عبقرية الإمام 19

رجائى عطية

11:53 ص, الأحد, 21 مايو 17

رجائى عطية

رجائى عطية

11:53 ص, الأحد, 21 مايو 17

فى مسألة طلحة والزبير

التقدير فى مسألة طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام أيسر فيما يرى الأستاذ العقاد من التقدير فى مسألة معاوية وولاة عثمان فى الأمصار.

فالآراء المقابلة أو المخالفة لما ارتآه الإمام، تدور على ثلاثة اتجاهات.

أولها. أن يوليهما العراق واليمن، أو البصرة والكوفة.
ولم يكن هذا الراى بوجيه، لأن العراقين بهما الأموال والرجال، ولا تؤمن العاقبة لمن أظهرا هذا الطموح إذا تملكا رقاب الناس وجعلا يستميلان السفيه بالطمع ويضربان الضعيف بالبلاء، ويقويان على القوى بالسلطان الذى صار لهما، ثم ينقلبان وهما أقوى على علىٍّ الذى أضمرا الانقلاب عليه!

وثانيها. أن يوقع بينهما ليفترقا ولا يتفقا على عمل. وهذه «الوقيعة» المقترحة لا تنجح إلاَّ بإعطاء أحدهما وحرمان الآخر.

ولكن من أعطاه لا يضمن انقلابه مع الفرصة السانحة..
ومن حرمه لا يأمن أن يهرب إلى الأثرة فيهرب كما هرب غيره ليساوم معاوية فى الشام عن ثمن انضمامه إليه فيما يشنه على الإمام. فإنْ بقى فى المدينة فإنه سيبقى على ضغينة لن يعوزها الدس والتأليب!

وفضلاً عن هذا، فإن الاثنين لم يكونا متفقين تمام الاتفاق حتى يشرع الإمام فى «الوقيعة» بينهما. فلم يكونا على اتفاق حتى فى مسيرهما من مكة إلى البصرة، ووقع بينهما فى عسكرهما الخلاف على مَنْ منهما يصلى بالناس.

ثم إن المحنة بهما متفقين أو مختلفين لم تطل إلاَّ أيامًا قليلة، انهزما فيها وخرج الإمام أقوى منعة مما كان قبل هذه الفتنة.

وكان الرأى الثالث أن يعتقلهما أسيرين، ولا يبح لهما الخروج من المدينة إلى مكة حين سألاه الإذن لهما بالمسير إليها.

والواقع الثابت أن الإمام قد استراب فعلاً فى نواياهما، وقال لهما: «ما العمرة تريدان، وإنما تريدان الغدرة !»

بيد أن حبسهما لا يغنى فى شأنهما، ولا يغنى عن حبس غيرهما ممن غلبتهم الدنيا وداعبتهم أحلام عطايا معاوية فى الشام. بل وربما أدى حبسهما كرهًا إلى تعاطف سواد الناس معهما، فتضطرب أكثر عوامل الفتنة، والخير فى هذه الظروف لمن أضمر العصيان أن يعلنه، فذلك أجدى للتعامل مع واقع الأمور.

وعلى ذلك، فليس فى وسع أحد أن يجزم متحققًا بأن الإمام أخطأه التوفيق أو حسن التقدير فى مسألة طلحة والزبير.

● ● ●

أما عزل «قيس بن سعد» من ولاية مصر، فهى فى نظر الأستاذ العقاد غلطة يقل الخلاف فيها.

لأن قيس كان أقدر أصحاب علىّ على ولاية مصر وحمايتها، وكان كفؤًا لمعاوية وعمرو بن العاص فى الدهاء والمداورة.

ولكن الإمام عزله لأنه شك فيه، وكان الشك ثمرة ألاعيب وخدع معاوية الذى أشاع مدحه بين أهل الشام، ودس دسًّا مقصودًا جعل يذيع أنه من المتآمرين معه العاملين فى السر بأمره!

وزاد على ذلك أن أصحاب علىّ جعلوا يحرضونه على عزله، وهو يستمهلهم ويراجع رأيه فيه، ولكن تجمعت للأسف شبهات رجحت الشك، فعزله الإمام وهو غير واثق من التهمة، وغير واثق كذلك من براءته منها!

ولم تكن الشبهات المثارة بالقليلة ولا بالضعيفة، وربما تسبب قيس بن سعد فى بعضها، على أن الشبهة التى أثيرت حول مشورته على الإمام أن يتريث فى أمر العثمانيين بمصر الذين تخلفوا عن البيعة، وأن يدعمهم ما داموا لا يتحركون ضده بشر، استبان مع الأيام، أنها كانت مشورة صائبة.

إلاَّ أن شك الإمام تزايد حين أصر قيس على رأيه، وحين ذاع أن معاوية بعث إليه بغريه بمناصرته والخروج على الإمام، فكتب إليه ردًّا لا هو إلى الرفض ولا إلى القبول، وهو ردٌّ قد يحسبه البعض مراوغة لمعاوية، وقد يحسبه البعض ترقبًا لما تأتى به الأيام بين الخصمين.

وقد جاء فى رد «قيس» عبارة تقول: «…. أما متابعتك فانظر فيها، وليس هذا مما يُسْرع إليه وأنا كاف فلا يأتيك شىء من قبلى تكرهه، حتى نرى وترى».

ولست أستبعد شخصيًّا أن يكون معاوية قد تعمّد تسريب هذا الرد ليزيد الشكوك فى «قيس»، ويوقع بينه وبين الإمام.

وقد أبانت الأيام صواب رأى قيس حين استبدله الإمام بمحمد بن أبى بكر، فعجل بمواجهة المتخلفين عن البيعة، فكانت النتائج مصداقًا واضحًا لصواب رأى قيس بن سعد.

إذن، فهى غلطة لا ريب فيها.

وقد عرف الإمام خطأه فقال لبعض صحبه: «إن مصر لا يصلح لها إلاَّ أحد الرجلين : هذا الذى عزلناه (ويقصد قيسًا)، والأشتر». وأتبع ذلك بإنفاذ الأشتر إلى مصر ليعيدها إلى طاعته، ولكنه مات فى الطريق، وقيل إنه مات مسمومًا بتدبير معاوية الذى قال يومها:

 «إن لله جنودًا من العسل».

على أنه إنْ صحت هذه القالة، فإنها ليست دليلاً على ضعف سياسة الإمام الذى أنفذه بالفعل إلى مصر، مقدرًا تقديرًا صائبًا أنه يصلح لسياسة الأمور فيها.

رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com

رجائى عطية

رجائى عطية

11:53 ص, الأحد, 21 مايو 17