فلسفة سياسية لحرب أكثر من باردة 2/2

9:51 ص, الأحد, 4 مارس 18

جريدة المال

المال - خاص

9:51 ص, الأحد, 4 مارس 18

يشتد فى السنوات الأخيرة صقيع الحرب الباردة عما كانت عليه جولتها الأولى 1945 بين معسكرين أيديولوجيين متناقضين حتى 1991 – ولهدنة تالية قرابة خمسة عشر عاماً- قبل استئنافها مجدداً بين قيم ديمقراطية مختلفة.. يتسابق طرفاها «المنفتحان اقتصادياً» لنشر نموذجه القيمى الليبرالى- تأكيداً لنفوذه الدولى- ربما لأبعد من استخدامهما «قلق الأيديولوجيا» فى الحقبة المنصرمة من تنافسهما، إذ يعانيان أكثر من ذى قبل بتراجع هيبتهما.. سواء لارتباك أوضاعهما الداخلية أو لتعاظم الوعى الإنسانى العالمى، خاصة فى المستعمرات السابقة، ما يجعل الجولة الثانية من الحرب الباردة بدءًا من عشريات القرن الحالى- أكثر تعقيداً- بخصوص تقاسم النفوذ بين الكبار حول العالم.. وفى إطار بدايات التحول فى النظام الدولى نحو وضعية قطبية تختلف عن تلك التى كانت فى القرن الماضى، إذ باتت القطبية التنافسية الحالية تنحصر بين نظام «ليبرالي» يتداعى بعد مئات السنين على تطبيقه.. وبين نظام «لا ليبرالي» تتعاظم حظوته فى أقاليم العالم المختلفة، وبالتوازى مع مشارف انزلاق الطرفين المتناظرين إلى مزالق خطرة نتيجة الانشقاق بين مصالح القوى الكبرى- الواقعة بين مفترق طرق- إما باتجاهها (روسيا والولايات المتحدة والصين) نحو التصعيد المستمر إلى ما بعد «الخط الأحمر».. وإما فى البدء بحثاً عن حلول مشتركة على نحو انفراجهم العام فى الربع الأخير من القرن العشرين، لكن على أسس متوازنة جديدة تراعى عدم تجاوز المصالح الحيوية المشروعة لمختلف الأطراف المعنية، الأمر الذى من المرجح أن يكون خصماً من رصيد دول الإطار الجنوبى ما لم تسارع هذه الدول- حفاظاً على أمنها القومى- فى معالجة ما يسمى «الديمقراطية المناهضة لليبرالية»، خاصة فى ثوبها المستحدث العابرة للحدود والأوطان، ذلك على غرار الحاصل- مثالاً مع الفارق- فى روسيا والصين وأذربيجان والمجر وإيران وتركيا، إلخ.. فى مواجهة النظم الليبرالية المعمول بها فى الغرب على سبيل المثال، ما قد يعنى بشكل أو آخر حرباً باردة بعيار مختلف عما كان يحوطها فى السابق من تنافس أيديولوجى بين الرأسمالية والشيوعية، إذ ترتقى من بعد إلى أدوات أوسع حيلة نحو تقاسم النفوذ من خلال خوض حروب استخباراتية وأخرى بالوكالة عبر فرق مختلف على الأرض.

على صعيد مواز، كان من اللافت فى السنوات الأخيرة- حتى فى غرب أوروبا- انحسار التأييد «للديمقراطية النيابية» لصالح «الديمقراطية المباشرة» التى بات يؤيدها قطاعات واسعة من المواطنين.. ومن جميع الحركات والأحزاب الشعبوية أو الواحدية بسيان، بحيث تراجعت الديمقراطية الليبرالية التى بشر بانتصارها «فوكاياما» منتصف التسعينيات (نهاية التاريخ).. ولتدخل اليوم لمرحلة الانحسار.. ما يشير إلى بدايات تحول فى النظام الدولى المقبل، يستبقه- مثالاً- التعديلات الدستورية الرئاسية فى الصين.. كما فى الانتخابات الرئاسية للتجديد للرئيس الروسى الذى يستبق المتغيرات الدولية فى رده، أول مارس الحالى، على التلويح النووى الأميركي.. بإطلاق سباق تسلح بين الكرملين وواشنطن.. يتحدى به أميركا تقليديا ونووياً، ذلك فيما تعتبر الساحة السورية (وغيرها فى أوكرانيا.. إلخ) مسارح عمليات للمواجهة العسكرية بينهما.. وإلى أن يعيد المعسكران المتناظران التفكير من جديد للعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث ومناقشة المقتضيات والقواعد الوازنة للفلسفة السياسية المساعدة لإطفاء صقيع حرب أكثر من باردة.

جريدة المال

المال - خاص

9:51 ص, الأحد, 4 مارس 18