فاطمة الزهراء والفاطميون 3

رجائى عطية

12:06 م, الأربعاء, 25 أكتوبر 17

رجائى عطية

رجائى عطية

12:06 م, الأربعاء, 25 أكتوبر 17

نشأتها

كان الجو هو جوهر نشأة الزهراء.

درجت فى دار أبويها، والدار يومئذ مقبلة على أمر جلل، تجمعت بوادره، فى الدار، وفى غار حراء..
لم تقف جلالة الأمر عند جدران الدار، ولا عند الغار، ولا عند أبواب المدينة، ولا حتى عند حدود الجزيرة العربية.. بل هو الأمر الجلل الذى يحيط العالم بأسره، وهو أمر الدعوة الإسلامية التى تختلج يومئذ فى صدر أبى الزهراء عليه السلام.

ما هذه الصلوات والتسبيحات؟ وما هذه الهيتمة بين الأبوين؟

وما هذا الوجل وهذا القنوت؟

أكبر الظن فيما يرى الأستاذ العقاد أن الطفلة الصغيرة لم تستغرب شيئًا عن ذلك، لأن الطفل لا يدرك حتى يستغرب، أو إذا جَدَّ ما يخالف ما اعتاده، بينما لم تفتح الزهراء عينيها إلاَّ على هذه البوادر والمقدمات، ولم تر سلفًا ما يخالفها!

وأكبر الظن أن الطفلة الصغيرة حسبت ذلك من المألوفات، وأكبر الظن أنها نشأت منطوية على نفسها لعدم إدراكها ما يخف له الناس من حولها..

وأوشكت الزهراء أن تشب بمفردها لأنها لم تجد معها غير أخت واحدة ليست من سنها، وغير أخيها غير الشقيق هند، الذى كان أكبر بداهةً منها ومن أختها..
وأوشكت هذه العزلة أن تكبر معها، لأنها لم تكن تسمع عن اخوتها الكبار إلاَّ ما يحزن ويشغل.. مواليد ماتوا صغارًا وخلفوا فى نفوس الأبوين لوعة، أو أخوات تزوجن أو خُطبن، ثم لم تلبث الخطبة أن ردت إلى اثنتين لأنهما خُطبتا إلى ولدى أبى لهب الذى ناصب محمدًا ودعوته العداء..
جو إذن يحيط بالصغيرة وفى نشأتها من كل جانب، وانطواء على النفس لا تستغربه ولا تحب أن تتبدله، وملاذها فى كل هذا حنان الأبوين : حنان جد رصين، بل وحنان صابر حزين.

لقد نعمت الزهراء بهذا الحنان من قلبين كبيرين.. حنان أحرى به أن يعلم الوقار لا الخفة ولا المرح والانطلاق.

وتعلمت الزهراء فى دار أبويها ما لم تتعلمه طفلة غيرها فى مكة.. آيات من القرآن، وعادات يأباها من حولهم العابدون وغير العابدين.

ولكنها تعلمت كذلك كل ما يتعلمه غيرها من البنات فى حاضرة الجزيرة العربية، ومن ثم لا عجب أن نسمع عنها أنها كانت تضمد جراح أبيها فى غزوة أحد، أو حينما ألقيت عليه الأحجار ووقع وريم خنقه فى صحن الكعبة، وأنها كانت تقوم وحدها بأعمال وشئون وصنيع بيتها دون أن يعينها أحد من النساء فى أكثر أيامها.

ويورد الأستاذ العقاد أن انطواء الزهراء على نفسها مستفاد من الأحاديث المروية عنها، فلم تعرض قط لشأن لا يخصها أو يخص بيتها، ولم تتحدث قط فى غير ما تسأل عنه أو تضطر إليه، بلا فضول فى عمل أو قول.

وسواء صح أم لم يصح ما جاء عن محاجتها للصديق بالقرآن الكريم، فإن المؤكد أنها سمعت القرآن من النبى، وسمعته من علىّ، وأنها صلت بالقرآن ووعت أحكام فرائضه، ودعت كل ما دعته فتاة عربية أصيلة، وزادت عليه ما قد لا يعيه غيرها.

إذن فقد نشأت الزهراء نشأة جد واعتكاف، ووقار واكتفاء، وعلمت مع السنين أنها سليلة شرف لا يدانى، وشبت بين انطوائها على نفسها واكتفائها بشرفها كأنه فى عزلة بين آدم وحواء.

وكان مما عرض لها، أن نفسها القوية، سكنت فى جسد ضعيف يضيق بقوتها، وقلما يرزق الراحة من جمع بين النفس القوية والجثمان الضيف، على أنه كان لها- عليها الرضوان- راحة الإيمان، والتوفيق الأكبر فى نشأتها فى مهد الإيمان والرسالة.

وهى رضى الله عنها التى حملت مسئولية رعاية أبيها والكفكفة عنه بعد وفاة خديجة، فكانت هى التى تتلقاه، وتمسح التراب عن وجهه الكريم الذى عفّره به غلمان قريش وسفهائها، وسقْط الذبيحة التى ألقوها على ظهره وهو يصلى بصحن الكعبة، فكان عليه السلام من فرط حدبها عليه ـ وهى ابنته ـ قد أطلق عليها أنها «أم أبيها»، ولم يكن يحلو له إلاَّ أن يناديها بهذا اللقب الذى أضفاه عليها تقديرًا لعنايتها به وحدبها عليه، ورعايته كما ترعى الأم ابنها، لا بما تلتمسه البنت من أبيها، ولم يعطلها نحول جثمانها عن قوة الإيمان المنبعث فى حناياها.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

12:06 م, الأربعاء, 25 أكتوبر 17