فى عصر الحروب المصرية- والعربية- مع إسرائيل منذ نهاية الأربعينيات حتى منتصف السبعينيات، ومن دون استثناء اشتباكات ليست غير محدودة فى لبنان وفى الأراضى الفلسطينية المحتلة، كانت الخطوط الإستراتيجية واضحة نحو الأهداف المباشرة والتالية للصراع العربى- الإسرائيلى، ربما حتى خط الأفق، ذلك على غير ما أصبحت عليه الأمور عبر العقود التالية من الالتحام السلمى بين جانبى الصراع.. إذ تتشابك الأهداف وتتقاطع.. ما إن تتقدم خطوة للأمام إلا وتتراجع خطوتين للخلف.. ولا تستقيم إلا وتلتوى وتتداخل من جديد.. دونما ملامح محددة أمام المتفاوضين لنهاية الأفق، حيث الشكوك العربية من النوايا بعيدة المدى للغايات الصهيونية العليا.. تقابلها شكوك إسرائيل من عداءات عقائدية عربية تثير لديها- بذريعة الأمن- هواجس سيكوباتية من الفزع والخوف.. كامنة منذ ذكريات «الشتات» اليهودى عبر العالم، وفى هذا المناخ من الشكوك المتبادلة لا تلقى المبادرات العربية للسلام غير العديد من التحفظات من جانب إسرائيل.. التى تسابق من جانبها الزمن لاتخاذ تدابير أمنية واستيطانية، إلخ.. لإبطال إمكان قيام دولة فلسطينية إلى جوارها.. وسعياً منها لاستكمال مقومات بناءً «إسرائيل الكبري».. حتى لو تحولت- رغم أنف المعارضين دولياً وفى داخلها- إلى دولة عنصرية كجنوب أفريقيا.. قبل أن يجبرها العالم مطلع التسعينيات للرضوخ فى تقبل العمل بحقوق المواطنة كاملة بين الجميع، الأمر الذى يشجع على غراره السلطة الفلسطينية إلى حشد الدعم الدولى ودعوة شخصيات بارزة للاطلاع على واقع الدولة الواحدة بنظام فصل عنصرى تفرضه إسرائيل.. التى بدأت وظيفتها (الغربية) تخبو عن ذى قبل فى السنوات الأخيرة لتصبح عبئاً ثقيلاً لداعميها السابقين من بعد أن تأمن نفوذهم فى المنطقة العربية التى تكفلت ذاتياً بتصفية أخطار نزعاتها المهددة لمصالح الغرب أو استقرار إسرائيل، بسيان، الأمر الذى قد يعزز مناخاً جديداً لدفع إضافى لعملية السلام المتعثرة بدءاً من اتفاقية أوسلو «المجهضة» منذ 1994.. ومن بعد انتفاضات 2011 «الفوضوية»، ذلك فيما تعمل إسرائيل من ناحيتها على تطوير قدراتها التقنية المتنوعة.. ما يشجعها لمعاودة الحديث عن تكاملها مع كل من الأيدى العاملة والمال العربيين، لتجريب ما سماه «شيمون بيريز» فى مؤتمر عن الشرق الأوسط الجديد بالدار البيضاء 1995 «الحقبة الإسرائيلية».
فى سياق ليس غير مواز، تقيم الولايات المتحدة مطلع يناير الحالى قاعدة عسكرية بحرية لها فى «حيفا».. بمواجهة نظيرتها الروسية فى «طرطوس» منذ أكتوبر الماضى، ما يشكل (وغيره) استعادة لأجواء الحرب الباردة فى شرق البحر المتوسط، من المرجح أن يكون الجانبان العربى والإسرائيلى وقودها، ما لم تتسابق خطاهما لاستئناف عملية السلام.. ومن قبل اشتعال غضب الشباب من الفتية والفتيات الذين استحدثوا انتفاضة الحجارة 1987 إلى انتفاضة السكاكين والدهس منذ 2016.. التى لم يفلت من الذعر الذى أشاعته.. يهود من أصول شرقية، ذلك فى الوقت الذى تزداد فيه المعاوضة لاستمرار رئيس الحكومة «نتنياهو».. المسئول من وجهة نظرها عما آلت إليه الأوضاع الإسرائيلية من عزلة دولية (..).. مطالبينه بالرحيل خاصة بسبب التحقيق الجنائى معه فى تهمتى فساد.. إحداهما خطيرة تتضمن «توثيقا للربط الفظ وغير العادى بين الثروة وبين السلطة»، ذلك فيما يراهن الفلسطينيون على الجانب الآخر من التل.. على توظيف القرار الأممى 2334 بشأن إدانة الاستيطان.. لإعادة بناء عملية سياسية جديدة مختلفة عن المحادثات المباشرة السابقة مع إسرائيل برعاية أميركية، خاصة أن القرار الأممي قد يمهد الطريق لنجاح المؤتمر الدولى للسلام الذى تدعو إليه فرنسا منتصف يناير الحالى، ذلك لو خرج عنه آلية دولية وجدول زمنى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى، اتساقاً- ربما- مع المبادئ الستة للسلام التى أعلنها وزير الخارجية الأميركى «المغادر»- وإدارته- 20 يناير الجارى.. موعد تسليم السلطة إلى إدارة جديدة.. رغم أنها قد لا تحافظ عن ذات التوازن اللافت لسابقتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. إلا أنها مع ذلك تثير شكوكاً إسرائيلية بالنسبة لمزاجية «ترامب» وغموضه حتى الآن، ذلك فضلاً عن مخاوف إسرائيل من جانب آخراً عما يمكن أن يصدر عن مؤتمر باريس القادم، وكلها أمور على الصعد المحلية والإقليمية الدولية.. تصبغ عملية السلام العربى- الإسرائيلى بمسحة من الغموض ما أن تتكشف قليلاً إلا وتتلبدها الغيوم من جديد.