرب على الإجمال.
وهم إلى ذلك يحسنون انتهاز الفرص من الحركات العالمية والدعوات الثقافية حيثما ظهرت، وعندما دعا النازيون والشيوعيون إلى «نظام عالمى جديد» لإنقاذ العالم من معضلاته الروحية والسياسية والاقتصادية- عند ذاك بادر كاتب من أقدر كتاب هذه الجماعة إلى بيان تفصيل موقف الإسلام من هذه النظم ومن مذاهب الفلسفة التى تعتمد عليها، وصدر بذلك مؤلف قيّم باللغة الأردية لهذا الكاتب القدير، وهو فيما يشير الأستاذ العقاد: السيد محمد على مترجم القرآن إلى اللغة الإنجليزية- والذى نقل هذا الكتاب من الأردية إلى الإنجليزية ووصل للأستاذ العقاد رحمه الله عن طريق العراق.
وقرر السيد محمد على، فى الصفحات الأولى من كتابه، أن خلاص النوع الإنسانـى لا يتأتى ولا يعقل أن يكون بغير عقيدة روحية عاطفية صالحة لتوحيد الناس فى نظـام واحد، يتكفل بحاجات الضمائر والأجساد، وتقسيم الأرزاق بين الناس بالأسهم والدوافق والسحاتيت.
وأضاف أن عقائد الغرب لم تفلح فى إحياء هذه العاطفة الروحية، لأن أوروبا انحرفت بالمسيحية عن سوائها، ولو كانت على سوائها لعالجت المادية الماركسية التى طغت على الروسيا الحديثة واقتلعتها من أحضان الدين والإيمان بالله.
(يتبع)
رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com