صناعة المؤامرة

1:18 م, الخميس, 11 سبتمبر 14

جريدة المال

المال - خاص

1:18 م, الخميس, 11 سبتمبر 14

ليلى حافظ:
 
نظرية المؤامرة ليست شيئاً جديداً، ولا تتركز فى منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكنها قديمة قدم التاريخ وأحد مؤسسيها رجل السياسة الإيطالى الداهية، ماكيافيللى، الذى عاش فى فلورنسا ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر؛ وذلك لأن الدول الكبرى والعظمى لا يمكن أن تترك الأمور تسير حسب المصادفة وأهواء الشعوب والحكومات؛ فان كان لها مصلحة فى دولة ما، أو ضد دولة ما، فهى تضع الخطة للسيطرة على الأمور فيها وتوجيهها لمصلحتها.

ولكن هناك دائما شريكين للمؤامرة، الشريك الاكبر الذى يضعها ويخطط لها، والشريك الأقل الذى ينفذها، وهو عادة الجانب الذى يتلقى المال من أجل تنفيذها.

وفى دراسة للكاتب الأمريكى ريتشارد ك مور، الذى قرر فى عام 1994، أن يترك عمله فى مجال الكمبيوتر فى «سيليكون» فالى بالولايات المتحدة، وانتقل للإقامة فى إيرلندا من أجل – كما يقول – أن يبدأ العمل الحقيقى، وأن يحاول أن يفهم كيف يعمل العالم وكيف يمكن أن نحسن أداءه، أشار المفكر إلى أن من بين المؤامرات التى خططت لها وكالة المخابرات المركزية الامريكية تشكيل حركة الجهاد من أجل خلخلة النظام السوفيتى السابق، وذلك من خلال إغراق الاتحاد السوفيتى فى مستنقع أفغانستان، ولقد نجحت الولايات المتحدة فى تحقيق الهدف. وبدأت حركات الجهاد الإسلامى المختلفة تظهر فى أكثر من مكان، مثل طالبان ثم القاعدة وجيش تحرير كوسوفا، وأخيراً داعش أو الدولة الإسلامية فى العراق والشام، وغيرهم كثير.

ويقول ريتشارد مور إن تلك الحركات كانت أداة مهمة فى تحقيق أهداف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الاستراتيجية فى خلخلة النظم المختلفة التى قررت الوكالة القضاء عليها. كما أن تلك العمليات كانت مبررا للتدخل العسكرى الأمريكى فى تلك الدول، كما رأينا ما حدث فى أفغانستان ثم العراق وأخيراً ليبيا، بينما تتزايد التهديدات الامريكية بالتدخل فى سوريا.

ويشرح ريتشارد مور نظرية تشكيل نظام العقيدة الذى يسيطر على الحركات الجهادية، فيقول أن هناك دائما خصائص معينة عامة تتشارك فيها تلك الحركات؛ فيظهر من بين الحركة شخصية تتسم بالكاريزما، تبث الثقة وتطالب الاعضاء بالولاء لها. كما أن هناك دائما فكراً سواء سياسياً أو دينياً، ينضم اليه اعضاء الحركة أو العقيدة، ويميزهم عن الآخرين خارجها؛ بينما تقوم الحركة ببث الرعب فى نفوس الاعضاء حول وجود خطر خارجى يهدد الحركة واعضاءها، مما يدفع الاعضاء إلى التماسك بينهم وبين بعض. ومن أجل ربط الاعضاء بالجماعة أو الحركة يفرض عليهم تقديم تضحيات، وتلقى تدريب معين يقوى إيمانهم بالحركة، ويصبح من الصعب التخلص منها فيما بعد.

هذا التوجه ليس بالضرورة يتم داخل حركة دينية أو عقيدة، فهناك نظم سياسية تعمل على إغلاق عقول شعوبها بالكامل أو الغالبية العظمى منها، على أفكار محددة موجهة لمصلحة النظام. وهكذا يرفض هذا المجتمع التعامل مع المجتمعات الاخرى، بل وينمو داخله كراهية عنيفة ضدها. كما يحدث نفس الشىء بين أحزاب الدولة الواحدة، خاصة أن كانت سياسة الدولة تقوم على حزب واحد أو حزبين.

ومن أجل إنجاح المؤامرة يصر المخططون دائما على انكار وجود «نظرية مؤامرة»، بل واتهام هؤلاء الذين فكروا خارج الصندوق، وتحسسوا وجود مؤامرة، بأنهم يقعون تحت سيطرة فكر معين غير موجود أصلاً، ولكن فى النهاية، العبرة فى كيف يمكن التصدى لتلك المؤامرات التى تستهدف بلادنا، قبل أن نقع فى المستنقع؟

جريدة المال

المال - خاص

1:18 م, الخميس, 11 سبتمبر 14