تمثل الانتخابات التمهيدية الجارية الآن داخل الحزب الجمهورى الفرنسى «يمين وسط».. رمانة الميزان لما سوف تسفر عن اختيار مرشحه فى السباق الرئاسى مايو المقبل.. من حيث تعبئة المنافسة الحادة بينه وبين مرشح كل من اليسار واليمين المتطرف، ذلك من بعد أن خرج من الدورة الأولى الرئيس السابق «نيكولاى ساركوزى» 2007 – 2012، وهى الحقبة التى أبدى الناخبون رفضهم آنئذ امتدادها لولاية ثانية، ولتدور المنافسة الحزبية من ثم بين رئيسى الحكومة السابقين.. حيث حصل «آلن جوبيه».. الحداثة اليمينية- على نحو %22 مقابل تفوق «فرانسوا فيون»- المتقشف العنيف- بفارق كبير يصل إلى %44، فإذا ما صدقت التوقعات المحتملة حتى الآن عن فوز «فيون» الرئاسى.. لأمكن القول إن فرنسا قد تشهد مع هذا المحامى الملقب بـ«الديجولى الاشتراكى» توجهًا مغايرًا لسياستها الخارجية فى الشرق الأوسط، إذ يطالب- وفق قوله- «بإعادة توازن الدبلوماسية التى هى أساس الظاهرة الأصولية (المتطرفة) فى الإسلام، سواء بمساعدة المسلمين على مكافحة التطرف- فى مصر أو بالنسبة للجالية المسلمة فى فرنسا- كذا فيما يتصل بمراجعة علاقات فرنسا مع السعودية والخليج فى هذا الشأن، أو سواء من حيث حماية مسيحيى الشرق، كما يعتزم- فيون- إعادة فتح سفارة بلاده فى دمشق- إلى تفعيل قنوات الاتصال مع الرئيس السورى، وفى التقارب مع إيران، أما على المستوى الدولى فإن لديه علاقة وثيقة مع الرئيس الروسى، ما قد يعنى الاتجاه للأخذ بسياسة متوازنة ومستقلة عن نظام «القوة الأميركى»، وما إلى ذلك، عملاً فيما يبدو بمقولة الجنرال «ديجول» بأن «السياسة أمر أكثر خطورة من أن يترك للسياسيين»، وأما بالنسبة للسياسة الداخلية فإن برنامج «فيون» الاجتماعى (..) يجذب اشتراكيين للانظمام إليه والتصويت لخياراته.. ربما من واقع وعيهم بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية مستحقة منذ عقود.
إلى ذلك سوف يدخل «فيون» المرجح فوزه فى الدورة الحزبية الثانية- اليوم 11/27 – فى منافسة حادة مع كل من مرشح اليسار ؟؟ وزعيمة اليمين المتطرف «مارى لوبين» التى تطرح شعارات شعبوية تقربها من الناخبين نظراً للتداعيات الناتجة عن الحوادث الإرهابية منذ 2015، مما يجعل من الصعب على أى مرشح من اليمين الجمهورى إلحاق الهزيمة بها، ما يجعل المعركة الرئاسية تدور- حسب المراقبين- ما بين «الإصلاح الجذرى» (فيون).. وبين «الأمن الجذرى» (لوبين).. وأياً ما سوف يشغل «قصر الإليزيه» فإن هناك تغييراً فى سياسة فرنسا الخارجية، من دون أن يعنى ذلك وقوع انقلاب يؤدى بها إلى التخلى عن قيم الثورة الفرنسية التى صدرتها للبشرية، ولما يتفق مع أرشيفها فى المنطقة.. غير البعيد عن سياساتها منذ مشارف القرن 19 (الحملة الفرنسية- محمد على وخلفاؤه- الحضور الثقافى رغم الاحتلال البريطانى- سايكس/ بيكو 1916 لرسم حدود دول الستار الإسلامى من المغرب حتى عمان…)، وإذ برغم تدهور مكانتها عقب الحرب العالمية الثانية.. من قوة عظمى إلى دولة ذات مرتبة ثانية.. فإن توثبها للمرتبة الأولى العظمى وللقوة لم يتغير- كأحد ثوابت سياستها الخارجية- ومعضلتها فى آن، سواء باستئنافها من خلال مسالك خفية على النحو المشهود فى خمسينيات القرن الماضى، أو لما أصبح عليه موقفها بعدئذ أكثر توازناً وتفهماً للمواقف المصرية والعربية، أى مع توقع عهد جديد فى علاقات فرنسا بالشرق الأوسط- تحديداً- فإنها ستظل على ثوابتها القديمة- الحديثة.. سواء تحت حكم «الشعبويين» أو «الديجولى الاشتراكى».