فى مدينة العـقاد (211).. عبقرية محمد

رجائى عطية

11:54 ص, الأثنين, 18 أبريل 16

رجائى عطية

رجائى عطية

11:54 ص, الأثنين, 18 أبريل 16


عبقرية الداعى

ما كان يمكن للموافقات التى ذكرها العقاد، أن تكتمل رسالتها بغير مقومات نجاح الوسائل بالقدرة عليها..
كانت له عليه الصلاة والسلام فصاحة اللسان.
وكانت له القدرة على تأليف القلوب وجمع الثقة.
وكانت له قوة الإيمان بدعوته والغيرة البالغة على نجاحها
وكان على ذلك المدار فى تبليغ الرسالة..
● ● ●
اكتمل لفصاحته عليه الصلاة والسلام فصاحة الكلام وهيئة النطق.. وكان جمال فصاحته فى نطقه لكمال فصاحته فى كلامه ومفرداته..
واتفقت الروايات على تنزيه نطقه من العيوب كما اتفقت على فصاحته فيما أوتى من «جوامع الكلام» فضلا عن فصاحة الموضوع.
● ● ●
وكان له عليه الصلاة والسلام الوسامة والثقة، وصباحة ودماثة تحببان فيه وتجمعان إليه القلوب.. وكان من علامات ذلك أن، يظهر والد زيد بن حارثة بعد طول غياب واختفاء، فإذا بالابن زيد يؤثر جوار محمد على العودة إلى دياره مع أبيه.. وإذا بميسرة خادم خديجة يفرح بأنه ينقل إليها البشارات عن محمد بدلاً من أن ينفس عليه المكانة التى يأخذها عند سيدة الدار.
ولم تكن محبة الأقوياء له وإكبارهم له، بأقل من محبة الضعفاء وإكبارهم إياه، فاجتمع على محبته أناس متفاوتون فى القوه والمزاج والخصال.. أحبه وأكبره أمثال أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وخالد وأبى عبيدة من عظماء الرجال، وأحبه، وأكبره المستضعفون والعبيد أمثال بلال بن رباح وسلمان الفارسى وصهيب بن سنان وخباب بن الأرت وعبدا لله بن مسعود..
كان عليه الصلاة والسلام جامعًا للمحبة والثقة، وكان مشهوراً بصدقه وأمانته كاشتهاره بوسامته ورحمته وعطفه.. وشهد بصدقه وأمانته المخالفون والأعداء كما شهد بهما أحبابه وموافقوه.
● ● ●
ومن المحقق أن كل هذه الموافقات، وكل هذه الصفات والمناقب، قد التأم معها إيمانه العميق بدعوته، وغيرته على نجاحها..
قضى عليه الصلاة والسلام شبابه وهو على اقتناع عميق بفساد الزمان وضلال الأوثان، وقد عاهده وجاوره أناس أقل منه نبلا واقتنعوا بما يقتنع به من فساد العصر وضلال أهله، وحاجتهم إلى عبادة تغنى أرواحهم وتعمر قلوبهم غير عبادة الأصنام والأوثان او اتخاذها الى الله زلفى..
ومع ذلك فإنه حين تلقى دعوة ربه للقيام برسالته، لم يهجم على ما هو كائن هجوم المتعجل أو من يمنى نفسه بالأمانى، وإنما تمهل واستوثق حتى اطمأن، بل وخطر له فى فترة طال فيها انقطاع الوحى- أن الله تعالى قد ودّعه وقلاه وأعرض عنه، ثم تلقى الطمأنينة من وحى ربه ومن وحى قلبه، فصدع بما أُمِرَ، وتابع دعوته بكل ما أوتى من الهداية والعزم على النحو الذى رضيت به ضمائر الأنبياء وأصحاب الفطرة الدينية..
فلا عجب إذن أن يكون صاحب دعوة، وأن تتجه دعوته إلى حيث اتجهت.. وأن تبلغ فى وجهتها الغاية التى بلغت..
● ● ●
وقد كان نجاح الدعوة فى ذاته آية..
دعوة تعرض الذين لّبوها ودخلوا فى الدين الجديد، إلى سيوف المشركين ونصال رماحهم، بينما هم لا يعرضون أحدًا لسيوفهم، ويلقون عنتًا شديدًا فلا يصيبون أحدًا بعنت، وأُخْرِجُوا من ديارهم لياذاً بأنفسهم وأبنائهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ونكال المشركين، ولكنهم لم يخرجوا أحداً من داره أو يجبروه على ما أُجْبرُوا عليه !
إنهم لم يسلموا رهبة أو خوفاً، وإنما أسلموا عن اقتناع ومحبه، بل وأسلموا رغم ملاحقات العذاب وصليل سيوف المشركين ووعيدهم الذى امتزج بالإرهاب والتعذيب!
اضطروا لخوض حروب، ولكنها كانت للدفاع لا للهجوم.
لم يكن إيمانهم سعيًا وأملاً للذّات النعيم والحور العين، فلو كان هذا هو الأمل لكان الأحرى بالجرى وراءه- من عاندوا من طواغيت قريش ومشركيها من طلاّب اللذة والنعيم.
وإنما كان إيمانهم إيمانًا بالواحد الأحد، وخضوعاً لربوبيته، وعن رغبةٍ صادقة فى إتباع هديه والتزام أوامره والبعد عن نواهيه.
● ● ●
لم يكن أبو لهب أزهد فى اللذه من عمر.
وإنما كان الفارق فارقاً بين أخيار و أشرار، وبين رحماء منصفين ومعاندين متصلفين مستكبرين.. بين من يصغون فيعقلون الحق، ومن يستكبرون فلا يصغون إلى قول، وكأن فى آذانهم وقر..
ذلك هو الفارق الواضح بين من سبقوا واهتدوا، وبين من تخلفوا وعاندوا !
كان تصديق وإيمان عمر، صورة مجسدة لهذا الفارق.. الفارق بين من يهتدى إذا أصغى وعقل، وبين من أبى أن يعقل ويهتدى.. لأنه عاند وأبى أن يصغى وأغلق دون الهداية أبواب عقله وفهمه وإداركه.
(يتبع)

Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:54 ص, الأثنين, 18 أبريل 16