هل هناك أى علاقة بين نموذج عمل الفرنشايز (أو حق الامتياز التجاري)، وبين Made in Germany، وبين (تحيا مصر)؟ العلاقة هى درجة (وعى) موظف الفرنشايز، والمواطن الألمانى بعد الحرب العالمية الثانية، والمواطن المصرى بعد 6/30! درجة ونوع وعى الإنسان هى ضابط تفاعله مع ما حوله من وقائع وأزمات ومخططات، بصورة تتحكم فى نجاح أو إخفاق المشروع بالكامل.
نجاح الفرنشايز مرهون بوعى والتزام وتطبيق منسوبيه بـ«كود» أو نظام الشركة لمنظومة العمل كاملة، من قيم، نظم أداء، وجودة، وخدمة عملاء، وسياسات تسويقية ومالي، ليترجم ذلك بتمتين العلامة التجارية، وحصتها السوقية، وزيادة مبيعاتها، وأرباحها لمساهميها، وموظفيها، وعمالها. تهتم الشركات العالمية بمتابعة صارمة لتنفيذ منسوبيها لوعى الجميع بهذا الكود وتطويره وتحديثه، كضمانة دورية للمحافظة على الصورة الذهنية للشركة لدى موظفيها وعملائها وسوقها، بما يؤمن لها نموا مستمرا وليس فقط بقاءً استاتيكيًا، فى ظل منافسة محلية، أو إقليمية، أو دولية شرسة ومتغيرات اقتصادية واجتماعية تنال الجميع. تقييم نجاح الفرنشايز يعكس وعى المرخص له Franchisee لتكرار تجربة نجاحه للالتزام بالكود. من هنا يتضح أن «الوعى» بكود الشركة هو ضابط انسجام عمل الجميع لمصلحة الجميع وليس مصلحة الشركة فقط.
وعى الشعب الألمانى – الداعم للحكومة – بالتوجه الصناعى كسياسية دولة، للنهضة بعد الحرب العالمية الثانية، خلق أسطورة Made in Germany، وتدرج وعى المواطن للعمل كترس فى مشروع آلة ضخمة لتبديل الصورة الذهنية لألمانيا بعد الحرب، نجحت فيها سياسة «الكود» المتدرج لنشر ثقافة النهضة والصناعة والبقاء والتنمية، من خلال خطط لمشروعات تقسم على سنوات، يحتل فيه كل مواطن حسب فئته العمرية وصفته المجتمعية والوظيفية، مكانا معينا فى مشروع النهوض بالدولة. فوعى التعليم يختلف عن وعى الصناعة، وعى البيئة يختلف عن الإعلام، وعى الدين يختلف عن وعى الفن وهكذا. درجات وأنواع الوعى جميعها تتوجه لمشروع واحد هو نهضة ألمانيا الجديدة، وهو ما تم لتصبح تجربة ألمانيا «فرنشايز» نجاح لمشروعات الدول التى تريد النهوض من كبوتها.
تظهر خطورة علاقة وعى المواطن بدولته، فى اختلاف مراحله العمرية وصفاته المختلفة، من طفل لعجوز، ومن مهمش لوزير، ومن فلاح لعالم، ومن بنت لجدة، ومن معدم لرجل أعمال، ومن أميّ لمثقف، ومن ملحد لعالم دين، ومن قروى لمدني. الروابط المشتركة للجميع معيشتهم على ذات الأرض، وانخراطهم فى منظومة حكومية وقانونية وإدارية عامة مجردة، تقدم لهم خدمات مقابل تأدية دورهم لغرض مفترض فيه نماء الكيان الذى يحتويهم. بمعنى آخر التفرقة بين وعى كل منهم، الذاتى والجمعى أو المجتمعى الذى تشترك فيه مكونات عامة بينهم، هى الدين والتعليم والثقافة والإعلام وصناعة المال، وتأثير ذلك على تفاعلهم مع الدولة كمقدم الخدمات وجودتها أو المشاكل والصعوبات التى تواجههم. لذلك يتراوح وعى المواطن بين الصفرى والجزئى والكلى والشامل، سواء على مستوى وعيه بالمجتمع، والدولة، ومشروعاتها، وسياستها، وعلاقتها بالمواطن، أو فى علاقة وعى الأخير بوجوده فى الدولة ودوره المتوقع، وما يقدمه، وإلمامه بالمتغيرات المحيطة.
يظهر ذلك بوضوح فى علاقة المواطن بدول البقاء والاستمرار والتنمية أو الازدهار، بما يجعله يتفاعل مع كل نوع حسب وعيه وتأثره واستفادته منه. فمثلا هناك فرق بين وعى مواطن البقاء مثل لبنان وليبيا واليمن، ومواطن الاستمرار كأغلب دول أفريقيا، ومواطن التنمية مثل السعودية والإمارات وقطر. هذا الوعى متبادل بين ما يعيه ويؤمن به المواطن من نوع دولته، وبين ما تنجح الدولة فى إقناع المواطن به بالشفافية وإشراكه برؤيتها الاستراتيجية، فأقيم ما فى دول التنمية حكمها بمشروع تنموى موحد.
لذلك؛ أؤمن بظلم مشروع وشعار (تحيا مصر)، كمفهوم عميق لدولة التنمية والازدهار، يتجاوز تأسيسه فقط على أعمال الحكومة، لحتمية معاملته كمشروع لـ(تحيا مصر فى وعى مصر والمصريين)! وهو ما جعل الدولة تنفذ مشروعاتها بجدية، بدون كود لتوحيد وعى المواطنين تجاه المشروع بإنجازاته، وصعوباته، وتكلفته، ومناهج تنفيذه! لتصادف وعيا صفريا وجزئيا للمواطن، باختلاف مراحله العمرية وصفاته المختلفة المذكورة.
يمكن تدبر هذا الظلم بتعامل المواطن مع مفهوم مؤتمر المناخ بشرم الشيخ نوفمبر 2022 لتفعيل مفهوم تحيا مصر للدولة وللمصريين! كحدث عالمى بمصر، يتعاصر مع حرب روسيا وأوكرانيا، كخليفة لمأساة كورورنا عالمية الأثر باقتصاد العالم، وتخلخل أوروبا ورعبها من شتاء 2023، وأزمات الطاقة العالمية، وازدهار سعودي غير مسبوق، وتنمية إماراتية مستمرة، وشبح كساد عالمي، أزمة غذاء معلنة، واستئساد الصين، وفوران المغرب العربي، وتقنبل سد النهضة، وتعويم الجنيه، وغلاء الشارع، وارتفاع سعر الفائدة وغيرها من معطيات قاصمة، ومع ذلك تنجح مصر باستضافة المؤتمر كحدث عالمى به 197 قائدا عالميا ومئات الشركات، بما يغنمها زخم من المكاسب السياسية والاقتصادية والسياحية، وينعكس حتما على شعبها اجتماعيا وتنمويا. حدث عالمى بهذا الحجم والثقل والمضمون، لن يأتى لدولة فاشلة أو مهددة أو غير ذات تأثير وتنسيق واستراتيجية دولية متعددة الأطراف.
لا شك أن تفتت الوعى الذاتى والجمعى بمفهوم مشروع (تحيا مصر) الحقيقي، من الوعى الصفرى للكلى (فلا يوجد وعى شامل بما يجري)، يجعل تفاعل المواطن حرج وضعيف ومعزول عن رؤية الدولة لمصر الجديدة، كنتيجة لانفصال جزر الوعى بالشارع وغياب (كود) للمشروع، فثماره تخبط، وتآمر، وتشرذم، وفتى غير محمود، فهل يقابل حدث عالمى بهذا المستوى يعاصر هذه المعطيات، دعوة مريضة للنزول 11/11؟ المسؤولية مشتركة بين الإدارة والشارع، فى تمييع الوعى الجمعى للمصريين بترك مقوده فى يد إعلام وسوشيال ميديا غير مرشد، ووعى مشوش لقطاعات تنظم حياة المواطن، بدون تعميق وتوحيد ووعى حقيقى بمشروع (تحيا مصر) لنهضة مصر الجديدة!
انفصال وضبابية وعى الشارع عن أهداف مشاريع تحيا مصر فى زمن اقتصاد الحرب، جعل الدولة بجانب والمواطن بجانب، واستمرار المنظومة بهذا النمط ستعرض كل الإنجازات لأزمات غير مأمونة. من هنا كانت أهمية التفكير فى «وزارة الوعى المصرى» كاستلهام لفرنشايز النجاح، ومحاولة لإنعاش الوعى المصرى بدرجاته وطبقاته، ومحاولة تصميم كود لمشروع (تحيا مصر) فى وعى المصريين، خارج وعى الإعلانات واللافتات.
* محامى وكاتب مصرى