Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (360) أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (8)

الفنون الجميلة يقر الأستاذ العقاد من بداية هذا الفصل بأنه لم يكن للحضارة العربية نصيب كبير، سواء فى التمثيل، أو فى التصوير بنوعيه : الرسم، والنحت. ولا خلاف على أن التمثيل نشأ فى بلاد الإغريق وكانت بدايته من بعض الشعائر الدينية، وكان فى أول عهده مقصورًا على الرقص والغناء، ثم أضيفت إليه صنوف أخرى حت

فى مدينة العـقاد (360) أثر العرب فى الحضارة الأوروبية (8)
جريدة المال

المال - خاص

10:39 ص, الأثنين, 5 ديسمبر 16

الفنون الجميلة

يقر الأستاذ العقاد من بداية هذا الفصل بأنه لم يكن للحضارة العربية نصيب كبير، سواء فى التمثيل، أو فى التصوير بنوعيه : الرسم، والنحت.

ولا خلاف على أن التمثيل نشأ فى بلاد الإغريق وكانت بدايته من بعض الشعائر الدينية، وكان فى أول عهده مقصورًا على الرقص والغناء، ثم أضيفت إليه صنوف أخرى حتى نشأت الرواية المسرحية.

ولا شك أن التمثيل ينمو مع تنوع العلاقات فى الحياة الاجتماعية، وأنه لم يكن فى مجتمع البداوة العربية مجال كبير لهذا التجاوب الذى ينشأ فيه التمثيل.

أما عن تعليل نقص التصوير، فقد عزاه البعض إلى قلة الإحساس أو قلة الانطباع بمحسوسات النفس، وحتى من عزوه إلى الأسباب الدينية وتحريم الصور والأنصاب، أقحموا أيضًا ضيق الحظيرة ونضوب الحس، وقد رد الأستاذ العقاد على هذا الاتهام بالعلاقات الحيّة التى ربطت بين العربى والجواد أو الناقة أو كلب الصيد أو ظباء الفلاة وطيورها وسائر حيواناتها، وبدا ذلك فى نظم الشعراء.

بيد أن القضية قضية التصوير فى إطار الفنون الجميلة، لا فى إطار الشعر والأدب، ومع تقديرى لجهد الأستاذ العقاد فإن المسألة مردودة بوضوح إلى النظرة الدينية القديمة التى عممت تحريم التماثيل والصور، من اتقاء معنى الشرك، إلى تحريم عام استغرقت مغالبته سنين طويلة حتى تجلى هذا المعنى بوضوح، ومع ذلك لا يزال هناك من يصادرون على التماثيل والتصاوير بدعوى أن فيها معنى الشرك، وهى دعاوى تتقلص مع الأيام، إزاء المفهوم الصحيح لعلة التحريم التى لا تمتد إلى تحريم عام.

والمهم أنه مع انحسار هذا التحريم المغلوط تدريجيا، أخذت تنمو بالتوازى مع انحساره، فنون النحت والرسم والتصوير، ودلت البراعة المشهودة اليوم فيها، على أن النقيصة المزعومة لا محل لها، وأن البراعة ظهرت مع انحسار فكرة التحريم الدينى.

ولكن سيبقى السؤال الذى ينصرف إليه جهد الأستاذ العقاد فى هذا الكتاب : ما هو أثر العرب فى الفنون الجميلة على الحضارة الأوروبية؟

ولا شك أن فنون البناء والعمارة العربية كانت ولا تزال للآن ميدانًا دالاًّ على هذا التأثير، سواء فى الأبنية أو القباب أو المسبوكات والزخارف العربية ذات الطابع الجمالى المتفرد الأخَّاذ.

ويبدى الأستاذ العقاد خطأ القول بأن الأسلوب البيزنطى هو أساس المدرسة التى اتخذت البناء فى الشرق على هذا الطراز، حيث كان الطراز البيزنطى نفسه نفحة من نفحات الشرق التى خالفت بينه وبين أساليب القارة الأوروبية من قوطية أو رومانية، ويدعم رأيه بأنه لولا هذه النفحة المستمدة من روح الشرق لما حدث الاختلاف الملحوظ بين بيزنطة وبناء الجرمان أو الإيطاليين.

ولا ينفى الأستاذ العقاد أن العرب اعتمدوا على فنون البناء فى الأمم التى سبقتهم إلى هذه الفنون، ومنهم الفرس والروم والمصريون، وأنهم قد استعانوا بالبنائين من الأرمن والقبط فى كثير من العمارات، ولكن الذى لا شك فيه أن اليد الصانعة كانت معبرة عن الروح العربية، وحتى صار للبناء العربى طراز متفرد هو الذى منع اقتباسه بتفصيلاته فى الأقطار الأوروبية التى اتصلت بالحضارة الإسلامية.

ولا أدل على سلطان الفن العربى، من محاكاته فى مصنوعات الأوروبيين بغير تصرف، وربما دون أن يحسنوا قراءة معناها.

ويشير الأستاذ العقاد إلى الكتاب القيِّم الذى وضعه البحاثة المرحوم أحمد تيمور باشا عن التصوير عند العرب، وأحصى فيه مئات الأبيات التى تدل على انتشار الرسم والنحت ومصنوعات هذين الفنين فى المبانى والمصنوعات والمنسوجات التى يصنعها المسلمون.

والذى لا شك فيه أن الذوق العربى الفنى صار قدوة بين الأوروبيين، ولم ينحصر فقط فى دوائر الفن ومراسمه، وإنما عمّ القصور والبيوت والمصانع والأسواق.

الموسيقى

يُسَلِّم الأستاذ العقاد بالاختلاف الظاهر بين الموسيقى العربية وموسيقى العصر الحديث فى أوروبا، ولكنه لا يرجع- فى نظره- إلى فارق أصيل فى الفطرة العربية والفطرة الأوروبية، كما خطر لبعض المتعرضين للمفاضلة بين الأجناس، وإنما لأن الموسيقى الأوروبية القديمة على مثل هذا الفارق مع الموسيقى الأوروبية فى أطوارها الأخيرة، ومرجع ذلك أن موسيقى اليونان والرومان كانت قائمة على الأغانى الحسية أو ما يصاحب الرقص والغناء ويتغلب فيه التطريب على التعبير. ولذلك كانت الألحان الأوروبية إلى ما قبل القرن الثامن عشر ألحان ترنيم وتنغيم، ولم تكن ألحان تنسيق وتنويع على الأسلوب المسمى الآن «بالهرمونية» أو فن تناسق الألحان المختلفة.

ويرى الأستاذ العقاد أن الأوروبى الحديث لا يطرب لموسيقى «الهرمونية» فطرةً وارتجالاً، وإنما بالتعليم والتدريب. والدليل أنه إذا ما تعددت الأنغام وتفاوتت الطبقات واتسع نطاق التباعد بين القوافى المرددة- ضل السامع الأوروبى طريقه إليها وأعياه الجهد ومحاولة التوفيق بينها وربط تواصلها وانتظار اللازمة التى تسرى بين فصولها.

ومن عاشروا الأستاذ العقاد عن قرب، يعرفون ولعه بالموسيقى، واهتمامه بسماعها، وتفرغه أحيانًا لذلك، مما يفسر قدرته على هذا التناول الذى لا يدركه إلاَّ سَمِّيع ملم بالموسيقى وطبقاتها وأنغامها وتواصلها ولزماتها.

ولذلك نرى الأستاذ العقاد ينتقل فى سلاسة العارف إلى الموسيقى الكلاسيكية. وكيف ينفر منه البعض حتى يسيغه ويستعذبه بعد التأمل والأناة، وكيف يمكن أن يشعر السامع الذى تدرب على النماذج السهلة بالانقباض إذا ضل طريقه وهو يصغى إلى السيمفونية.

فالذى طرأ على الموسيقى الأوروبية الحديثة من التنويع والتركيب، قد باعد بينها وبين موسيقى اليونان والرومان، كما باعد بينها وبين موسيقى العرب والشعوب الشرقية بعامة.

وقد تباعد الاختلاف فيما يقول- بين الموسيقى القديمة والموسيقى الحديثة فى اليوم الذى اتسعت فيه للاشتمال على العواطف الدينية والصلوات، وأصبح السامع يصغى إليها فى محاريب العبادة وهو متهيأ للخشوع والإنابة إلى عظمة الله والغـوص فى سرائر الأكوان.

على أن الصلة لم تنقطع- فيما يقول- بين العرب وبين تطور الموسيقى الأوروبية فى هذا الطريق، لأن الأندلس تلقت فن الأنغام على العرب وامتزجت لديها الموسيقى الحسية بموسيقى العبادة لعدة أجيال بعد أفول الدولة العربية، فكان للأسبان رقص دينى ترعاه الكنيسة وتنعقد فيه الصلة بين موسيقى الأقدمين وموسيقى المحدثين.

ومن الحقائق المقررة التى يشير إليها الأستاذ العقاد، أن أبناء أوروبا الغربية كانوا يتعلمون فنون الأنغام على أساتذة من العرب الأندلسيين، ونقلوا أسماء بعض الآلات بألفاظها العربية التى بقيت للآن فى اللغات الأوروبية بعد تصحيف يسير.

علـى أن بعـض الأوروبييـن الخبـراء بتاريـخ الموسيقـى العربيـة- كالأستـاذ «فارمرFarmer» يرون أن العرب قد سبقوا الأوروبيين- إلى نوع من الهرمونية يسمونـه «التركيب» ويعنون به توقيع النغمة الواحدة من عدة طبقات فى وقت واحد.

وأخيرًا، فليس بين الموسيقى العربية والموسيقى الأوروبية فرق أصيل فى السلم المعتمد عند العرب والأوروبيين إلاّ أن الموسيقى العربى المتشبث بالمألوفات يعتز بما يسميه «ربع المقام» أو «الربع تون»، ويعتبره فارقًا جوهريا بين أنغام الشرقيين وأنغام الغربيين، إلاَّ أن ملاحظة هذا «الربع» فيما يقول الأستاذ العقاد ليست شرطًا للسمع فى الآذان العربية، وإنكاره ليس شرطًا للسمع فى الآذان الأوروبية.

جريدة المال

المال - خاص

10:39 ص, الأثنين, 5 ديسمبر 16