يعتبر قطاع البترول واحدًا من أكبر وأهم القطاعات الاقتصادية التى يُعول عليها لتحقيق مستهدفات التنمية، وتوفير كامل احتياجات السوق المحلية من الوقود، وزيادة العوائد من العملة الصعبة عبر تصدير منتجاته لدول العالم.
ويضم قطاع البترول عدة مجالات متنوعة، أبرزها البتروكيماويات، والتكرير، والتعدين، ومشروعات البحث والتنقيب عن الخام والغاز الطبيعى وغيرها.
وتتنافس البنوك المحلية والعالمية على تمويل مشروعات قطاع البترول والشركات العاملة به، سواء التابعة للحكومة أو للقطاع الخاص، لا سيما مع ارتفاع جدواها الاقتصادية واحتياج السوقين المحلية والعالمية لإنتاجها.
بداية، أكد المهندس أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية سابقًا، أن علاقة البنوك بقطاع البترول «المال والطاقة» تُمثل جوهر الاقتصاد، موضحًا أن عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب تتطلب استثمارات ضخمة، وتلجأ البنوك إلى قطاع الطاقة لتشغيل أموالها، خاصة أنه من أكثر القطاعات ذات المكاسب المضمونة، والتعامل داخله يتم مع شركات كبيرة ذات سمعة معروفة وعباءة مالية مميزة.
وقال «كمال» إن أى بنك وطنى أو أجنبى يبحث دائمًا عن القطاع الذى يدعمه فى استغلال وتشغيل أمواله، وتحقيق عوائد مرتفعة ومضمونة وقيمة مضافة وإنتاج منتجات مطلوبة محليًا وعالميًا، وقطاع الطاقة يعتبر أول قطاع يأتى على رأس قائمة القطاعات المنتجة أمام البنوك.
وأضاف أن مجالات قطاع البترول والطاقة عديدة، فمجال البحث والتنقيب والاستكشاف على سبيل المثال يتم العمل فيه من خلال شركات أجنبية عملاقة، تقوم بالتعاون مع البنوك فى بلادها لاقتراض المبالغ الضخمة التى يتم إنفاقها داخل القطاع لاستكشاف وإنتاج الثروات البترولية فى مصر.
وتابع أن البنوك العالمية التى تمول تلك النوعية من المشروعات على يقين بحجم العوائد والإيرادات المتوقعة حال تحقيق اكتشافات بترولية تجارية، تضمن لهم سداد الشركات لتلك التمويلا، وكذلك مشروعات المعالجة والتقطير والتكرير التى تتسابق على تمويلها كل من البنوك المحلية والأجنبية، وهناك تجارب ناجحة للتحالفات التى تمت فى ذلك المجال، وحققت عوائد كبيرة للبلاد على صعيد تخفيض فاتورة استيراد المشتقات البترولية وزيادة إنتاجها محليًا.
ونوه أيضًا لمشروعات البتروكيماويات ذات القيمة المضافة والعوائد المجزية ومشروعات الطاقة المتجددة ذات الإنتاج المبيع مقدمًا.
وأكد «كمال» أن تحالف المال مع الطاقة يشكل الاقتصاد القومى، ليس فى مصر فقط بل فى العديد من دول الخليج وأمريكا والدول المنتجة بشكل عام.
وعلى صعيد متصل، أشار وزير البترول الأسبق إلى أن هناك مجالً واعدًا أمام البنوك، وفى انتظار المزيد من التوسع والنمو والتمويلات الفترة المقبلة،أإلا وهو مشروعات الطاقات المتجددة داخل قطاع البترول.
ولفت إلى أن قطاع البترول من أكثر القطاعات المستهلكة للكهرباء، وبدأ منذ سنوات التوسع فى استخدام الطاقة المتجددة بدلًا من الكهرباء المعتمدة فى توليدها على حرق الوقود.
وأوضح أن التجربة أثبتت نجاحها بمحطات تموين السيارات بالوقود، والتى لجأت إلى الألواح الشمسية وقت أزمة انقطاع الكهرباء منذ سنوات للاستمرار فى التشغيل، وتلبية احتياجات العملاء دون توقف، وكذلك تم تطبيقها بالحقول والامتيازات البترولية، موضحًا أن استخدام الطاقات المتجددة بدلًا من الكهرباء يوفر كميات كبيرة من الوقود الذى يتم حرقه.
وقال «كمال» إن توفير الوقود بدلًا من حرقه لتوليد الكهرباء، والتحول إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة داخل قطاع البترول سيحقق عوائد على كل الأصعدة.
وتابع كمال: سيتم توجيه تلك الكميات من الوقود لصناعة البتروكيماويات، والصناعات المرتبطة بها، على سبيل المثال، فضلًا عن أن ذلك سيوفر كميات وقود للسوق المحلية، ما يخفف من فاتورة الاستيراد، ويدعم مخطط تحقيق الاكتفاء الذاتى، كما أن ذلك سيحقق عوائد على الصعيد البيئى.
وأشار إلى أن مصر تمتلك إمكانات تميزها عن بقية دول العالم على صعيد توافر طاقات الشمس والرياح والمياه، ما ييسر تنفيذ تلك النوعية من المشروعات الفترة المقبلة.
وأوضح أن تلك المشروعات تُمثل فرصة واعدة أمام التمويلات البنكية الفترة القادمة، مضيفًا أن عدة شركات نفذت تلك المشروعات بالتعاون مع البنوك أو بتمويلات ذاتية وحققت نجاحًا كبيرًا.
وطالب «كمال» بالاستمرار والتوسع فى تلك النوعية من المشروعات، خاصة بحقول البترول.
وقال إنه بدلًا من حرق الغاز والبترول بالحقول لتوليد الكهرباء، تقوم الشركات بإنشاء منصات ومزارع شمسية لخدمة العمل والإنتاج وتوفير الوقود.
وأشار إلى ارتفاع عوائد وإيرادات تلك النوعية من المشروعات، ما يحفز البنوك، ويفتح شهيتها ويزيد اطمئنانها ناحية تمويلها.
وعلى صعيد متصل، أكد المهندس مدحت يوسف الاستشارى البترولى، رئيس شركتى موبكو وميدور سابقًا، أن مجال البتروكيماويات يعتبر أكثر المجالات بقطاع البترول المصرى التى تُمثل فرصة واعدة ومثمرة أمام التمويل البنكي، خاصة مع ارتباط مشروعات البتروكيماويات بالغاز الطبيعي، والمتوافر فى مصر بشكل واسع، سواء من الإنتاج المحلى أو من خلال إنتاج الدول الإقليمية المرتبطة بالتسهيلات المصرية.
وتعتبر صناعة الأسمدة النيتروجينية الأكثر رواجًا لارتباطها بنوعية الغاز المصرى دون الحاجة إلى تشبعه بالإيثان والبروبان، علاوة على نجاح معظم المشروعات التى ارتبطت بالنمط التشغيلى فى مصر، وتأتى على رأسهم شركة أبوقير الأسمدة وإليكس فيرت وحلوان والمصرية وموبكو .
وقال «يوسف» إننا نجد بسهولة توافر التمويل البنكى لمثل تلك المشروعات، وجاء أكبرها فى قرض مشروع توسعات شركة موبكو بدمياط، وبلغ قدره مليارًا وخمسين مليون دولار، وجاء بفائدة كبيرة نسبيًا بلغت %6 نتيجة المعارضة التى واجهت المشروع فى بدايته، والآن تحقق موبكو اقتصاديات مميزة للغاية.
أما فيما يخص مشروعات البتروكيماويات التى تعتمد على إنتاج البوليمرات مثل البولى إيثيلين والبروبلين والبولى ستيرين والبيوتادين وخلافة، فأكد «يوسف» أن تلك مشروعات حققت نجاحات كبيرة اعتمادًا على توافر التغذية من الإنتاج المحلي، مثل سيدبك وإيثيدكو وخلافه، وقامت مجموعات البنوك بتمويل معظم تلك المشروعات، باعتبارها مشروعات مرتفعة الجدوى الاقتصادية، إلا أن تلك المشروعات امتصت كل التغذية المتوافرة محليًا، وأصبح التوسع فيها يتطلب الاستيراد من الخارج.
وقال إنه من هنا تأتى أهمية التعاقدات طويلة الأجل ربطًا بأسعار المنتجات المصنعة، الأمر الذى يتطلب جهدًا كبيرًا فى التفاوض مع كبار المنتجين العالميين فى المواد الوسيطة، ومن هنا كانت فرص التمويل البنكية تعتمد فى المقام الأول على التعاقدات الخاصة بالتغذية حال استيرادها، كما حدث مؤخرًا للعديد من مشروعات القطاع الخاص التى تواجه صعوبات فى تدبير التمويل اللازم.
وأشار إلى أن المشروعات المعتمدة على التكامل مع صناعات البتروكيماويات القائمة كصناعات صغيرة تلبى احتياجات القطاعات الاستهلاكية المتعددة، مثل صناعة أجزاء السيارات والاحتياجات المنزلية والمكاتب، وحتى لعب الأطفال تعتبر صناعات جاذبة للاستثمار مع فرص جيدة للتمويل البنكي، لكنها تتطلب معرفة جيدة بالسوقين المحلية والخارجية.
وتعتبر جودة التصنيع هى الأساس لنجاح مثل تلك المشروعات التى يجب على الدولة إعطاؤها دفعة قوية، نظرًا لكونها ترتبط بالعمالة الكثيفة.
وقال إن مشروعات البتروكيماويات المعتمدة إنتاج الكيماويات التى حققت نجاحًا كبيرًا ممثلة فى إنتاج الأكيل بنزين الخطى بشركة إيلاب بالإسكندرية علاوة نجاح تصنيع الهكسان والبنزول والتلوين ربطا بمنتجات معامل التكرير والميثانول اعتمادًا على الغاز الطبيعي، فتلك أيضًا جاذبة للتمويل البنكى اعتمادًا على مدى حاجة السوق المحلية، واحتياجات الأسواق الخارجية مع الربط بتعاقدات طويلة الأجل وملزمة على أطراف التعاقد.
وقال «يوسف» إنه ما زالت مشروعات البحث والاستكشاف على النفط والغاز الطبيعى لم تأخذ وضعها الطبيعي، من حيث توافر تمويل بنكي؛ نظرًا لعامل المخاطرة الذى يصاحب هذا الاستثمار، والذى يحقق أرباحًا غير منظورة حال نجاحها .
بينما أكد مسئول رفيع المستوى بقطاع البترول أن القطاع يتسم بأهمية خاصة لدى الجهاز المصرفى، فى ظل احتياجاته التمويلية المستمرة، التى جعلته دائمًا محط أنظار البنوك المحلية والعالمية.
وقال إن البنك المركزى، وباقى البنوك العاملة بالسوق المحلية تتسابق على تمويل المشروعات البترولية، باعتبارها مشروعات قومية مرتفعة العوائد.
وأضاف المسئول لـ«المال» أن التعاون الملحوظ بين قطاع البترول والبنوك حقق ثمارًا إيجابية على مدار السنوات الماضية، على صعيد المجالات، سواء البحث والتنقيب والاستكشاف أو البتروكيماويات، أو التكرير أو التوسع فى نشر وتوصيل الغاز الطبيعى لمختلف القطاعات.
ولفت إلى أن إقبال البنوك على قطاع البترول ومشروعاته يرجع إلى قدرته على السداد، فى ظل العوائد المستمرة والإيرادات الكبيرة التى يحققها.
وأكد أن قطاع البترول حقق السنوات الماضية نجاحات ضخمة، واكتشافات عالمية على غرار كشف ظهر بالبحر المتوسط جعلته محط أنظار البنوك.
وقال إن زيادة حجم الاكتشافات البترولية والغازية المتحققة فى مصر، تزيد من حجم إقبال الشركات الأجنبية على ضخ استثمارات جديدة، ما يحفز البنوك على تمويل مشروعات القطاع.
ولفت إلى أن التعاون بين البنوك وقطاع البترول يخدم مخططات الدولة فى زيادة حجم الثروة البترولية، وتوفير الغاز الطبيعى والتصدير للخارج، وتحول مصر لمركز إقليمى للغاز، ما يعود بالإيجاب على الدولة بصفة عامة، وعلى مؤسسات القطاع بصفة خاصة.
وتعتبر البنوك داعمًا رئيسيًا فى تمويل قطاع البترول والغاز، خاصة أن القطاع يتسم باستمرارية احتياجاته التمويلية، وهو ما يجعله محط أنظار الجهاز المصرفى المصرى.
وأكد المسئول أنه بفضل التعاون مع البنوك، استطاع القطاع إنهاء أزمة مستحقات شركات البترول الأجنبية المتأخرة، التى كانت تمثل أزمة حقيقية خلال الفترة الماضية.
واستطاع قطاع البترول خفض مستحقات شركات البترول الأجنبية من أقصى معدل وصلت له عند 6.3 مليار دولار خلال 2012/2013؛ لتصل إلى 850 مليون دولار فقط فى بداية العام المالى الحالى، حيث تم السداد وفق برنامج على 4-5 سنوات.
جدير بالذكر، أن طارق عامر محافظ البنك المركزى قال العام الماضى «الجهاز المصرفى يفخر بدعم قطاع البترول لمشروعاته التى نتطلع لزيادتها فى كل المجالات من تكرير وبتروكيماويات ونقل وتوزيع».
ولفت إلى أنَّ القطاع المصرفى مستعد باستمرار لدعم وتمويل النمو فى قطاع البترول، قائلًا: «إننا مؤمنون بفرص نجاحه وتحقيقه للإنجازات».