تُقارب 2021 الرحيل، وسباق هدم الدول منتظر صفارة القدر؟ الصين وتايوان/ روسيا وأوكرانيا/ إسرائيل وايران/ الخليج بين قوسين/ فرفرة لبنان/ العراق وكردستان/ تسونامى إندونيسيا/ اختناق اقتصاد تركيا/ تخويخ سد النهضة/ الجزائر والمغرب/ المناخ وامريكا/ الصين وروسيا امام أمريكا وأوروبا.. ومع تنوع توقعات الهدم هناك بين الحرب التقليدية والطبيعة، تستعيد هنا مصر فرعونيتها، وتكمل العاصمة الإدارية ومشاريع التنمية، وتقفز بجيشها عالميا، فهل نجا شعبها من الهدم أم له فيه نصيب آخر؟
الحديث المستمر ببناء وتنمية الدولة، يلزمه مقابلة استيعابنا لمحاولات هدمها بفن! المقابلة ستكشف إما تتريسنا بطموح يجفف زقازيقنا، او افتراسنا بفنون هدم تنخر نهضتنا! المحاولة يلزمها فهمنا لاستراتيجية استغلال الخدمات والمنتجات المسموحة وتحويلهم لأدوات هدم ممنوعة، تفتت تدريجيا ما تم ويتم ومستهدف، مثل؛ وسائل التواصل الاجتماعى، الفن والترفيه، تكنولوجيا الاتصالات، الإعلام، الفضائيات، خطط التطوير، احترام الأديان والمرجعيات، منظمات المجتمع المدنى إلخ.. ولكن كيف نستوعب تحول المسموحات اليومية لمُهدمات لحـظية؟
تطورت فنون ومنهجيات هدم الدول من الحديد والنار، للفكر والهواء! فمسّت مفهوم اقتصاديات الحرب ومدتها والنصر فيها، والأهم تحديد العدو؟ فهناك العدو المباشر المُعلن، وغير المباشر المنتظر، والحليف المستفيد من إضعافنا، والصديق متطور المصالح مع عدو غير مباشر، والجار الموعود على حسابنا، والغريب الطامع بفرصة، والمنافس الحريص على تعييبنا لإنقاذ قصوره.
هؤلاء الأعدقاء (أعداء/ أصدقاء) يحترفون بالقصد أو التبعية، فن هدم الدولة بأشكال مختلفة، جمعتها تطورات حروب الجيل الرابع، تذويب القوة الناعمة، شرعنة الفساد والرشوة، ترقية الطابور الخامس داخليا وخارجيا، تهشيش الفواصل بين الحرب والسياسة، والعسكريين والمدنيين، لإنتاج ضباب يخفى فنون الهدم، ويخلق لدى الشعب حالة عشوائية وذبول وحيرة، تجّرف استقرار وتنمية الدولة، بتصويرها فاشلة وفاسدة ومُحزبة، لاستحداث واقع جديد يراعى و/أو يحقق مصالح الأعدقاء!
غالبا ما نحصر المؤامرة برصدنا المنتجات والخدمات الممنوعة والمحرمة علنا، للزعم بسيطرتنا عليها، كالحرب ضد الإرهاب والمخدرات وتجارة السلاح والأعضاء البشرية والدعارة والرشوة.. الحقيقة هذا الحصر قاصر وموجه ومتلاعب به، لنبتلع طُعم تنكر فنون الهدم الممنوعة، بشكل الخدمات والمنتجات المسموحة!
لشرح الفكرة؛ نلاحظ تحول السوشيال ميديا المسموحة لمنصات شائعات ممنهجة، كمادة خام لميلاد وتضخيم الفتن والحرب النفسية والتشكيك بالدولة! تحول الموبايل بالتطبيقات الذكية من أداة تواصل، لأداة إشعال وتداول الفتاوى المدسوسة والشائعات، والدعارة المقنعة ومشروعات النصب، وتجنيد مستخدميه لطابور خامس مُغيب! تحول أنواع من الفن لمهرجانات تسوق للتحرش والبلطجة وانحطاط اللغة، والدراما للبطل الفوضوى والترويج غير المباشر للقوة والمخدرات والتفكك الأسرى وتسهيل العلاقات الخارجة لصعوبة الزواج، وتحويل بعض الإعلام لمنصة مصالح وتلميع توافه وطمس الثقافة وبوق للقطيع! وتحول تنفيذ بعض خطط التنمية، لعشوائية مخططة تغتال الخضار والتراث والتاريخ، إما لإهمال او خطأ او تسرع دراسة! بل وتنكر الأعدقاء بمبادرات سلام وتعايش ببعض منظمات المجتمع المدنى، لإطلاق وتصعيد معارضين وتضخيمهم أدبيا، لتمرير انماطهم للشعب، لمحاولة تكرارهم بعشوائية! بخلاف تحوير حق احترام الأديان والعقيدة، لجرائم ازدراء وسجن حرية الفكر والعقيدة! وتبديل تجارب تطوير التعليم، لتجريب فى تجريف المُعلمين واستيعاب المتعلمين وموارد الأهل !
لإدراك خطورة فن هدم ذاكرة الدولة خلال 30 سنة تقريبا، يكفى تذكر مذبحة بيع نيجاتيف الأفلام المصرية – تمتلك مصر منه 250 فيلما فقط من 4500! – بدأ بالمزاد العلنى لبيع 1000 فيلم إنتاج الأربعينات والخمسينات، عقب تأميم السينما، ثم سقطة التلفزيون المصرى بنظام (احتكار) الفيلم 99 سنة من الورثة، ليبطل القضاء النظام وينقصه لـ 49 فقط، وتظهر بعدها الموجة الأولى، باستحواذ شركة سانيلاند القبرصية لزخم من نيجاتيف التراث السينمائى، حتى 1993 بظهور ART المالك الأصلى لسانيلاند و2000 فيلم، لاحتكار عرض الأفلام المصرية ولبعض الأغراض الشخصية، فمنعت عرض أفلام عماشة فى الأدغال رغم توثيقه لعملية الحفار المخابراتية الشهيرة، وخالد بن الوليد وبلال مؤذن الرسول! حتى باعت بعض الحزمة لقنوات أوربت وآخر لروتانا! لتأتى الموجة الثانية باستحواذ فنون عام 2000 لنيجاتيف أفلام كثيرة بعضها من ورثة، وشركات قطاع عام، وشركات خاصة أفلست، لتبيع فنون لاحقا 850 نيجاتيف لروتانا، بحصيلة ألف وثلاثمائة فيلم تقريبًا، لتشترى روتانا لاحقا 11 ألف دقيقة من حفلات أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، بـ 10 $ الدقيقة الواحدة وبمدة استغلال مفتوحة (حقيقتها 600-1000$ بلائحة أسعار التلفزيون) لتكتمل الملاحظة 2010 بمشاركة روبرت مردوخ مالك نيوز كورب بمجموعة روتانا بـ %14.53!.. بل طال فن الهدم الصوت المصرى، بعروض الاحتكار الخرافية لمشاهير المغنين لتجميدهم سنوات طويلة، لإطلاق الأصوات العربية والخليجية، لتدجين آذان أكبر مستمع عربى عليهم، ريثما يتمهرج جيل المسخ الغنائى الجديد، بحسبة منضبطة وصلت لتكريم الاعتباط الفنى.
مجرد تتبع هدم السينما المصرية، يجعلنا ندرك معنى تدمير القوة الناعمة، وحرمان أجيالنا والقادمة من التراث السينمائى، للتعلم معرفيا سلوكيات اللياقة والأناقة والقيم واللغة والرجولة والوطن والدين إلخ، ليحل محلها المرحلة السبكية والأسطورة وجمهورية إمبابة واللمبى والباحثات عن الحرية وبوبس ويانا يا خالتى إلخ، لتتحول السينما والمهرجانات والرقص تدريجيا (لاقتصاد أسود) ينضم للمخدرات والدعارة والبلطجة، لهدم وعى شباب مفترض انضمامه عند الحاجة للتصدى لسد النهضة، أو إكمال مراحل ما بعد العاصمة الجديدة، أو تطعيم إدارات الدولة أو القضاء أو وزارة الخارجية إلخ.
يقول أحد المستشرقين: (لهدم أمّة فهناك 3 وسائل (أضفت لها2): اهدم الأسرة والتعليم وأسقط القدوات وأفسد الإعلام والفن)، اهدم الأسرة بتغييب دور الأم واحتقارها لصفة ربة بيت/ اهدم التعليم بقتل المعلم معنويا وماليا حتى يحتقره طلابه واستبدله بجهاز لا تسيطر عليه/ اهدم القدوات بتجريح العلماء والمفكرين وارعبهم من التجديد والتفكير/ اهدم الإعلام بتسخيره بالمصالح وتصعيد الأنصاف وإخفاء الكفاءات ونقص المعلومات/ اهدم الفن بإخفاء التراث ودعم القبيح وترفيع الفشلة وبروزة السواد! فإذا اختفت الأم الواعية والمعلم القدير وسقطت القدوة وفسد الإعلام وتبجح الفن.. ثمل الوعى الجمعى بالتخريب، حتى تستيقظ الدولة المستهدفة بالنهاية وهى تحتضر بلا رصاص أو طبيعة!
خطورة فن هدم الدول هى احتراف تنكر فنون الهدم الممنوعة، فى شكل الخدمات والمنتجات المسموحة! ولعل فى عمرنا بقية للإفاقة!