عبقرية محمد

9:40 ص, الأحد, 17 أبريل 16

جريدة المال

المال - خاص

9:40 ص, الأحد, 17 أبريل 16

استكمل الأستاذ العقاد حديثه عن العناصر الحاضنة التى خرج منها محمد عليه السلام، القبيلة والبيت، والأب. فقال عن القبيلة، والمعنى قريش، إنها كانت آنذاك شعبتين: إحداهما من أصحاب الترف والطمع، والأخرى من أصحاب التقوى والسماحة والتوسط بين مقام القوى الذى يجور ويطغى ويستبقى أدوات الجور والطغيان، ومقام الضعيف الذى يحتمل الأذى ويصبر.
ومن تلك الشعبة الوسطى، التى امتازت بكرم النسب العريق، وليس لها لؤم الثروة الجامحة والكبرياء الجائحة.. جاء محمد عليه السلام من بيت عبد المطلب.. من صميم قريش ومن ذؤابتها العليا، وإن لم يكن من أثريائها.

وكان رأس هذا البيت: عبد المطلب.. قوى الخلق قوى الإيمان فيما آمن به..

نذر لئن عاش له عشرة بنين لينحرنّ أحدهم عند الكعبة، ثم أحله قومه وأحلته العرافة، فأبى إلاَّ أن يستوثق من رضا الرب، وظلوا يضربون القداح على عشرة إبل حتى بلغوا مائة من الإبل فخرجت القداح عليها ونجا الفتى، ومع ذلك أبى إلاَّ أن يعيد القداح ثلاث مرات لمزيد من الاستيثاق من أن الفداء قد قبل، ثم نحرت الإبل للجياع والفقراء..

وجاء أبرهة القائد الحبشى يهدم الكعبة ويسطو على الإبل والشاء، فيسأله عبد المطلب أن يرد إليه إبله، فلما داوره القائد بأنه يراه يسأل عن الإبل ولا يسأل عن الكعبة، يقول له عبد المطلب: للبيت رب يحميه.

فكان إيمانه كفئًا لدهاء السياسة، ولم يكن إيمان العجز والتواكل..

فليس من عجب أن ينجب نبيًّا من كان له هذا الخلق، وهذا الضمير، وهذا الإيمان، وهذه الرئاسة.

●●●

وإذا كان عبد المطلب جدًّا صالحًا لنبى كريم، فإن ابنه عبد الله كان نعم الأب لهذا النبى الكريم.. ولكأنما كان بضعة من عالم الغيب، وإنسانا من طينة الشهداء، يتجه إلى القلب الإنسانى بكل ما فيه من حب وحنو ورحمة..

●●●

وفى عالم يتطلع إلى نبى، وأمة تتطلع إلى نبى، ومدينة تتطلع إلى نبى، وقبيله وبيت وأبوان أصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبى.. جاء الرجل

رجل لا يشاركه رجل آخر فى صفاته ومقدماته، ولا يدانيه رجل آخر فى مناقبه الفُضلى.. نبيل عريق النسب ليس بوضيع، فقير.. وليس بالغنى المترف فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء.. يتيم بين رحماء، لا هو بالمدلل، ولا هو بالمهجور أو المنبوذ الذى تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وفضيلة العطف.

رجل خبير بكل ما خبره العرب من ضروب العيش فى البادية والحاضرة، تربى فى الصحراء، وألف المدينة، ورعى القطعان، واشتغل بالتجارة، وشهد الحروب والأحلاف.. اقترب من السراة، ولم يكن بعيدًا عن الفقراء..

هو إذن خلاصة الكفاية العربية فى خير ما تكون..

أو هو باختصار أصلح رجل من أصلح بيت فى أصلح زمان لرسالة ترقبها للنجاة المأمولة من تيه الشرك والضلال..

ذلك محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام..

قد ظهر والمدينة مهيأة لظهوره ومحتاجة إليه، والجزيرة مهيأة لظهوره ومحتاجة إليه، والدنيا بأسرها مهيأة لظهوره محتاجة إليه.

وقد كانت هذه وتلك من علامات الرسالة لمن يبحثون عن العلامات..

وتجمعت علامات الرسالة الصادقة لعقيدة تحتاج إليها الأمة وتحتاج إليها الإنسانية..

خُلِقَ محمد عليه الصلاة والسلام ليكون رسولاً نبيًّا مبشرًا بدين ربه، ورشحته أخلاقه، مثلما رشحته المقدمات والتوفيقات، والمناقب والصفات ليحمل أمانة هذه الرسالة التى أرادها الله هداية للبشرية.

وقد اجتهد الباحثون والمؤرخون فى استقصاء بشائر هذه الرسالة، وربما كانت البشرى العميقة هى صدوع النبى للرسالة، ونهوضه للقيام بها.. كانت هناك علامات ومقدمات وبشائر وأمارات، لم يدرك من شهدوها مغزاها فى أوانها، ولكن أتت الإجابة بعد أربعين سنة، فبدأت تتجلى لمن أراد الفهم علامات لم يدركها مستقبلوها فى أوان ظهورها، ولكن صادقتها الأيام حين نهض الرسول المصطفى عليه السلام ليقوم بأعبائها، تلبيةً لتكليف ربه..

مجمل القول قبل أن ينتقل الأستاذ العقاد للحديث عن «عبقرية الداعى» أن الدنيا كانت فى حاجة إلى رسالة، وقالت حقائق التاريخ ان محمدًا كان صاحب تلك الرسالة، ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ:

(يتبع)

جريدة المال

المال - خاص

9:40 ص, الأحد, 17 أبريل 16