Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (367).. أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (15)

عن أثر أوروبا الحديثة فى النهضة العربية.. الأخـلاق والعـادات التشبه بالأمم الغالبة فى عاداتها ومظاهر معيشتها عادة أصيلة فى طبائع الناس، تعودها الشرقيون كما تعودها غيرهم. وكان من عادات الأوروبيين ما هو خير كممارسة الرياضة، وما هو شر فيما يخالف القيم والأخلاق الوطنية. على أنه ليس من الصواب القول بأن

فى مدينة العـقاد (367).. أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (15)
رجائى عطية

رجائى عطية

10:24 ص, الخميس, 15 ديسمبر 16

عن أثر أوروبا الحديثة فى النهضة العربية.. الأخـلاق والعـادات

التشبه بالأمم الغالبة فى عاداتها ومظاهر معيشتها عادة أصيلة فى طبائع الناس، تعودها الشرقيون كما تعودها غيرهم.
وكان من عادات الأوروبيين ما هو خير كممارسة الرياضة، وما هو شر فيما يخالف القيم والأخلاق الوطنية.

على أنه ليس من الصواب القول بأن الحضارة الأوروبية قد خلقت الفساد فى الشرق خلقًا، فالواقع أن الشرق منى فى أيام الجمود والاضمحلال بضروب شتى من الفساد كانت تنخر فى عزائمه وتضنيه. ولكن من الحق أيضًا أن الحضارة الأوروبية زودت الفساد بمسحة من الطرافة تستهوى النظر وتنفى عنه المشاين الذميمة.

ولم تسلم أصول الأخلاق من صدمة عنيفة أو مساس رفيق من جراء الالتقاء بين الشرق القديم والحضارة العصرية.

فالمظاهر الأوروبية قد خامرت قلوب الشرقيين بالشك القوى فى حقائق العرف الاجتماعى الذى اعتادوا عليه.

والصدمة الأخرى كانت من قبل الحرية الفردية التى أباحت للفرد فجأة أن يستقل لا بآرائه فقط ومعتقداته، وإنما أن يستقل فى نظر البعض بأهوائه ونزواته، وإن خرج بها عن آداب الجماعة المتفق عليها، فأصبحت الحرية مرادفة للجرأة على النقد والمعابة، واقترنت قلة الحياء بقلة المبالاة.

على أنه إذا كان هذا التحول مدعاة للتشاؤم، فإنه لا يخلو فى بعض دلالاته من دواعى التفاؤل والرجاء، حين ينكشف الغبار وتتضح القواعد الباقية والقواعد التى يقوم عليها البناء، وتتراءى للبصائر والأبصار.

والحكم إذن للغد، وليس بعزيز على الغيب أن تنبعث من جانب الشرق رسالة روحية تتجدد بها أخلاق الشرقيين وأخلاق الغربيين.

وربما يعترض أمنية الأستاذ العقاد ما صرنا نلاقية الآن من الجنوح والتطرف والخروج عن القيم ومبادئ الإسلام من الكيانات الإرهابية المتشحة كذبًا بالإسلام، ولكن من يدرى إلام سوف تقود هذه المحن، التى لا يستبعد أن تستدعى العقول الغائبة، وتردها إلى جادة الهداية والصواب ؟!

الأدب والفن

لم تكن الترجمة إلى العربية سلفًا على ما صارت إليه الآن، بعد أن تزايدت أسباب الإلمام بالعربية، ومعرفة اللغات الأوروبية، فاستوت للترجمة الآن مقومات الجودة والإتقان.

وقد عادت الترجمة الآن، بنفع جزيل على اللغة العربية، لأنها لفتت إلى وجوب الالتفات إلى «قصد العبارة»، بأن يعنى الكاتب ما يقول ويتابعه باللفظ الدقيق الذى يؤديه.

وكان الكاتب لا يُحسب من البلغاء إلاَّ بالسجع وحشو الزخارف والقوالب المحفوظة من أقوال الأقدمين، فبرئت الكتابة العربية من هذه الآفة وتخلصت شيئًا فشيئًا من التقليد، وساعدت على ذلك لغة الصحافة التى نقلت عن الغرب.

أما فى النهضة الشعرية، فأهم ما يميزها هو الالتفات إلى «القصد»، وكان هذا بعد احتكاك الشرق العربى بالحضارة الأوروبية، فصار للقصيدة قصد، ونشأ الشعر المقصود، وبرزت ملامح الفرد المستقل فى دواوين الشعراء، وقلت القوالب المطروقة بمقدار مازادت المعانى المطبوعة والأغراض المبتكرة، وضاقت الأوزان القديمة بهذه الأغراض، فنجمت الدعوة إلى القافية المرسلة والأوزان الحرة، وتوسع الشعراء فى أوزان الموشحات القديمة فأضافوا إليها كثيرًا من المجزوءات والأوضاع الحديثة.

وتجاوز التغيير العصرى الصيغ والألفاظ إلى الأغراض والموضوعات، وصار للقصائد وللدواوين عناوين ومسميات، ومقاصد وأغراض غير الأبواب التى كانت معهودة فى المدح والفخر والوصف والغزل والحكمة والرثاء والهجاء.

وبرزت الملامح المعنوية فى الدواوين الحديثة، وصار للدواوين اسم يشير إلى فحواه، وللقصيدة اسم ينم على موضوعها.
وراجت الفنون الجميلة على قدر نصيب الفن من الطبيعة الاجتماعية، فسبق التمثيل ولحق به الغناء ثم التصوير.

* * *

ومن الواجب الإقرار هنا بأن بعض الملاحظات التى أخذها الأستاذ العقاد على التمثيل وعلى السينما أو ما أسماه الصور المتحركة، وإن كانت توافق زمانها، إلاَّ أن التطور الحاصل قد تجاوزها، وصار للتمثيل المسرحى مكانة ملحوظة، وكذلك لصناعة السينما، أما الموسيقى والغناء، فقد استقر الذوق الاجتماعى فيما يقول على نبذ الألحان القديمة، التى كان يغلب عليها الجمود و«التثاؤب»، وإن كان التطور الذى أعرض عن القديم لم يخلق نمطًا مطبوعًا يستقل به عن المحاكاة والتلفيق، وقد لا يصدق هذا النقد تمامًا على المدرسة التى تقدمت أخيرًا بالموسيقى والغناء، قبل أن تهجم عليها فى السنوات الأخيرة موجة الإسفاف !

* * *

أما فى البناء، فمن الحق أنه قد حدث تعديل فى طرز البناء وزخارف العمارة، تبعًا لتغير العادات وعوارض العمران، وتوارت الخوخات والأقبية والمشربيات وتعلية السقوف أمام شيوع المرواح الكهربائية وأجهزة التكييف. وجعلت الأبنية المستقلة للسراة تخرج من قلب المدينة بعد ارتفاع أسعار الأراضى إلى الضواحى النائية، وشاعت بدل القصور «الفيلات» التى اشتق الغربيون اسمها من اسم الريف والخلاء. مع إقرار الأستاذ العقاد بأنه يلم هنا بالخطوط العريضة المجملة، ولا يستقصى التفصيلات التى تتشعب ولا يتسع لها المجال.

* * *

هذا، وبعد حديث موجز عن الصحافة تستوجب تطوراتها الأخيرة التعرض لها بمزيد من الدراسة والتأمل والنظر، خلص الأستاذ العقاد إلى أن البحث الذى عرض له ينتهى إلى عبرتين خالدتين : أولاهما أن الأمم الشرقية والغربية جميعها دائنة ومدينة فى تراث الحضارة الإنسانية، وأنه ما من أمة لها تاريخ مجيد إلاَّ وقد أعطت كما أخذت من هذا التراث.

أما العبرة الثانية، فهى أن الأمم تستفيد فى باب الحضارة على الرغم منها وعلى الرغم ممن يفيدها. فالمستعمرون الغربيون لم يقصدوا ولم يستهدفوا تعليم حرية الأوطان، ولكن الشرقيين تعلموها وهم ناقمون على الغرب والاستعمار، وشخذوا السلاح الذى ضربتهم به يد الاستعمار، وأصابوا به قبل أن يعرفوا كيف يصيب.

«وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ»
«وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ»
«وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ »

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

10:24 ص, الخميس, 15 ديسمبر 16