Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

عمال المحاجر بجبل «عتاقة» بين موت محقق ومستقبل مجهول

عمال المحاجر بجبل «عتاقة» بين موت محقق ومستقبل مجهول
جريدة المال

المال - خاص

10:19 ص, الأثنين, 22 أبريل 13

سعادة عبدالقادر

يخرجون كل صباح من منازلهم «الكرفانات» التى هى فى الأساس رفات لشاحنة نقل وقعت ضحية حادث توضع لهم وسط الجبال أماكن عملهم كمنزل للمعيشة، رأسمالهم قوة العضلات وطول النفس يموت الواحد منهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء، يطلقون على أنفسهم «عمال المحاجر» أصابهم مؤخرا ما أصاب فئات شتى من كساد وبطالة ومجهول تحيط بهم من كل جانب.

 

ونتيجة توقف وانخفاض نسبة العمل فى مشروعات البناء والتشييد أثرت بالسلب على قطاع عريض لم تشعر به الدولة وغير مدرج فى حساباتها هم عمال المحاجر الذين يعملون فى مجال مواد البناء مثل الرخام والجرانيت والحصى والرمال والزلط وغيرها، تبدلت أحوالهم من سيئ الى أسوأ، حيث لا يجدون شربة الماء النظيفة لتصل اليهم مكان عملهم فى بطون الجبال ولا من يسعفهم فى حالة إصابتهم أثناء العمل ولا من يؤويهم حال طردهم من عملهم لكونهم يعملون دون عقود ولا تأمينات، رغم كثرة المخاطر التى تطاردهم فى كل لحظة.

رحلة الوصول الى محاجر الرخام فى قلب جبل عتاقة تبدأ بمجرد أن تذهب الى مدينة السويس وتدخل فى عمق الصحراء لمسافة 30 كيلومترا، تستغرق ساعة ونصف الساعة على الأقل من السير وسط التلال الرملية فى مدقات شديدة الوعورة، ومن السهل أن تضل طريقك وسط الصحراء، لذلك تجد على قمم التلال علامات عبارة عن إطارات سيارات متهالكة وضعها السائقون كى يهتدوا من خلالها للطريق، ذهبت «المال» اليهم لتنقل شكواهم الى حكومة تجاهلت الفقراء والعمال ولم تلتفت لمعاناتهم.

يقول جمعة حسن، أحد العمال بمحجر حصى بناء بجبل عتاقة إن الجبل يضم ما لا يقل عن 70 محجرا مختلفة الانتاج لمواد البناء بها 10 آلاف عامل أغلبهم من الصعيد خاصة محافظات سوهاج والمنيا وأسيوط، لأن العامل الصعيدى قدرته على التحمل عالية ويرضى بالقليل، – كما يقول جمعة – إضافة الى أنه يستطيع التأقلم مع العيش فى الصحراء بسهولة، مشيرا الى أن مشكلة عمال المحاجر تكمن فى أن أغلب العمال لا يستطيعون مواصلة العمل فى المحاجر لفترات طويلة، لأنهم سرعان ما يصابون بالأمراض منها حساسية الصدر والأمراض التنفسية المزمنة.

وأضاف أن من بين المشكلات التى تواجه عمال المحاجر فى الجبال صعوبة الحصول على الماء الصالح للشرب والذى تجلبه السيارات التى تأتى لشحن حصى البناء من الجبل والتى تكون محملة بـ5 براميل ماء على الأقل يتم تقديمها الى العمال وترحل بمثلها فارغة.

يحكى محمد السيد، فنى صيانة المعدات بالمحجر والذى يعمل طوال 12 ساعة، أنه يعمل فى هذا المحجر منذ 7 سنوات وطوال هذه الفترة لم يكن لديه ما يثبت حقه عند صاحب العمل، ومعرض فى أى وقت الى الطرد وتشبه حاله حال عامل اليومية، علاوة على أن العديد من العمال الذين يعملون تحت إشرافه فى أعمال صيانة معدات المحجر معرضون بشكل يومى الى إصابات خطيرة تتمثل معظمها فى بتر الأطراف وربما الوفاة، وخلال حدوث ذلك لا تجد نقطة إسعاف قريبة من مكان المحاجر لتنقل المصاب الى مستشفى أو إسعافه مما يجعله عرضة للوفاة ويكون رد فعل صاحب العمل فى مثل هذه الحالات أنه يتبرأ من العامل المصاب ولا يقدم له أى دعم مادى أو معنوى، ولا يستطيع العامل إثبات حقه لدى صاحب المحجر لعدم وجود عقد عمل مبرم بينهما ولا تأمينات اجتماعية ولا صحية، مما يجعل المستقبل بالنسبة له ولأسرته من بعده محاطاً بالخوف من المجهول.

ولفت الى أن أحد العمال فى المحجر الذى يعمل به أصيب بشظايا حديدية فقد على إثرها إحدى عينيه أثناء صيانة إحدى المعدات وتضررت عينه الأخرى ولم يقدم له صاحب العمل أى دعم مادى على الرغم أنه أصيب فى العمل وقام بإجراء عدد من العمليات وبعد شفائه حاول الرجوع للعمل فى المحجر من جديد ولكن كأمين مخازن، لكونه لا يقدر على العمل القديم لكن صاحب العمل رفض عودته وانضم لصفوف العاطلين ولا يقوى على أى عمل آخر.

فى السياق نفسه، اشتكى مدحت أحمد، أحد سائقى لوادر التحميل، من إصابته بأمراض فى التنفس والرئتين نتيجة البودرة التى تخرج من خطوط تكسير الصخر وانتاج حصى البناء ويستنشقها من يوجد فى المكان أثناء تأدية عملهم بالمحجر.

واستطرد بأنهم غير مؤمن عليهم ومن يصاب منهم بأذى يتم وقفه عن العمل، موضحا أنه منذ أسبوعين سقطت حجارة عليهم من فوق سفح الجبل وأصيب العديد من العمال نتيجة عدم سرعة نقلهم الى المستشفى ومات اثنن منهم، ولخص المأساة بقوله: نحن نعيش فى عملنا بالمحاجر على كف عفريت بين نارين إما الإصابة والموت وإما الطرد من العمل.

وأضاف أنه بالرغم من حجم المخاطر التى يلقاها عمال المحاجر فإن أجورهم منخفضة جدا ولا تتناسب مع مخاطر عملهم لكونها تأتى على النحو التالى 950 جنيه، للعامل المبتدئ و4 آلاف جنيه رواتب المهندسين و1500 جنيه للعامل الذى أمضى على عمله ثلاث سنوات بالمحجر و3 آلاف جنيه راتب سائقى اللوادر والأوناش والفنيين.

فى المقابل قال أحمد بهاء، أحد عمال تشحيم المعدات، إن أماكن المعيشة فى المحاجر غير آدمية لكونها عبارة عن كرفانات كانت فى الأصل سيارات دمرت فى حوادث، تبدو من الخارج صدئة ومتآكلة وتكفى بداخلها لنوم 7 أفراد، أما بالنسبة للحمام فمكانه فى الصحراء الواسعة حيث لا يوجد مكان مجهز.

وأضاف أن أماكن الاستحمام التى يلجأون اليها بعد يوم عمل طويل قد كست خلاله البودرة الناعمة والغبار أجسادهم ووجوههم عبارة عن صندوق من الصفيح لا تتجاوز مساحته المتر المربع، ورغم ذلك فقد استطاع العمال أن يخصصوا مكانين أحدهما كرافان ضيق جدا تفوح منه رائحة الطعام المتعفن يستخدم كمطبخ، امتزج الغبار بكل شىء فيه والآخر استغلوه كمكان للمسامرة والترفيه وشرب الشيشة.

من جانبه قال محمد أحمد، محاسب بالمحجر، إنهم يقضون يومهم بين الجبال الموحشة، حيث مكان عملهم فى المحاجر والتى امتلأت بعد الثورة بالبلطجية وقاطعى الطريق ممن يأتون بشكل يومى لجمع الإتاوات من المحاجر تحت تهديد السلاح وفى غياب تام للأمن بتلك الأماكن الوعرة ومن لا يدفع يتم إيقاف معداته بالقوة عن العمل، علاوة على أنهم يقومون بجمع الإتاوات من السيارات التى تمر فى المدقات الجبلية والذاهبة الى المحاجر لتحميل شحناتها والعودة بها الى المصانع أو أماكن البناء، مما يجعلهم يتخوفون من السير والعمل ليلا لذا تم تقليص العمل لدى السيارات للثانية ظهرا، وتنقطع عن العمل مع ذهاب أول ضوء للنهار، مما أضر بالعمل وتم على إثر ذلك تخفيض عدد العاملين بالمحجر.

جريدة المال

المال - خاص

10:19 ص, الأثنين, 22 أبريل 13