تواجه استثمارات الطاقة النظيفة والأهداف المناخية خطراً جديداً وسط تعرُّض الحكومات في أمريكا وأوروبا لضغوط خفض الإنفاق وتضييق العجز، كما يقول المحللون الاستراتيجيون والاقتصاديون.
الضغوط السياسية لخفض الإنفاق آخذة في الازدياد، إذ تخطط المملكة المتحدة لرفع الضرائب وخفض الميزانية سعياً لتحقيق الاستقرار في ماليتها العامة. وفي الولايات المتحدة، تنذر الأغلبية الجمهورية الضيقة في مجلس النواب بحدوث مواجهة بشأن الإنفاق. وحتى البرازيل، التي انتخبت لتوّها لولا الصديق للبيئة رئيساً للبلاد، حريصة على تحقيق “الاستقامة المالية”.
توجه الحكومات في أمريكا وأوروبا
يمكن أن تبدو الطاقة المتجددة مكاناً سهلاً لخفض التكاليف. على الرغم من أن مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية تخفض تكلفة الطاقة بشكل كبير على الأمد الطويل، فإنها تتطلب تكاليف مقدمة كبيرة. حتى المشاريع الممولة من القطاع الخاص غالباً ما تعتمد على الالتزامات العامة. كما تصبح التعهدات المالية التي قطعتها الدول الغنية بدعم الطاقة النظيفة في العالم النامي عملية بيع سياسية أصعب عندما يتعامل الناخبون مع التضخم داخل البلاد.
من جهته، قال إريك بيرغلوف، كبير الاقتصاديين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية: “عندما تكون مقيداً بموارد الاستثمار، تكون مصادر الطاقة المتجددة في وضع غير مُوات”، مشيراً إلى أن هذا الأمر سيشكل صراعاً في نهاية المطاف.
خلال الأسابيع الأخيرة، اكتسب تمويل الانتقال إلى الطاقة الخضراء في العالم زخماً ملحوظاً، مع عقد اتفاقات جديدة خلال قمة المناخ “كوب 27” المنعقدة في مصر، وخلال قمة مجموعة العشرين في بالي. يتوقف اتباع الدول الأخرى لهذا المسار على مدى استعداد البلدان الغنية لمواجهة مرحلة ما بعد التضخم في الأمد القريب، والسياسة النقدية الأكثر تشدداً، والتقلبات في قيمة العملة.
الانتقال إلى الطاقة المتجددة
بينما تعاني بعض الأسواق المتقدمة لتحقيق التوازن في ميزانياتها الحكومية، يمكن أن تضاف المشكلات المالية إلى السياسة النقدية الأكثر تشدداً مع ارتفاع تكاليف التمويل، ما يؤدي إلى إبطاء الاستثمارات في الطاقة الخضراء التي تشهد طلباً كبيراً”، وفق تقرير “بنك أوف أمريكا.”
تراجعت إصدارات الديون المستدامة بأكثر من 30% هذا العام مقارنة بعام 2021، وفقاً لبيانات “بلومبرغ إن إي إف” ، وقد يزداد الأمر سوءاً وسط المناخ المالي والاقتصادي الذي لا يرحم، فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 1.2% فقط في العام المقبل، ما يوازي تقريباً المستويات التي كان عليها في عام 2009، عندما كان العالم لا يزال يخرج من الأزمة المالية العالمية، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
وفي الوقت نفسه، يحفز ارتفاع أسعار الطاقة هذا العام التزاماً أكبر بالانتقال إلى الطاقة المتجددة على المدى الطويل، كما قال غرانت ميتشل، الشريك في الاستراتيجية والمعاملات في “إرنست ويونغ” (EY).
وأضاف: “يمكن للرؤساء التنفيذيين الذين يشهدون تضخم أسعار الطاقة أن يقوموا بعدد كبير من البحوث والدراسات لاختيار أنظمة الطاقة والأسواق التي يريدون اعتمادها في غضون 10 سنوات”، مشيراً إلى أن التركيز على الانتقال إلى الطاقة النظيفة يمكن أن يزيد في هذه الفترة.
الحاجة إلى التمويل
يتطلب الابتعاد عن الوقود الأحفوري الذي يسبب ارتفاعاً في درجات الحرارة وبناء القدرة على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ، مزيداً من التمويل، لا أقل. أشارت الأمم المتحدة إلى أن هذه الخطوة ستتطلب 125 تريليون دولار لتحقيق أهداف 2050 التي حددها اتفاق باريس. وتقدر “سويس ري” تكلفتها بنحو 270 تريليون دولار.
في تقرير صدر في نوفمبر، أشار “سيتي بنك” إلى مدى أهمية الدعم العام لجذب رأس المال الخاص، مدافعاً عن الضمانات والقروض منخفضة الفائدة وأنواع أخرى من الضمانات للمستثمرين الخارجيين. وفي حال خفض القطاع العام دعمه لمشاريع الطاقة المتجددة في الداخل أو المساعدات المخصصة للمناخ في الخارج، سيطال ذلك بدوره التمويل الخاص.
في هذا الإطار، أشار نويل كوين، الرئيس التنفيذي لبنك “إتش إس بي سي” ، في منتدى “بلومبرغ” للاقتصاد الجديد في سنغافورة في 16 نوفمبر، إلى أن بعض المشاريع تعتمد بشكل كبير على سياسة الحكومة المعتمدة، مضيفاً: “هل من اتفاق بين الأطراف؟ هل هو مستدام؟ هل سيصمد في ظل تغيير الإدارة؟ وهل يحتاج هذا النوع من المشاريع، لا سيما في الأسواق النامية، إلى مزيج من تمويل القطاع العام والخاص؟ لا يمكن لهذه المشاريع الصمود بمفردها”.