Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (344).. الإسلام فى القرن العشرين (5)

(2) المسلمون فى القرن التاسع عشر لا تملك إلاَّ أن تأسرك شجاعة الأستاذ العقاد بإقباله غير هيَّاب على هذا الفصل، فقد أغناه فى الفصل السابق إلمامه العريض بحركة التاريخ، ولكنه يتصدى هنا لأحوال المسلمين، تعدادهم وظروفهم والمؤثرات المحيطة بهم من حولهم، بما استتبعه ذلك من الإحاطة بأقطارهم فى أنحاء المعمور

فى مدينة العـقاد (344).. الإسلام فى القرن العشرين (5)
رجائى عطية

رجائى عطية

10:12 ص, الأحد, 13 نوفمبر 16

(2) المسلمون فى القرن التاسع عشر

لا تملك إلاَّ أن تأسرك شجاعة الأستاذ العقاد بإقباله غير هيَّاب على هذا الفصل، فقد أغناه فى الفصل السابق إلمامه العريض بحركة التاريخ، ولكنه يتصدى هنا لأحوال المسلمين، تعدادهم وظروفهم والمؤثرات المحيطة بهم من حولهم، بما استتبعه ذلك من الإحاطة بأقطارهم فى أنحاء المعمورة بالقرن التاسع عشر، فى الدولة العثمانية، وفى إيران، وفى مراكش، وفى أمم لم تكن مستقلة آنذاك، كالهند، وأندونيسيا، والصين، وأيضًا فى وادى النيل : مصر والسودان، وفى البلاد العربية، وفى الهلال الخصيب، وفى أفريقيا الشمالية، وعن المسلمين فى الحبشة، وجملة الأقطار الأفريقية التى 
يقطنها الزنوج، ثم جماعات التبشير فى ذلك الزمان.

ووجه الصعوبة، لا يكمن فقط فى اتساع مساحة البحث، وذلك فى ذاته مشكلة، وإنما أيضًا فى ندرة المادة اللازمة للبحث، فلم يكن علم الإحصاء قد تقدم التقدم الذى نراه الآن، ولم تكن الإحصائيات التى نلمسها حاليا فى دوائر المعارف وكتب المقارنة بين الأديان متوفرة، ولا كانت البحوث السياسية التاريخية قد استقامت واستكملت تضاعيف ما جرى فى هذه الأقطار العديدة المتنوعة، بين قارات متباعدة، طوال القرن التاسع عشر وما سبقه وأفضى إليه.

وكان فى مقدمة الصعوبات التى صادفت الأستاذ العقاد بغير إحصائيات موفورة موثوقة، تعداد المسلمين، سواء على مستوى العالم ككل، أو فى الأقطار والأمم والدول والجماعات. بيد أنه أقدم على المهمة بإخلاص ودأب، غير هيّاب، وطلب غايته فى مظانها المختلفة، فلم يترك الروايات، ولا إحصاءات بعثات التبشير، ولا رسائل أشخاص كبار موثوق بهم كالسيد توفيق البكرى، ولا ما جاءه عن مسلمى الصين، أو التركستان وبخارى والتنجان وغيرها، ولا تقديرات المؤرخين المحققين، وكان ذلك عسيرًا آنذاك، ليخلص إلى تقدير رآه معقولاً أو قريبا من المعقول لتعداد المسلمين وأماكنهم وأقطارهم فى قارات العالم، بما فيها أوروبا، فى القرن التاسع عشر.

على أن المهمة لم تكن أيسر صعوبة فى التصدى للدول والأمم والأوطان، وقد أوقعنى ما أجراه من دراسات ضافية، فى حيرة حقيقية كيف أتحدث عنها، فهى موجزة شديدة الإيجاز يصعب فيها الاختصار إلاَّ أن يكون مخلاًّ، وهى فى تركيزها تحتاج إلى بسط لا تتيحه مساحة هذا المجلد المقدرة له، ثم هى تحتاج بعد ذلك إلى استكمال فيما أعقب القرن التاسع عشر، وإن كانت هذه مهمة غير مطروحة الآن، وهى تمثل دعوة للعلماء للتقدم لاستكمال الدراسة الرائعة التى بذلها الأستاذ العقاد- راجيًّا أن تغنى فى بيانها الإشارة والإيماءة، تاركًا للقارئ أن يعود إلى الأصل ليستوفى ما يحب، وهو على أية حال جدير بالاستيفاء.

-1 الدولة العثمانية

فى القرن التاسع عشر، كانت المسألة الشرقية قائمة على هدف «محو» الدولة العثمانية، بيد أن المتصارعين على التركة تختلف مواقفهم تبعًا لمصالحهم.

روسيا تتعجل التقسيم لتحتل القسطنطينية ومضايق البوسفور والدرونيل.

وفرنسا تتوسط بين العجلة والأناة، لأنها كانت تكتفى بلبنان وسوريا وبيت المقدس.

وانجلترا تطمح إلى طريق الهند.

ولم تجد هذه الدول صعوبة فى إقلاق الدولة العثمانية، لأنها كانت تستخدم سلاح الامتيازات الأجنبية وفقًا لهواها.
على أن الجدير بالنظر، أن هذه السياسات الجهنمية لم تتورع عن خلق المذابح، مذابح الأرمن وأرمينيا، ومذابح لبنان، ومذابح الإسكندرية !

ولم تجد الدول الكبرى فى تعللها بالمذابح للتدخل، حاجة للتدخل أو حتى الاحتجاج، فيما كان يجرى من مذابح فى روسيا والبلقان.

وتكأكأت علل الضعف والجمود والخلل على الدولة العثمانية، فهزمت جيوشها هزيمة شديدة لم تتعودهاـ فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر.

وأفضى سوء السياسة المالية إلى إعلان الإفلاس (سنة 1874) والعجز عن سداد الديون فى مواعيدها، واعتمد الباب العالى على المضاربة بين الدائنين ومنح الامتيازات الاقتصادية.

واتخذ الباب العالى من الدولة البروسية سيما بعد انتصارها فى حرب السبعين ـ ذريعة للتخويف والتهديد، فأعطاها سنة 1888 امتياز الخط الحديدى إلى أنقرة بعد امتداده فى المجر إلى القسطنطينية. وأتبعه بامتياز آخر لمد الخط إلى «قونية» مع اختراق الخط إلى الشام وبغداد.

ومن خطوط المواصلات الهامة التى تمت آنذاك فى منتصف القرن التاسع عشر وإلى نهايته : قناة السويس (1869)، وسكة حديد الحجاز (1900 ـ 1908).

واغتنم عاهل بروسيا: «ولهلم الثانى» الفرصة للتقرب لتركيا وللعالم الإسلامى بأسره.

وتطلع ساسة الترك إلى دولة أوروبية يعتمدون عليها فى تنظيم جيشهم، فلم يطمئنوا إلى روسيا أو إلى انجلترا، ورحبوا بالمساعدة الألمانية لتنظيم الجيش وتدعيم الأسطول، ولكن على حذر.

وعند اشتباك الحرب العالمية الأولى (1914)، استثارت دول أوروبا الغربية ـ استثارت تركيا لتدخل الحرب إلى جانب دولتى المحور، لتجتذب الروس إليها طمعًا فى القسطنطينية، ولتضمن تعاون المتربصين بالرجل المريض من دول البحر الأبيض المتوسط.

2- إيران

كان على عرشها فى مفتتح القرن التاسع عشر- الشاه «فتح على شاه» من أسرة «قاحار»، وُلّى بعد عمه «أغا محمد» الذى اشتهر بالصرامة والقسوة فى إخضاع ثوار الكرج وخراسان، ولكنه لم يكن على شىء من خلائق المؤسسين والفاتحين، إلاّ الطمع والفخفخة، ودفعه سوء نظره وأسلحة غروره وحب التعظيم، إلى التحالف مع بريطانيا العظمى على الأفغان لاسترجاع أقاليم فارس الشرقية- واستقبل مندوب شركة الهند الشرقية وعقد معه محالفة سياسية تجارية تتعهد فيها الشركة بإمداد فارس بالسلاح والمال فى حالة الاعتداء عليها من الأفغان أو فرنسا، بينما تعهد الشاه بألاّ يعقد صلحًا مع الأفغان ما لم تنزل هذه عن مطالبها فى الهند.

ولم تمض على هذه المعاهدة بضع سنوات، حتى التحمت فارس وتركيا فى الحرب التى انتهت بصلح «أرضروم»، ثم حاربت روسيا فانهزمت وتخلت سنة (1827) عن أروان وتبريز، وخذلتها انجلترا فى هذه الحرب فاستدارت إلى مجاراة روسيا، ثم تفاهمت مع حكام الهند بعد أن هاجمت «هرات»، وفى سنة 1856 م أشهرت انجلترا الحرب على فارس، واحتلت «بوشير» و«المحمرة»، وتراجع الجيش الإيرانى عن أرض الأفغان.

وفى سنة 1864 م، أُنشىء أول خط تلغرافى بين بغداد وطهران وبوشير، على اعتباره توصيلة للخطوط الهندية.
واستمر السباق بين انجلترا وروسيا على كسب الامتيازات ورخص الحكومة الإيرانية، واحتل الروس مدينة «مرو» واستولوا على بلاد التركمان سنة 1884م، وتوالت الامتيازات.

وبعد سنة من امتياز استغلال مناجم الذهب والفضة سنة 1889 م، تصدى «جمال الدين الأفغانى» لإحباطه، ثم تمادى الشاه «ناصر الدين» فى الاقتراض وبذل الرخص ورهن الموارد، فتمكن جمال الدين الأفغانى من الإثارة ضده وعصيانه واغتياله، فقتل سنة 1898م، وقيل إن قاتله صاح وهو يضربه «خذها من جمال الدين».

وجلس ابنه «مظفر الدين» على العرش، فأصبحت إيران نهبًا مقسمًا بين النفوذيين ومساعى المستغلين من الجانبين، واحتاج الشاه بعد سنتين إلى قرض آخر فأمدته به روسيا مقابل الترخيص لها بمدّ السكة الحديد من «جلفة» إلى «تبريز» ثم «طهران».

ولما كثرت المطالب والرهون على مكوس الجمارك، وضعت الإدارة كلها فى عهدة «نوس» البلجيكى وكادت الدولة أن تشهر إفلاسها، وتفاقم سخط الشعب على الشاه وعلى وزيره «عين الدولة»، فأسرع الشاه إلى عزل الوزير والمناداة بالدستور، ولكنه مات غيظًا بعد أسابيع فى ديسمبر 1906.

أما روسيا وانجلترا، المتنافستان على أسلاب فارس، فقد قابلتا إعلان الدستور بالاتفاق الودى المعروف باتفاق سنة 1907.

ولم تمض على هذا الاتفاق سنة واحدة، حتى كان الشاه الجديد «محمد على» ألعوبة فى يد الروس لأنه آثر هذا الخضوع للدولة الأجنبية على الخضوع لأحكام الدستور !

واغتنمت انجلترا الفرصة، فأنشأت الشركة الإنجليزية الفارسية لاستخراج النفط فى جزيرة «عبدان».

واشتد الشعور الوطنى، فهجم الزعيم «البختيارى» على «قولى خان»، وعزل الشاه. ثم ظهرت السياسة الأمريكية فى الميدان، وأطلقت روسيا الشاه من مأواه وأرسلته إلى «استراباد»، وظلت فارس ـ أو إيران ـ فى قبضة الروس إلى ما بعد إعلان الحرب العالمية الأولى سنة 1914.

(يتبع)

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

10:12 ص, الأحد, 13 نوفمبر 16