قد يجوز القول إن الانتخابات النيابية فى إسرائيل ، ربما هى الأكثر ديمقراطية على مستوى الإقليم، إذ يؤدى تشظّى أحزابها، بما فى ذلك حتى الحزبان الكبيران – العمل والليكود – إلى تمثيل مختلف الشرائح السياسية الاجتماعية والطائفية – مهما صغرت – فى داخل الكنيست، كما قد تعتبر الانتخابات الإسرائيلية هى الأكثر أهمية بالمقارنة بالبلدان الأخرى فى المنطقة، إذ تتوقف على نتائجها اتجاهات مسار الصراع العربى – الإسرائيلي، أبرز نزاعات الشرق الأوسط، من حيث إتصالها بمسألتى الحرب والسلام الإقليميين والدوليين، وفى استثنائها – ثالثا – لتكرار ظاهرة «الانتخابات المبكرة» من أجل معظم الأسباب السالفة أو لمراوغة السلام (كسب الوقت) وللتوازى مع الانتخابات الرئاسية للبيت الأبيض – الحليف الرسمى لإسرائيل الدولة الأولى بالرعاية، فضلاً عن التأقلم لصالحها مع تطورات الظروف المحلية والإقليمية والدولية، بحيث قد يوصف الناخب الإسرائيلي، مجازاً بالناخب الإقليمي.. الذى من الطبيعى أن يلقى اهتمام مختلف القوى داخل الإقليم، وفى خارجه، سعيا لاستقطابه أو تطويعه بسيان، إلا ربما باستثناء الدول العربية ممن لها معاهدات سلام مع الدولة العبرية، إذ تلتزم الصمت غير المبرر إزاء ما يجرى على الساحة الانتخابية الإسرائيلية، مكتفية بدور المتفرج عن المشاركة للتأثير فى اتجاهات الرأى العام، سواء بالتطرف ضد التطبيع أو معه على حد سيان، وفى وقت تعزز قوى اليمين المتشدد مكانتها الانتخابية.. من خلال استعراض (عضلات) القوة فى مهاجمة أهداف متزامنة عشية أسابيع من انتخابات سبتمبر 2019، على كلٍ من لبنان وسوريا والعراق والأرض المحتلة، ما قد يتطور إلى ما يضر – ليس فقط آفاق السلام الشامل – بل تؤثر بالسلب على طبيعة علاقات السلام (البارد) مع مصر، ومن على غرارها من الدول التى حذت حذو النهج المصرى فى التسوية، والذى بات كالشجرة الوحيدة وسط أنواء وعواصف عسكرية ودبلوماسية، تهدد مركزهم السلمي، الأمر الذى قد يعيد للأذهان تقاعس الجانب المصرى عشية ثمانينيات القرن الماضى.. حين أحجم عن التنسيق مع مبعوثين رفيعى المستوى من حزب العمل بشأن المنافسة الانتخابية بينه وبين حزب الليكود، وسرعان ما أدى فوز الأخير إلى تدمير إسرائيل البرنامج النووى العراقى يونيو 1981، وإلى غزو لبنان فى يونيو من العام التالى لتدمير البنية العسكرية لمنظمة التحرير، وعقد اتفاق مايو 1983 مع لبنان الذى انهار قبل أن يجف مداده.
إلى ذلك، قد يكون اليوم أشبه بالبارحة قبل أربعة عقود، كانت محصلتها الإجمالية لصالح إسرائيل وخصما من الرصيد العربي، باستثناء عقد التسعينيات الذى عاد فيه حزب العمل للسلطة لإنجاز اتفاقيتى «أوسلو» و«وادى عربة» مع كل من الفلسطينيين والأردن 1994، قبل اغتيال زعيم العمل «رابين» العام التالى على يد متطرف يميني، ما أفسح المجال لعودة الليكود 1996 للسلطة بقيادة «نتنياهو» لأول مرة – قبل أن يسحب الإسرائيليون الثقة منه لعدم وفائه بما أطلق من وعود، وليحل محله حزب «العمل» بقيادة الجنرال السابق «إيهود باراك» (لمرة أولى وأخيرة).. سعى خلالها حتى العام 2000 إلى استكمال المفاوضات مع سوريا (نائب الرئيس الشرع)، ومع الرئيس عرفات فى كامب ديفيد بحضور الرئيس الأميركى «كلينتون»، إلا أن المفاوضات اصطدمت بحائط صد تمثل فى المواقف المتعارضة تحديدا بشأن القدس، وبحيرة طبرية، إلى أن عاد «الليكود» مجدداً مع بداية القرن الحالى إلى اليوم، شارون – (أولمرت) – نتنياهو، حتى موعد انتخابات سبتمبر 2019، التى يعود فيها للتنافس معه كل من حزب الجنرالات «جانتيس» – يمين الوسط – وإيهود باراك من «اليسار».. إلى ليبرمان «اليهود الروس».. إلخ، وحيث تدور الانتخابات بصفة أساسية حول العامل الدينى اللاهوتي، والتمييز العرقي، وليس انتهاء بالعلمانيين والليبراليين واليساريين، إذ هكذا يبدو المشهد السياسى الانتخابى بينهم، فيما أدوات أخرى مهمة بيد غلاة العنصريين ، والصهاينة المستوطنين، وإلى المعتدلين التسوويين.
على صعيد مواٍِز، يمثل الناخب الإقليمى – إذا جاز التعبير – ومع افتراض صحة تأثيره فى مسار الانتخابات الإسرائيلية، كلٌ من مصر – تركيا – إيران، وذلك كعامل مهم فى توجيه بوصلتها.. إما إلى الحرب التى يعمل رئيس الوزراء الحالى لإشعالها، أو إلى تشريع منافذ جديدة فى الأساليب الإجرائية لعملية السلام حال «أخفق» نتنياهو ممثلا لليمين المتطرف فى التجديد لرئاسته، ما يهيئ المناخ لتسويات وسط إقليمية، سبق أن نادت بها قوى اليسار، يبدو أن «حزب الجنرالات» الجديد ميالٌ إلى الأخذ بها، ولو أن الوقت أمام مصر والعرب فى التدخل فى الانتخابات الإسرائيلية قد يبدو متأخرا، إلا أن مواقف الساعات الأخيرة من جانبهم.. قد تكون عنصرا فاعلا لا يجب الاستهانة به أو التقليل من شأنه.. لجملة من العوامل (..) لو أُحسن توظيفها سواء فى الانتخابات الحالية أو ما قد يليها من انتخابات فى وقت غير بعيد، خاصة فى أوساط الجيل الثانى والثالث على الجانبين، الأقل جهلا بطبيعة مجتمعيهما.. عمن تعايشوا معهما خلال السبعة عقود الماضية من تاريخ الصراع، وبشروطهما، سواء بالمزايدة فى العداء أو بالتطرف نحو التطبيع، وعلى المستويين الإقليمى والدولي، لإصلاح الأخطاء العربية «ناخبا» – مؤثراً فى كل الانتخابات الإسرائيلية تقريباً، وعلى النحو السالف بيانه، صواباً وخطأً، خاصة مع بروز دورين ليسا جديدين فى الصراع العربى – الإسرائيلي، إيران (بين 522 ق.م – 465 ق.م) ثم إلى إيران «الشاه» الموالية للغرب إلى ما قبل الثورة فى 1979، وفى تركيا (بين 1514 و1918، فى ظل معظم حكم الدولة العثمانية) ثم إلى تركيا «الجمهورية» فى ظل حكم اليمين الموالى للغرب، قبل أن تتناوبها كل من واشنطن وموسكو فى السنوات الأخيرة، إذ كانت الدولتان المسلمتان الكبيرتان على علاقة طيبة بالدولة العبرية 1948، من واقع كونهما حليفتين لرعاتها الغربيين، إلا أن الضعف العربى شجعهما – طهران وأنقرة – للحصول على ما يمكنهما من كعكة المشرق العربى، ليصبحا منافسين لإسرائيل فى اقتسام الكعكة بحسب ما تتطور الأوضاع السياسية داخل إسرائيل، ذلك دونما بارقة أمل على الصعيد العربى فى اختراق يخدم السلام العادل من خلال الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة التى ينحصر فيها التنافس الحقيقى بين المتطرفين التوراتيين، وجنرالات المؤسسة العسكرية الأمنية، يغيب عنها الناخب الأهم «الإقليمى»، أين منه دعمٌ لعناصر السلام فى انتخابات الكنيست.