صدمة «كورونا» ترجح زيادة أعداد الجوعى فى العالم بين (40 إلى 60) مليوناً

بعد أن وصل عددهم إلى 820 مليون نسمة قبل ظهور الوباء

صدمة «كورونا» ترجح زيادة أعداد الجوعى فى العالم بين (40 إلى 60) مليوناً
خالد بدر الدين

خالد بدر الدين

8:30 ص, الأثنين, 25 مايو 20

يتوقع خبراء البنك الدولى أن بين 40 إلى 60 مليون شخص مرجح سقوطهم تحت خط الفقر الشديد خلال الأشهر المقبلة، تبعًا لحجم الصدمة الاقتصادية التى تجتاح العالم بسبب وباء فيروس كورونا الذى انتشر فى 220 دولة، وتسبب فى خسائر فادحة فى معظم القطاعات الصناعية فى الدول المتقدمة والنامية.

كان 820 مليون شخص على مستوى العالم يعانون بالفعل من نقص التغذية قبل الأزمة الصحية الراهنة منهم 135 مليونا يعانون من انعدام شديد فى الأمن الغذائى وفقًا لوكالة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التى أكدت أن الجوع انتشر بشكل صادم فى السنوات الأخيرة، ظهرت بالفعل تقارير عن موجة من سوء التغذية من المتوقع أن تدوم أشهر طويلة بسبب مرض كوفيد-19 المميت الذى تسبب فى وفاة ما يقرب من 400 ألف وإصابة نحو 5 ملايين حول العالم.

ذكرت وكالة رويترز أن هناك الكثير من العوائق الجديدة أمام إنتاج الغذاء ونقله واستهلاكه، من بينها تعطل سلسلة الإمدادات الغذائية جراء وباء كورونا بصفة خاصة علاوة على تفاقم الآفات والأمراض مثل الجراد، وحمى الخنازير الأفريقية، والجفاف، ما دفع برنامج الغذاء العالمى للتنبؤ بمضاعفة انعدام الأمن الغذائى الحاد بحلول نهاية العام.

قال خبراء فى البنك الدولى إن تدابير احتواء الانتشار تسببت فى خسائر اقتصادية بين 1.7 إلى 2.6 تريليون دولار فى آسيا، و1.1 إلى 1.6 تريليون دولار فى الصين وحدها، بينما أكد البنك الآسيوى للتنمية أن القيود على السفر بالطائرات وإجراءات العزل العام ستخفض على الأرجح التجارة العالمية بين 1.7 إلى و2.6 تريليون دولار، وسيتم الاستغناء عن 158 إلى 242 مليون شخص من قوة العمل وهذا يعنى تزايد عدد العاطلين وبالتالى عدد الجائعين.

رغم ظهور بعض التوقعات الإيجابية بخصوص الأسعار العالمية للسلع الأولية الزراعية التى لا زالت مستقرة حتى الآن، ومن المتوقع أن تظل كذلك هذا العام على الأقل بفضل بقاء حجم الإنتاج والمخزونات لمعظم المواد الغذائية الأساسية عند مستويات قياسية أو قريبة منها، إلا أن هناك محاذير كبيرة من ضمنها عدم اليقين بشأن مدة وباء كورونا وشدته؛ واتجاه أسعار الطاقة والأسمدة؛ وتحركات العملة؛ والتغييرات فى سياسات الدعم التجارى والمحلى؛ والتعطل المحتمل فى سلاسل التوريد العالمية.

البنك الآسيوى يفند الخسائر

أكد خبراء فى البنك الآسيوى للتنمية، أن الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا تُقدر بما بين 5.8 إلى 8.8 تريليون دولار هذا العام، بارتفاع %200 عن تقديرات سابقة قبل انتشار الوباء فى الوقت الذى تتسبب فيه تدابير احتواء الفيروس فى شلل لمعظم الأنشطة الاقتصادية فى العالم.

يعد هذا التوقع المتشائم الصادر عن البنك الآسيوى للتنمية، الذى يعادل ما يتراوح بين %6.4 إلى %9.7 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، أسوأ من تقديراته الصادرة فى أبريل الماضى حين قال إن الاقتصاد العالمى مرجح أن يعانى من خسائر تتراوح بين تريليونى و4.1 تريليون دولار، ما يتوقف على طول المدة التى ستظل فيها تدابير الاحتواء سارية حتى يتم اكتشاف علاج أو مصل لهذا المرض الذى اجتاح العالم.

يرى الخبراء أن الحد الأعلى لنطاق الخسائر الاقتصادية يفترض استمرار القيود المفروضة على حركة الناس والشركات 6 أشهر، بينما يفترض الحد الأدنى أنها تستمر 3 أشهر بعد أن تسببت الأزمة الصحية الناجمة عن ظهور الفيروس فى ديسمبر الماضى فى توقف شبه تام لأنشطة الصين الصناعية قاطرة النمو العالمى طوال السنوات الماضية وصاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة بينما أعلنت عدة دول ومناطق عن ارتفاع فى حالات الإصابات والوفيات من فيروس كورونا، ما أدى إلى حظر واسع النطاق للرحلات الجوية وأوامر بالبقاء فى المنازل.

ما يؤكد على تزايد أعداد الجوعى فى العالم وانحسار الأمن الغذائى على المستوى الإقليمى، انتشار الجراد الذى ضرب 23 بلدا فى أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا، فى أسوأ أزمة منذ عشرات السنين، ما أدى إلى تدمير المحاصيل التى يعتمد عليها الملايين فى هذه المناطق الزراعية الفقيرة، مع اتجاه أسعار الأرز إلى الارتفاع فى الأسابيع الأخيرة بسبب ظروف الجفاف قبل تفشى الجائحة وتقييد الإجراءات التجارية، لكنها انخفضت فى الفترة الأخيرة بفضل جهود دول مثل فيتنام – ثالث أكبر مصدر للأرز فى العالم – التى رفعت الحظر المؤقت على التصدير.

أشار الخبراء إلى أن قضية استيراد الأرز مهمة ليس فقط لأن أفريقيا تستورد، لكن لأن الخبرة السابقة تظهر أن قيود التصدير يمكن أن تؤدى إلى تصاعد سريع فى أسعار الغذاء العالمية، التى تؤثر بشكل أكبر على البلدان الفقيرة كما حدث خلال أزمة أسعار الغذاء فى عامى 2008/2007، عندما تعرض ما يقرب من ثلث بلدان العالم للقيود التجارية وازداد عدد الفقراء بمقدار 150 مليونًا.

منع فرض قيود على الصادرات

انضم البنك الدولى إلى وزراء الزراعة فى مجموعة العشرين لمطالبة صانعى السياسات بالامتناع عن فرض قيود على الصادرات وكان لهذه الرسالة صدى، وتشير بلدان مجموعة العشرين وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى والاتحاد الأفريقى ورابطة أمم جنوب شرق آسيا إلى نواياها الإيجابية، تجاه التحديات غير مسبوقة التى يعيشها العالم حاليا بسبب وباء كورونا والتى تتطلب استجابة عاجلة خاصة بكل بلد.

تابعوا: “حال كان المزارع قادرًا على الزراعة والحصاد، إلا أنه بحاجة إلى إمكانية الوصول إلى المدخلات مثل الأسمدة والبذور وتمويلها، لكن التدابير الرامية إلى وقف انتشار الفيروس تعوق حركة العاملين والمهاجرين الذين يقومون بأعمال زراعية فى العديد من البلدان فى آسيا وأفريقيا”.

لذلك يتعين على الحكومات أن تسمح بحركة العمالة الداخلية والخارجية مع فرض بروتوكولات السلامة الصحية الجديدة، وتزويد العمال بالحماية والوقاية الكافية كما يرى خبراء الاقتصاد الذين يؤكدون على أنه يشكل أمرا حاسما فى الشهور المقبلة، لا سيما فى البلدان النامية، حيث الإنتاج الزراعى كثيف العمالة بدرجة أكبر، وبالتالى يمكن أن يكون للمرض والقيود المفروضة على الحركة آثار سلبية كبيرة على المحاصيل الزراعية الأساسية.

يطالب البنك الدولى بتسهيل وصول الإنتاج الزراعى إلى السوق وتحديد المواد الغذائية والمدخلات والخدمات ذات الصلة، على أنها سلع أساسية مع إعطاء الأولوية لوسائل النقل للتغلب على قيود الإغلاق، ما يعنى أن سائقى الشاحنات يحتاجون إلى أكثر من الضوء الأخضر لمواصلة العمل، مثل حاجتهم إلى الفنيين والخدمات ذات الصلة لمواصلة توصيل الأغذية إلى الأسواق.

ينطبق الشيء نفسه على المدخلات الزراعية وسيكون التدفق المستمر للبذور والأسمدة والأجزاء الميكانيكية – غالبًا عبر الحدود – أمرًا بالغ الأهمية خلال 6 إلى 12 شهرا المقبلة، مع تقديم الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة التى تزود المزارعين بمستلزمات الزراعة والحصاد ووضع سياسات تحميها من الانهيار كما أوضح خبراء البنك الآسيوى.

توفير الإمدادات الغذائية الأساسية

يأمل خبراء البنك الدولى أن تضمن الحكومات فى البلاد النامية إمكانية حصول الناس على الإمدادات الغذائية الأساسية مع توفير المال لديهم لشرائها لأن الغذاء يمثل فى المتوسط حوالى %60 من نفقات الأسرة فى البلدان المنخفضة الدخل و%40 فى اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية بينما أدى الركود الاقتصادى وفقدان سبل العيش سريعا بسبب وباء كورونا خلال الشهور الماضية من العام الجارى إلى اختفاء الأمن الغذائى لملايين البشر، لا سيما فى أفريقيا وآسيا وخصوصا حال ارتفعت أسعار المواد الغذائية.

يطالب الباحثون فى البنك الدولى بضرورة توفير شبكات الأمان الاجتماعى للفقراء والأكثر ضعفًا ضمن المرحلة العاجلة المقبلة، من مساعدات الطوارئ للتصدى لتداعيات أزمة وباء كورونا، وتعويض خسائر الدخل ودعم الشركات وتعزيز المرونة الاقتصادية.

تعانى البلاد النامية والفقيرة من محدودية الموارد وأن نسبة كبيرة من القوى العاملة والقطاع غير الرسمى من منتجى المحاصيل الزراعية والغذائية وتصل نسبتهم إلى %80 فى بعض البلدان الأكثر فقراً، لذلك من المنطقى إعطاء الأولوية لقطاعات الزراعة والأغذية فى تصميم برامج المساعدة.

كانت مجموعة البنك الدولى منذ منتصف أبريل الماضى تعمل بالفعل على تقوية الأنظمة الصحية والتخفيف من المخاطر الناجمة عن وباء كورونا فى 19 بلدًا فى البيئات الأشد هشاشة فى سائر مناطق العالم النامية، منها جمهورية الكونغو الديموقراطية، ومالى، والنيجر، إلى غينيا الجديدة، وهايتى، وأفغانستان، واليمن، والضفة الغربية، وقطاع غزة.

طلبت الحكومات المزيد من البلدان الدعم من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ويجرى حاليا وضع اللمسات النهائية على وجه السرعة على المزيد من العمليات لمساعدة البلدان النامية على تنفيذ عمليات صحية طارئة وتقوية وضعها الاقتصادى وحماية الأسر الأكثر فقرا والأولى بالرعاية، ومساندة منشآت الأعمال والحفاظ على الوظائف.

تهدف الخطة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة لمواجهة مرض كوفيد- 19 إلى محاربة الفيروس فى بلدان العالم الأشدّ فقراً، وتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان الأكثر ضعفا والأولى بالرعاية من خلال صندوق الأمم المتحدة للاستجابة لفيروس كورونا والتعافى منه الذى يساند البلاد منخفضة ومتوسطة الدخل لتجاوز هذه الأزمة الصحية والإنمائية التى تسبب فيها الفيروس، وتقديم الدعم فى الوقت المناسب للمساعدة فى منع مخاطر الصراعات التى مرجح أن تتفاقم حاليا بفعل الوباء والحد من انتشار العدوى.

تزداد صعوبة مكافحة فيروس كورونا على نحو مضاعف فى البلاد التى تشهد فيها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية حالة من عدم الاستقرار بسبب ضعف نظم الحوكمة ومؤسسات الدولة، وقلة فرص الفئات الضعيفة والأولى بالرعاية من السكان فى إمكانية الحصول على الخدمات إضافة إلى عدم ثقة المجتمعات المحلية فى حكوماتها.

التداعيات السلبية

تزداد الآثار السلبية لفيروس كورونا فى الدول التى تعانى من الصراعات العنيفة التى تؤدى إلى تفاقم انتشار الأمراض المُعدية، كما حدث مع عودة ظهور شلل الأطفال مؤخراً فى سوريا، وحالات تفشى الكوليرا فى مناطق الصراع فى اليمن، واستمرار وجود إيبولا فى المناطق الشرقية التى تعانى من انعدام الأمن فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، علاوة على تقليص الفرص أمام الأطفال والشباب وأشد الناس فقراً وضعف الأنظمة الصحية وتزايد تفشى الأمراض بين شعوبها.

أدت الأزمة الصحية العالمية الطارئة من تفشى فيروس كورونا إلى حدوث مخاطر أكثر حدة فى بلدان تعانى من الهشاشة والصراع والعنف، التى تشهد بالفعل زيادة فى حالات الإصابة بينما تحاول الحكومات الكبرى والشركاء الدوليون اتخاذ خطوات غير مسبوقة للحفاظ على الأرواح وتخفيف أسوأ الآثار الاجتماعية والاقتصادية.

ينادى خبراء المراكز البحثية بتوفير الخدمات الأساسية الصحية والحماية الاجتماعية والتعليم لأنها الطرق الرئيسية التى يتفاعل الناس من خلالها بشكل مباشر مع الدولة والمؤسسات المحلية، وهى الوسيلة الأساسية لخلق الثقة فى الحكومات مع ضمان المساواة فى إمكانية الحصول على الخدمات وتجنب تصور الإقصاء لدى فئات معينة للحد من المظالم التى تقوض شرعية السلطات المحلية والوطنية وتطبيق العدالة فى تقديم الخدمات للحد من التنافس بين الطبقات والمحافظة على الثقة الشعبية التى تعتبر عنصراً أساسياً لتعبئة الجهود على مستوى المجتمع المحلى والدولى لمكافحة الفيروس القاتل.

أدى وباء كورونا والتدابير والإجراءات الضرورية لمكافحة انتقال وتفشى هذا الفيروس إلى وقف حركة الأشخاص، رغم أن هذه الحركة هى التى تميز العالم الحديث الذى أضحى شديد الترابط ببعضه البعض ما نجم عن الحظر تداعيات هائلة بسبب الوباء، لا سيما للمهاجرين الذين يعتمدون على العمل بعيدًا عن أوطانهم لإعالة أنفسهم وأسرهم وذويهم ومجتمعاتهم المحلية كما أن هناك العديد من هؤلاء المهاجرين معرضون لمخاطر الإصابة بهذا الفيروس أكثر من غيرهم وتتأثر القطاعات الحيوية مثل الزراعة بسبب العجز المرتقب فى العمالة اللازمة لها.

القطاعات المتضررة

جاء فى تقديرات الأمم المتحدة أن ما يقرب من %30 من القوى العاملة فى القطاعات المتضررة بشدة فى بلدان منظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى مولودون فى الخارج، وأن الآثار السلبية لفقدان الوظائف كبيرة للغاية بالنسبة للعمالة المهاجرة فى الداخل والخارج، لأنهم غالبًا ما يعملون فى وظائف غير رسمية، ولا يجدون شبكات الأمان فى حالة فقدان الوظيفة أو المرض، لذلك فإن البقاء فى المنزل أثناء تفشى المرض يمثل رفاهية لا يستطيع العديد من المهاجرين تحملها علاوة على أنه من المتوقع انخفاض تحويلات العاملين فى الخارج بنسبة %19.7 إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل خلال العام الحالى منها مثلا %17 فى التحويلات إلى المكسيك وانخفض معدل التحويلات السنوية إلى بنجلاديش بنسبة %13 فى مارس الماضى بسبب فيوس كورونا.

تسببت إجراءات مكافحة انتقال العدوى فى حدوث اضطرابات كبيرة لأصحاب الأعمال والشركات ولقطاعات بأكملها بعد أن أغلقت بلدان المهجر الرئيسية حدودها أمام المسافرين الدوليين، ما جعل العديد من المهاجرين الذين يعملون فى موقع آخر لا يستطيعون الوصول إلى مقر عملهم الأصلى، أو العودة إلى أوطانهم، أو الانتقال لشغل وظيفة شاغرة كما ساعد العدد المحدود للعمالة المهاجرة الموسمية على زيادة مخاوف المزارعين فى إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وبولندا التى تعانى من نقص العمالة اللازمة لموسم حصاد المحاصيل فيها.

الفقر في أسيوط