أطلق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء فعاليات الجلسة الخامسة للمنتدى الفكري للمركز؛ لمناقشة دور القطاع المالي في دعم النمو الاقتصادي بمصر، وذلك من خلال مشاركة افتراضية لكل من الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والدكتور محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، وبحضور نخبة من الأكاديميين والنواب وممثلي البنك المركزي المصري.
فى مُستهل الجلسة، تم استعراض عرض تقديمي حول وضع الأسواق العالمية في ظل المتغيرات المالية الحالية، ومؤشرات القطاع المالي عالميًا في ظل استمرار سياسات التشديد النقدي، إضافة إلى آفاق القطاع المالي والمصرفي في مصر، ومؤشرات أداء البورصة المصرية، وذلك في ضوء التحديات العالمية. إلى جانب عرض التوقعات المستقبلية للقطاع المالي في مصر.
وأكد أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أهمية جلسات المنتدى الفكري لمركز المعلومات، الذي يُعقد دوريًّا للاستماع إلى الخبراء والمفكرين بمختلف الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أهمية دور القطاع المالي في دعم النمو الاقتصادي في مصر، بما يتطلب بحث مدى تأثير الأزمات التي طالت عددًا من البنوك العالمية؛ مثل أزمة بنك “سيليكون فالي” الأمريكي وغيره، وما إذا كانت تمثل ظاهرة قابلة للانتشار أم تعبِّر عن ظواهر أحادية، وضرورة بحث الأدوات السريعة المطلوبة لضمان استقرار البيئة التنظيمية والرقابية للأنظمة المالية.
ولفت الدكتور محمود محيي الدين، إلى أهمية استمرار إصلاح وتطوير القطاع المالي، بشقيه المصرفي وغير المصرفي، ودعم دوره في تعبئة المدخرات وتوجيه الاستثمار والائتمان، قائلا أن هناك ضرورة لتعزيز الائتمان الممنوح للقطاع الخاص، ومضاعفة إسهامات القطاع المالي في تمويل الاستثمارات الخاصة، بجانب تحديد أوجه ضخ الزيادة المطلوبة في الاستثمارات العامة.
وأضاف المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، أن دور القطاع المصرفي يكتسب أهمية كبرى مع استحداث آليات الشمول المالي، مؤكدا ضرورة أن يمتد أثرها من مجالات الدفع الإلكتروني إلى الائتمان، وأهمية عمل مسح شامل لمدى تمتع القطاع المالي بمؤشرات الصحة الواجبة على المديين القصير والمتوسط، وتقييم جهوده في تحقيق مؤشرات التنمية المالية.
ولفت إلى وجود دراسة صادرة في فبراير 2022 حول سبل تمويل التنمية في مصر بالتعاون بين جامعة الدول العربية وعدد من الجهات الحكومية وصندوق النقد الدولي، حول سبل دعم القطاع المالي غير المصرفي، ودور القطاع غير الرسمي في منح الائتمان، وإسهام القطاع المالي في تمويل التنمية المستدامة، في إطار دور القطاع الخاص لتقليل الفجوة المالية.
وأضاف “محيي الدين”، أنه ينبغي وضع تصور للسياسة التمويلية وأوضاع القطاع المالي، خاصة في ضوء المتغيرات الجديدة لمؤشر الاستدامة والتحول الرقمي، بما يضمن دخول خريطة المنافسة الإقليمية والدولية، ونبّه إلى أن الأزمات العالمية يجب ألا تشغلنا عن أمور لا تقل أهمية؛ منها تطورات القطاع المالي في مصر، ودوره في تعبئة المدخرات وتمويل الاستثمارات ومدى إسهامه في زيادة دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي في النمو الاقتصادي.
وعلى الصعيد ذاته، شدد الدكتور محمد فريد على أهمية دور القطاع المالي في تعبئة المدخرات، التي أكد أنها تعرضت لصدمات عديدة بسبب الأزمات العالمية حاليًا، بما يتطلب دعم أنشطة التأمين وغيرها من الأنشطة المالية غير المصرفية، خاصة في ظل الرغبة لرفع التمويلات المتاحة للقطاع الخاص بما يتناسب مع مستهدفات النمو.
وتابع رئيس هيئة الرقابة المالية، أن تحقيق مستهدفات النمو يتطلب وجود معدلات ادخارية تتيح وجود تمويلات مستدامة توازي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكد على ضرورة وجود آليات استثمارية مختلفة لسد الفجوة التمويلية.
واستعرض عددا من المقترحات المطلوبة لتعزيز تمويلات القطاع الخاص، من خلال استحداث صناديق استثمارية جديدة سواء في صورة ملكية للأسهم أو سلع، وإعادة صياغة المعاملات الضريبية لصناديق الاستثمار، ورفع معدلات الشمول المالي، وزيادة جهود الرقمنة المالية.
وكشف عن قرب إطلاق قواعد تنظيمية جديدة لإطلاق منظومة “العقود الإلكترونية”، تتيح التعرف على العميل أو المستثمر إلكترونيًا وملاءته المالية وتمكينه من إتمام العقد إلكترونيًا، مضيفًا أن ذلك الأمر سيسهم في تعبئة المزيد من المدخرات التمويلية.
واقترح شريف سامي، الخبير المالي والرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، عددًا من الإجراءات لدعم دور القطاع المالي في مصر، تشمل تشجيع القطاع التعاوني وتوحيد جهاته الرقابية بما يُسهم بشكل كبير في رفع مستوى التمويل الصغير ومتناهي الصغر، إلى جانب تنويع السياسات التمويلية، وتشجيع تمويل المشروعات بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة، من خلال أدوات مختلفة كطرح الأسهم أو التأجير التمويلي أو من خلال ما يعرف بــ “سندات الإيراد”.
ولفت سامي، إلى أهمية الخطوة الحكومية بطرح وثيقة ملكية الدولة بهدف توسيع قاعدة الملكية وطرح أسهم للشركات العامة، مُطالبًا بضرورة إعادة النظر في الأصول المملوكة لهيئة الأوقاف المصرية ومدخرات هيئة البريد المصري، وإعادة إدارة عوائدها بما يحقق التنمية المطلوبة.
بالإضافة إلى المضي قدمًا في أنظمة التوقيع الإلكتروني، خاصة بالنسبة للمصريين في الخارج، بما يُساهم في زيادة توجيه مدخراتهم في الصناديق الاستثمارية المختلفة، مشددًا على ضرورة البدء في خطوات متكاملة لتسجيل العقارات كخطوة ضرورية لتطوير التمويل العقاري.
وأكدت الدكتورة نجوى سمك، رئيس قسم الاقتصاد ووكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة المستقبل، أن الوصول بمعدلات الادخار إلى المستويات العالمية، والتي تبلغ أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول الآسيوية، يتطلب زيادة مستويات الدخل بما يفوق حدود الاستهلاك.
وطالبت بتوجيه الأنظمة التعاونية لدعم الممارسات الادخارية لدى أصحاب الدخول البسيطة كوسيلة لتحقيق مستهدفات التنمية، مُضيفة أن القطاع الخاص أصبح يواجه تحديات كثيرة بسبب سياسات التشديد النقدي بعد رفع أسعار الفائدة، بما يتطلب بحث إمكانية الاستفادة من القطاع المالي غير المصرفي مع حل المشكلات المتعلقة بالتمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر.
وذكر الدكتور أحمد سحلول، وكيل محافظ البنك المركزي المصري، أن استقرار النظام المالي يعني استمرار دوره في الوساطة المالية حتى لو تعرض لصدمات داخلية أو خارجية.
وتابع أن النظام المصرفي المصري نجح في تحقيق الاستقرار المالي منذ الأزمة العالمية في 2008 حتى جائحة “كورونا” في 2020؛ حيث يمثل القطاع المصرفي 90% من أصول النظام المالي، بقاعدة مستقرة من الودائع بنسبة 77% من الأصول الممولة من القطاع العائلي بما يضمن الاستقرار للنظام المالي.
وأكد وكيل محافظ البنك المركزي، استقرار النظام المالي المصرفي المصري؛ نظرًا لاستقرار قاعدته التمويلية المعتمدة على القطاع العائلي، على عكس ما حدث في أزمة بنك “سيليكون فالي” الأمريكي، مشيرًا إلى تسجيل 22% زيادة في عوائد القطاع المصرفي سنويًا السنوات العشر الأخيرة، خاصةً مع زيادة تطور البنية التحتية المصرية الفترة الماضية، والذي كان بمثابة عنصر أساسي لجذب الاستثمار الأجنبي إلى مصر.
وأضاف الدكتور أحمد سحلول، أن تشديد السياسة النقدية بالدول الكبرى على حساب إكمال خطط التعافي الاقتصادي بعد الجائحة أدى إلى رفع تكلفة الاقتراض بالدول الناشئة وخروج رؤوس الأموال وارتفاع معدلات التضخم.
وقال أن استمرار سياسات خفض الواردات ودعم القطاع السياحي والاستثماري يسهمان في دعم النظام المالي المحلي، لا سيما بعد انخفاض عجز الميزان التجاري خلال النصف الثاني من عام 2022 بنحو 6 مليارات دولار مع تراجُع الواردات غير البترولية.
وفي السياق نفسه، أكد النائب أحمد زكريا، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، ضرورة زيادة حجم القطاع المالي غير المصرفي إلى الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة الدور التوعوي للجماهير بدور الأنشطة التأمينية، ووضع البنك المركزي محفزات جديدة لدعم الشمول المالي من خلال طرق مبتكرة للوصول بالخدمات الائتمانية لأكبر شريحة جماهيرية ممكنة.
وقال الدكتور محمد زكي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ومستشار وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إن تراجع معدلات الادخار القومي يمثل تحديًا أمام النمو والاستثمار، وطالب بمعالجة أوجه الخلل في الطلب الاستثماري للقطاع الخاص، والعمل على زيادة استثمارات القطاع الخاص إلى 65% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ونبّه إلى أهمية معالجة التحديات التي تتعلق برفع سعر الفائدة لإطلاق تمويلات القطاع الخاص، من خلال العمل على حل المشكلات الإنتاجية والتصديرية وزيادة عوائد السياحة ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإيجاد سعر صرف مرن، بما ينعكس على خفض المشكلات التضخمية.
جديرُ بالذِكر أن أولى جلسات المنتدى الفكري لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، انطلقت في ديسمبر الماضي، كملتقى يجمع مختلف الخبراء والمتخصصين في جميع المجالات، لصياغة الرؤى والأفكار في القضايا والمجالات ذات الأولوية لمتخذ القرار؛ حيث تطرقت الجلسات السابقة إلى “جهود تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية في مصر.. ومزيج السياسات الأمثل”، و”بيئة الاستثمار بين الواقع والمأمول”، و”سُبل وآليات دعم الزراعة المستدامة في مصر بما يتماشى مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء”، و”التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية”.