حين نتعرض يوميا بشكل دورى ومتصل إلى الصدام مع الشارع المصرى، حيث انفصام وانفراط العقد المجتمعى، مجتمع تسوده الفوضى بدرجة مطردة وسريعة، فى اتجاه التسيب الكامل فى السلوكيات العامة كل فرد يعول على منظومة يبتدعها من بنات أفكاره ومزاجه الخاص وتتحكم فيها درجة العلم أو الجهل ليعزف عزفا منفردا، خاصة بعد ثلاثة أبعاد مستجدة مفاجئة وعنيفة تترصد بالمواطن فى مصيرية مجهلة.
أولا: القرارات الاقتصادية التى أدت إلى تغيير جذرى وعسير ومن ثم مفاجئ للطبقات الاجتماعية عامة يشكل عبئًا ماديًا ونفسيًا، هذا إذا استمر الارتفاع المتهور للدولار فى حالة غير مسبوقة، حالة فى اتجاه اللاعودة على المستوى العام.
ثانى : لن يكون فى مقدور الطبقة المتوسطة التصدى لمتطلبات الحياة اليومية طعام، مدارس، مرض، ودواء، وهو ما سيجعل انهيار هذه الطبقة مؤلما لكل ما تتطلع إليه من حياة مستورة فى ظل تعليم جيد إذ هى الطبقة الواعدة فى أى مجتمع بالعلم والثقافة والفن، طبقة الموظفين والأطباء والعلماء والقضاة والضباط ليحملوا ضمير الأمة وقدوة الشعب من قانون وعدل إلى آخر ما يسمى «دولة»، أما بالنسبة للحالة الاقتصادية الراهنة عليك أيها المواطن أن تتصدى لغول هلامى يصدر اللامعقول اليومى.
ثالثا: ستزداد طبقة عشوائية موجودة فى الأساس بلا تعليم وأيضا بلا عمل فى بلد ويا للعجب بدأت فيها مشاريع إنتاجية بالفعل ولا تجد من يتقدم للعمالة فى هذه المصانع والأعجب أننا سنستورد عمالة من آسيا..؟! إذ تأصلت فى الشارع المصرى البلطجة وهى محمية من بعض الجهات المجهولة، الآن تشكل هذا الغول الهلامى الآدمى الذى تتخوف منه كل أسرة، ينصحون أولادهم بناتًا أو صبيانًا بأن ياخدوا حقهم بدراعهم وما يسكتوش لأى شخص يحاول الاعتداء بأى وسيلة أولها التحرش اللفظى، وإذا استفحل الأمر فالضرب هو الحل الأمثل، وتختم الأسرة بمقولة تقليدية «حنعمل إيه؟ مضطرين فى اليومين السود دول نطلعهم زى البلطجية».
هناك بالطبع شق آخر فى المجتمع أو منظومة أخرى منفصلة عن الشارع المصرى، وذلك من حظهم «الأخضر الريان»، بعضهم نهبوا البلد أو تاجروا فى المخدرات، أو هربوا فلوسهم بره، أو ربنا كرمهم ويعملون بجانب السلطة، ينافقون ويراؤون ويمشون جنب الحيط، فهؤلاء جابوا الولاد عشان يتنزهوا ويترفعواعن مجتمعهم، يدرسوا فى مدارس اللغات الخاصة يتكلموا العربية لماما بطريقة 4ـ 2ـ 4، ومؤخرا يسمح لضيوف البرامج الإعلامية بالكلام باللغة الإنجليزية بلا ترجمة على أساس إحنا شعب إنجليزى..!
هذه الشريحة عادة ما تقوم بتأهيل أولادهم نفسيا ومنذ الصغر على أنهم سيسافرون إلى الخارج لاستكمال علومهم ولكن هؤلاء حيعدوا البحر من غير ما يتبلوا، يعنى سيصلون إلى البر التانى من الكرة الأرضية ولم يمسسهم البلل فهؤلاء منزهون كما أسلفنا.. ولهذا السبب الوجيه ليس على هؤلاء حرج لتعليمهم أدوات البلطجة كهواية.
يقول الفيلسوف الفرنسى ديكارت «عوارض من أوهام الإنسان ونزواته وما قد يصيبه من تعصب وتسرع ومن خضوع سهل لذوى النفوذ والشهرة بلدانا أو أفرادا، ثم رغباته ونزواته، ميوله وأهوائه وهذا يسرى منذ الأقدمين ومحدثين ومعاصرين، هذا ما يرسم الخريطة البيانية للعالم.».. من المؤسف أنه العالم القادم.