هل سيأتى لمصر رئيس بجسارة الرئيس عبد الفتاح السيسى؟
رئيس استهدف إطلاق دولة وجمهورية جديدة، لتشهد غدًا أفضل لمصر والمصريين منذ محمد على، تؤسس على إعادة توزيع السكان بتعمير المدن الجديدة والوادى الجديد والساحل الشمالي/ تغيير بالبناء الإدارى للدولة بتوازن العلاقة بين زيادة المحافظات وطبيعة العلاقة بين المركز بالعاصمة والأطراف/ تفعيل المادة 248 دستور بتطوير النظام السياسى وتوسعة النطاق الديموقراطى للدولة/ الاستجابة للتطورات التكنولوجية العالمية الجديدة/ الدخول بمنظومة الاقتصاد والمال العالمي/ فرض قوة مسلحة عادلة/ إعادة بناء الانسان المصرى ودعم المشاركة المجتمعية والمجتمع المدنى بالبناء/ تجديد الخطاب الديني/ إطلاق سياسة المبادرات الممتدة للصحة والحياة الكريمة ومصر الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان بتمكين الشباب والمرأة وأصحاب القدرات الخاصة.
تخيل معى غدًا تقود فيه مصر أفريقيا، وتتصدر جيوشها والشرق أوسطية، وتعود قوتها الناعمة سفيرًا عالميًا يحمل نور مفكريها وفنانيها ومثقفيها وكتابها ومتنوريها، وتستعيد طبقتها الوسطى عافيتها وفقيرتها لتنفسها وطموحها، تحتضن تكنولوجيا علمائها ومخترعيها فتكون قاعدة فضاء بسيناء ومحطة الضبعة النووية، ووادى السيلكون، واستعادة عرش القطن والقمح! تخيل معى أصحاب قدرات خاصة وزراء وامرأة رئيسة وزراء أو برلمانا، أو غزوا سكانيا لمدن جديدة تتنافس لجذب الأجنبى قبل المصري!
هل يمكن تخيل نفسك تعيش، تعمل، تتعلم، تنتقل، تتعالج، تتاجر، تصنع، تفكر، وتبدع بدولة تعيد تصميم الصورة الذهنية لمصر بين أهلها، بواقع ملموس قابل للقياس والوصول للصورة السابقة؟ فيها نيلك آمن، رزقك مكفول بفرص حقيقية، دخلك مؤمن لدرجة الادخار، صوتك مسموع بحماية مُنصفة، إبداعك عالمى بحرية واعية؟ قد يكون خيالًا ولكنه ليس مستحيلًا، قد يكون صعبًا جدًا وليس مُعجزا، ببساطة لتحقيق ذلك فأى دولة تحتاج لرؤية وعزيمة سياسية، موارد يُحكم ادارتها، إدارة أهل خبرة وتجربة، تشريعات تقنن مصالح عادلة، وعى جمعى للشعب مؤسس من منظومة صحية (تعليم/دين/اعلام) ليستوعب التغيير ويشارك فيه ولا يناهضه.
بدون شعب ووعى جمعى حقيقى (يستقر ويبدع فيه العلم والفكر والفن والثقافة والرأى والوسطية الدينية)، تفقد الدولة مكونها الرئيسى قبل الأرض ونظام الحكم والسيادة! فتبقى خاوية على عروش بلا شعب يعمرها ويطورها. عملية بناء الإنسان المصرى عملية مجتمعية لا حكومية، يتناغم فيها الإصلاح مع المجتمع المستعد ومستوعب وقابل وداعم لتحقيقه ودفع تكلفته وتحمل مسئوليته، بالصبر المثمر لا المُحبط، بالحوار والتواصل والتوعية للوصول حقًا لطريق بناء مجتمع مصرى قوى.. قد يشهد هذا الغد بتحويله الخيال لواقع.
وصول الجمهورية الجديدة لهذا الغد، حتمًا يقوم على جمهورية الانسان ودولة المصري! ولتحقيقه لم تدخر الدولة جهدًا لمحاربة الإرهاب، تدعيم المنظومة الأمنية بالشارع قدر المستطاع، تجربة الإصلاح الاقتصادى، تطوير البنية التحتية. ومع ذلك يبقى الوعى الجمعى للشعب المصرى (المكون الرئيسى للدولة الجديدة)، غير قادر على مجاراة مساعى الدولة أو تصور ورسم وتلوين رؤية الرئيس للغد الجديد!؟
فما يوصف حاليًا مثلا؛ بفجاجة السلوك وفساد الذوق العام وتدنى أو تسطح الفن وهشاشة الثقافة والتعليم، وتلاعب التطرف والفتنة والازدراء، إنما هى منتجات سلوكية وفكرية تراكمية متصاعدة، لضرب مكونات الوعى الجمعى للشعب (التعليم، الدين، الاعلام) بالمادة 98 عقوبات (المشهورة بمادة ازدراء الأديان) منذ أحداث الزاوية الحمراء 1982 (كمادة تأديبية وقتها لمواجهة وتحجيم ظاهرة إجرامية، تهدد الوحدة الوطنية بمجتمع يضرب الفقر بجذوره بقسوة، لا لإنشاء اداة تفتيش جديدة تنقب عقول المفكرين والمجتهدين بقصد معاقبتهم لإعمال الفكر والعقل). 39 عامًا ترعرع فيها أبناء ومريدو م98ع لمحاصرة الفكر والتجديد والاجتهاد، بل وشمولية تيار فكرى دينى بعينه، يجهض جميع التطلعات بتطوير الخطاب الدينى، مناقضًا حرية التعبير والرأى والاعتقاد المكفولة دستوريا.
فماذا نتوقع من فهم واستيعاب الوعى الجمعى المصرى المشترك، بين كاتب ومفكر ومدرس وطالب وفنان وقاضٍ ومشرع وبرلمانى واعلامى وشيخ وقسيس، فيفكرون ويكتبون ويتعلمون ويربون ويتفننون ويعظون ويشرعون ويحكمون منذ 1990 بداية المواجهة؟ تخيل نمو ونضج المجتمع المصرى بدون م 98 حتى الآن، تحقيقًا لمعجزة (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض) الرعد (17). تخيل النمو الفكرى وتطور ديالكتيك فلسفى مصرى هادئ التصاعد خلال 39 سنة، ينجب لك وعيًا جمعيًا وعقولًا تفكر بموضوعية وحماسًا معتدلًا، قادرًا على فرز النافع من الغث؟ حتمًا كانت ستمر التجربة بمحن، ولكن استمرار اطمئنان الشعب (بطبقاته) لأمان التجربة، سيثمر آراء تتعرف على الاعتدال ثم تعايشه لتتفاعل معه، فيُبنى ويُحمى الانسان المصرى مجتمعيًا، لا بنص عقابى!
وجود واستمرار م 98، خلق فتنة سحب المقدس على البشر الخطائين، وسيّسها لأغراض أكبر، وربط العلمانية بالإلحاد، وخلط الدولة المتدينة بالدولة الدينية، فخلق بعبع الفتنة وإدارة الوعى بالأزمات كسبب لتفتيش الفكر والراى والتجديد! وهو ما انجب وعيا جمعيا نعاميا، لجيل كامل اشترى دماغه او تم التلاعب بها، وسمح للسوشيال ميديا والكتائب الالكترونية باختراقه! حتى المتهمين بمخالفة م 98، منهم ثمار الكبت يولد الانفجار ومنهج خالف تُعرف والاجندات الخارجية، وقلة منهم من يمس حقا الفكر بضوابط الاجتهاد والجدلية الموضوعية.
ملف المادة 98 عقوبات متاح تفصيلًا بالإنترنت (نصًا وفكرًا وقضاء وفقهًا وجدلًا)، سواء لمن يريد التأكد بعدم دستوريتها أو تسيسها أو تدميرها لوعى أجيال نشأت ومستمرة، او لفهم أدلة وجاهة تبنيها او الغائها – وهو ما احترمه كقانونى ومصرى ولا أناقشه هنا أو اتعرض له بطرح تعديلها أو حذفها – فأنا لست مع أو ضد م 98، ولكننى مع الغد ومصر الجديدة! فإذا عمى الوعى الجمعى للحاضر، فكيف يُبصر الغد المنشود؟ إذا استمررنا بوعينا الحالى مع 98ع، المتآكل فكرا واجتهادا وابداعا، فلا تتوقع الاستمتاع بتحقق رؤية 2030! لأن وعينا غير مؤهل لاستحقاقها، وسنتعامل معها كمستهلكين ومنتفعين، لا مطورين وصناع لمصر المنشودة بالمقال!
إذا استمر وعى م 98 (بتوابعها ومريديها وكهنتها ومستفيديها)، منتظرًا وصول الرئيس السيسى لغده، فسنأكل سمكة دون تعلم الصيد أو إنجاب قيادات جديدة! فمراجعتنا لكلمة الرئيس بجلسة (استراتيجية بناء الإنسان المصري) بمؤتمر الشباب يوليو 2018، تؤكد وجود مُعلم صيد وقائد سفينة، يصارع الأمواج للوصول لغد الأمان، ومع شعب منتجات مكونات وعيه الجمعى مُحاصرة بمادة 98 ع، فلا أدعو الله إلا بالسلامة! فغد بلا 98 عقوبات، هو ما تحتاج إليه الجمهورية الجديدة.
* محامى وكاتب مصرى