فى محاضرة ألقاها من اثنتى عشرة سنة ـ روان ويليامز كبير أساقفة كانتربرى ، نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية « بى. بى. سى » ، لم يزد فيهـا على الإشارة إلى أن الإفساح لبعض أوجه فى بريطانيا « أمر لا مفر منه » ، وأنه يحسن بالبريطانيين أن يتعاملوا مع الشريعة الإسلامية بذهن منفتح ، قاصرا دعوته على المسائل المتعلقة بالزواج والطلاق والمسائل المالية. ومـع هـذا ، فلم يكد رئيس الأساقفة يبدى دعوته بالغة الاعتدال والموضوعية ، حتى قامت الدنيا فى بريطانيا ولم تقعد ، وبرغم توضيحاته وتأكيده على موقعه على الإنترنت أنه لم يقترح أبدا إيجاد نظام قانونى إسلامى موازٍ للقوانين البريطانية ، وأنه استهدف بدعوته تخفيف بعض المشكلات الواسعة المحيطة بحقوق الجماعات الدينية التى تعيش داخل دولة علمانية ، وهو ما سبقت إليه مصر من قرن من الزمان بالنسبة للأحوال الشخصية لغير المسلمين ، إلاّ أن هوجة الاحتجاجات والانتقادات البريطانية العنيفة على دعوة رئيس أساقفة كانتربرى لم تهدأ فى بلاد الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان ، وألصقها ما تعلق بأحواله الشخصية من زواج وطلاق وميراث ، وتأججت موجة هذه الاحتجاجات العنيفة وسط الحكومة البريطانية ، وشارك فيها وزير الثقافة ووزيرة الداخلية ، ودخل الحلبة زعيم حزب المحافظين المعارض ، وبعض الوزراء السابقين ، والمدير الوطنى لجماعة الصوت المسيحى ، وهدد الإنجيليون الأستراليون بشن حرب على دعوة كبير أساقفة كانتربرى الذى لم يحمه موقعه الكنسى الكبير من دخول بعض رجال الكنيسة إلى حلبة الاحتجاج والنكير عليه ، بينما طالب ممثل حزب الاستقلال البريطانى فى عضوية برلمان الاتحاد الأوربى صاحب الحملة الأخيرة على حقوق الإنسان فى مصر ـ طالب باستقالة الدكتور روان ويليامز رئيس الأساقفة من منصبه ، متهمـا إياه بأنه « لا يفقه مهمته » « وغير جدير بمنصبه كبيرا لأساقفـة كانتربرى ، ولا يستحق ـ هكذا ! ـ أن يكون عضوا فى مجلس اللوردات البريطانى ».. بلغت الاحتجاجات والانتقادات البريطانية حداً من التطرف والعنف أدخل كبير الأساقفة فى حالة صدمة عبر فيها عن دهشته الشديدة جدا لردود الأفعال المعادية التى أعقبت دعوته ، وعن استيائه الشديد من « التفاسير الهستيرية » لدعوته التى لم تستهدف سوى تشجيع ورعاية التلاحم الاجتماعى بضرورة إعطاء مسلمى بريطانيا البالغ عددهم 7ر1 مليون مسلم ، حرية اختيار التعامل فى المسائل المدنية ، مثل قضايا الزواج والطلاق أو المسائل المالية ، بموجب إجـراءات وفق الشريعة الإسلامية أو وفق النظام القانونى الحالى ، فلا ينبغى أن يكون المسلمون مضطرين للاختيار بين بدائل قاسية بين الولاء الثقافى للمعتقد الدينى أو للدولة التى يعيشون فيها !
مـا ثار عليه البريطانيون المتشحـون بحقوق الإنسان ، مأخوذ به فى مصر المتهمة بالطائفية من قرابة قرن من الزمان فى كل ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين.. يحتكمون برغم الغالبية الإسلامية ـ لقوانين شريعتهم ، وأقر النظام القانونى فى مصر ، وأيدت محكمة النقض ، وجوب تطبيق لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس الصادرة عن بطريركية الأقباط الأرثوذكس وأقرها المجلس الملى العام بجلسته فى بشنس سنة 1654 ( قبطية ) الموافق 9 مايو 1938 م.. لم تجد مصر الإسلامية بأسًا من معاملة غير المسلمين بمقتضى شريعتهم فى الزواج وما يتعلق به ، وفى الطلاق ، وفى المهر والجهاز ، وفى ثبوت النسب ، وفيما يجب على الوالد لوالديه وما يجب له عليهما ، وفى النفقات ، والولاية الشرعية ، وفى الغيبة ، والهبة ، والوصية ، وفى الميراث. لم يهب أحد من أبناء الإسلام المتهم بالعنف والتطرف للاعتراض على ما تعارفت عليه مصر من عشرات السنين وإقرارها تطبيق تشريعات الأحوال الشخصية لغير المسلمين. أين هوجة الاحتجاجات البريطانية العنيفة من هـذا التسامح المصرى والإسلامى الذى عاش به النسيج المصرى رغم كل أعاصير الدس وافتعال ما يثير الاحتقان ؟ !
www. ragai2009.com