عن طريق توفير مناخ اصطناعي.. السعودية تتعاون مع شركة هولندية بهدف زراعة الصحراء

يمثل الأمن الغذائي أولوية لمخططي مشروع "نيوم"

عن طريق توفير مناخ اصطناعي.. السعودية تتعاون مع شركة هولندية بهدف زراعة الصحراء
أيمن عزام

أيمن عزام

10:40 م, الأحد, 6 أغسطس 23

تتعاون السعودية مع شركة هولندية للصوبات الزراعية بهدف توفير “مناخ اصطناعي” بغية زراعة الصحراء ، بحسب وكالة بلومبرج.

خصصت المملكة منطقة يقارب حجمها 15 ملعب كرة قدم، لإقامة واحة زراعية على مشارف مدينة “نيوم”، التي تُشيد على ساحل البحر الأحمر وتمتد إلى الصحراء. يمثل هذا الالتزام أكبر استثمار في مجال التقنية الغذائية لبلد يعتمد منذ فترة طويلة على الواردات لتلبية معظم احتياجاته الغذائية، بسبب الطبيعة القاحلة ودرجات الحرارة شديدة الارتفاع في الصيف.

زراعة الصحراء هدف نهائي

المشروع هو مجرد بداية، وفقاً لشركة البستنة الهولندية “فان دير هوفين” ، التي ينص عقدها مع الحكومة السعودية والبالغة قيمته 120 مليون دولار، على تصميم وبناء منشأتين للاختبار على مشارف مدينة “نيوم”، إلى جانب تشغيلهما وصيانتهما على مدار سنوات.

قال ميشيل شوينمايكرز، الرئيس التنفيذي للشركة، في مقابلة في أمستردام: “نحن نهيئ مناخاً اصطناعياً حيث يصعُب الزراعة في الهواء الطلق”، وذلك بهدف إنتاج زراعي على مدار العام.

يمثل الأمن الغذائي أولوية لمخططي مشروع “نيوم”، وهو مشروع ضخم يتبناه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تصل كلفته إلى 500 مليار دولار، يهدف إلى تحويل مساحة صحراوية بحجم بلجيكا، إلى منطقة عالية التقنية قد تجذب في النهاية ملايين الأشخاص.

زاد الأمر إلحاحاً منذ تفشي جائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا الذي كشف هشاشة سلاسل التوريد، وسلط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها الأمن الغذائي في الشرق الأوسط.

صفقة من شركة أمريكية

من بين الصفقات الأحدث، وقّع “صندوق الاستثمارات العامة” اتفاقاً مع شركة “إيرو فارمز” الأميركية، لتأسيس شركة في الرياض بهدف بناء وتشغيل مزارع عمودية داخلية في المملكة والمنطقة.

كما اشترت هيئة حكومية أخرى، هي “الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني” (سالك) الشهر الماضي، أسهماً في “بي آر إف” (BRF)، وهي أكبر منتج للدواجن في البرازيل، وذلك بعد شرائها حصصاً في شركة تجارة المحاصيل الزراعية السنغافورية “أولام أغري هولدينغز” ، ومنتجة الأرز الهندية “إل تي فودز” (LT Foods).

وفي “نيوم”، تسعى السعودية للاستعانة بخبرات المتخصصين من هولندا، والتي أصبحت ثاني أكبر مصدّر زراعي في العالم بعد الولايات المتحدة، على الرغم أنها واحدة من أصغر الدول في أوروبا. وزاد وجودها وتأثيرها في هذا القطاع الحيوي بفضل الحلول المبتكرة التي توفرها مثل الصوبات الزراعية المتقدمة (المعروفة أيضاً باسم الدفيئة الزراعية المتقدمة) والزراعة العمودية، مع تخصيص نصف مساحة البلاد للإنتاج الزراعي.

مركز إقليمي للغذاء

بالإضافة إلى تلبية احتياجات المدينة الجديدة، يتمثل الهدف النهائي في تحويل المنشأتين إلى مركز إقليمي للغذاء.

سيُغذي المركز مدينة “نيوم” الجديدة وبقية المملكة، كما سيُعتبر مثالاً للدول الأخرى التي تكافح من أجل الأمن الغذائي وسط تغير المناخ، وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي لشركة “نيوم فود”، خوان كارلوس موتمايور.

قال موتمايور في مقابلة منفصلة من العاصمة الهولندية، إن المشروع سيتوسع بشكل كبير بعد جهوز الصوبتين التجريبيتين، مع الإشارة إلى أن البناء بدأ في وقت سابق من السنة الجارية، ومن المخطط الانتهاء منهما بحلول العام المقبل.

أضاف موتمايور: “سنتوسع في مساحات تصل إلى مئات الهكتارات، التي ستضم عدة أنواع من الصوبات الزراعية”.

تحتاج “نيوم” إلى أكثر من ألف هكتار من الصوبات الزراعية لتحقيق هدفها المتمثل في إنتاج أكثر من 300 ألف طن من الفواكه والخضراوات، وهو هدف تحاول الوصول إليه في السنوات الـ8 إلى الـ10 المقبلة.

تهدف الشركة الهولندية، التي تجمع بين مجموعة كبيرة من أحدث تقنيات البستنة، من ضمنها إدخال الذكاء الاصطناعي في عملية زراعة المحاصيل وأنظمة تنقية المياه المتقدمة، إلى بدء تشغيل الموقع الأول في وقت مبكر من أغسطس من العام المقبل.

وفي أحد الموقعين، يتم إدخال نظام تبريد جديد يعمل بالطاقة الشمسية ومياه البحر، لتشغيل الصوبة الزجاجية خلال حر الصيف القائظ. وسيقلل هذا النهج إلى حد بعيد من استخدام المياه من الشبكة المحلية.

وفي الموقع الثاني، ستُشيد صوبة لتكون بمثابة “حجر صحي للنباتات”، بغية إدخال المحاصيل المعمرة إلى “نيوم”.

تنويع الاقتصاد

يدل اختيار “نيوم” على الجهود التي يبذلها ولي العهد السعودي لتنويع الاقتصاد البالغ حجمه نحو تريليون دولار، بعيداً عن النفط، وتحويل المدينة إلى مركز اختبار للتقنيات التي يمكن أن تحدث تغييراً جذرياً في الحياة اليومية.

الانتقال بمشروع “نيوم” من مرحلة التخطيط إلى أرض الواقع مثل تحدياً. إذ لم ينجح في جذب الكثير من الاستثمار الأجنبي حتى الآن، وتضرر من انتكاسات وتأخيرات في الجهود المبذولة لبناء مدينة من دون بنية تحتية قائمة، وتستند إلى كثير من التقنيات التي لم تُستخدم من قبل.

قال موتمايور: “لا يوجد مكان آخر في العالم يحاول أن يتطور على النطاق الذي نريده لتطوير وإتاحة الزراعة في الظروف القاحلة”.