حوَّل أحمد الأسد، وهو مدرس تربية فنية يبلغ 43 عاما، قريته القابعة في محافظة قنا بأقصى جنوب مصر، والتي تضم عددا كبيرا من المنازل المهجورة والقديمة، إلى متحف مفتوح خلال أزمة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19).
تحويل القرية إلى متحف مفتوح
وقام الأسد، الذي كان يعمل مدرسا للرسم في إحدى المدارس الخاصة بالقاهرة، باستغلال فترة حظر التجوال وشعوره بالملل في قرية المخادمة برسم جدران منازل تلك القرية برسومات تحمل رسائل إيجابية عن التسامح والأمل، وعادات وتقاليد وحرف سكان صعيد مصر.
وقال الأسد، لوكالة أنباء (شينخوا)، “لقد حرصت على تعليم الأطفال والشباب الرسم والتلوين خلال تنفيذ مبادرتي، التي حلمت بها منذ أن كنت طفلا، مستغلا حالة الملل التي يعانون منها بسبب ترك بعضهم لوظائفهم بسبب أزمة مرض فيروس كورونا الجديد”.
وسجلت مصر منذ ظهور المرض في البلاد حتى أمس الجمعة 62 ألفا و 755 إصابة، و 2620 حالة وفاة بمرض فيروس كورونا الجديد.
إلغاء حظر التجوال
وللحد من وتيرة تفشي المرض، نفذت الحكومة خلال الشهور الماضية سلسلة إجراءات من بينها حظر التجوال الليلي وغلق الأنشطة المختلفة مثل المقاهي والنوادي والمدارس وغيرها، قبل أن تقرر إلغاء هذه الإجراءات بدءا من اليوم.
وأضاف الشاب المصري، الذي نالت تجربته استحسانا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، “لم أكن اتردد على قريتي إلا مرة أو مرتين كل عام، إلا أنه بعد تطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة مرض فيروس كورونا الجديد، قررت الاستقرار في قريتي التي كانت تحوى على الكثير من المنازل المتهالكة والقديمة”.
جدارية على منزل مسكون
وفكر الأسد في تحويل المنازل الصامتة والبائسة، على حد قوله، إلى تحفة فنية ناطقة بعد موافقة أهالى القرية التي لم تكن سهلة، حيث استغرب الكثير منهم الفكرة في بداية الأمر.
ولتشجيع الأهالي على الانضمام، بدأ الأسد بمنزل يطلق عليه أطفال القرية منزل “حزينة”، حيث كانت تسكنه سيدة تدعى “سعيدة” وتوفيت، فأصبح مهجورا بائسا، بل أن بعض أهالي القرية كانوا يعتقدون أن هذا المنزل مسكون بالجن والشياطين.
وعكف الفنان التشكيلي على رسم جدارية كبرى على المنزل تدعو للتفاؤل والأمل، فانبهر أهالي القرية بحوائط المنزل الذي أصبح تحفة فنية حقيقية، بعد تزينه بلوحة فنية تصدرت واجهة المنزل والقرية فى وقت واحد من خلال رسم تفاصيل وملامح القرية بمآذنها ومداخلها الرئيسية، حتى يرى فيها الزائرون جمال القرية ومعالمها المهمة.
دعم معنوي من أهالي القرية
وبعد ذلك، تلقى الأسد دعما معنويا كبيرا من جميع أهالي القرية، وتطوع عدد كبير من الشباب والأطفال لمشاركته في مبادرته، بل بدأ أهالى القرية في دعمه بالأدوات والألوان والخامات التي يحتاجها.
وأوضح الأسد، أنه نجح في رسم قرابة 10 جداريات في شهرين على منازل القرية المهجورة حتى الآن، مضيفا أن الجدارية الواحدة تستغرق فترة عمل تتراوح بين يومين إلى ستة أيام.
وتتراوح تكلفة الجدارية الواحدة ما بين 500 إلى 1000 جنيه مصري، ويتكفل أهالي كل منطقة بالقرية بتجهيز الخامات والأدوات والألوان لتزيين المنازل الواقعة بها، بحسب الفنان المصري.
التقاط الصور بجانب الجدران
ورأى مدرس التربية الفنية، أن “الفكرة تركت انطباعا مبهجا لدى أهالي القرية، بعد أن شاهدوا كيف تحولت الجدران الصامتة والمشوهة بعبارات السباب والشتائم إلى تحف فنية ناطقة، تدعو المارة إلى التقاط الصور بجانبها”.
وأكد أن القرية تمثل نموذجا إيجابيا لمواجهة أزمة مرض فيروس كورونا الجديد بالرسم والتلوين، وتجسد تراث صعيد مصر بكل ما يحتويه من موروث ثقافي مميز.
وشرح الأسد أن الجداريات الفنية المتنوعة التى نفذها بالقرية لم تتم بشكل عبثى أو عشوائى، بل تحمل رؤى وفكر مختلف، فكل حائط يعبر بشكل ما عن مهنة أو حرفة صاحب المنزل.
سيدات القرية يخرجن لتقديم المساعدة
وتابع الفنان التشكيلي، أن المبادرة تسببت في حالة من الحراك الفنى لدرجة أن سيدات القرية، بدأن ولأول مرة فى الخروج من منازلهن لتقديم المساعدة من خلال تجهيز بعض المأكولات والمشروبات أثناء عملنا فى رسم وتلوين حوائط القرية.
من جانبه، قال محمد أحمد صلاح، وهو أحد أبناء قرية المخادمة، إن العمل الرائع الذى قام به الأسد “جعل القرية محط إعجاب كل المتابعين للفكرة”.
وأضاف صلاح (50 عاما)، وهو مدرس رياضيات، لـ (شينخوا)، أن المبادرة لم تقتصر علي تحويل الحوائط إلى لوحات فنية فحسب بل أحدثت حالة حراك ثقافى وفني داخل القرية، من خلال مشاركة شباب القرية فى أعمال التجميل.
وهو ما كان بمثابة مواجهة حقيقية لمرض فيروس كورونا الجديد وحالة الإحباط واليأس التى تسبب فيها نتيجة توقف الحياة علي مدار الثلاثة أشهر الماضية.
وتابع الخمسيني المصري، “لم نكن نتخيل أن تتحول منازلنا القديمة المبنية بالطوب اللبن إلى تحف فنية رائعة، كما لم نكن نتخيل يوما أن نصل فى قريتنا البسيطة إلى هذا الجمال من الإبداع والمناظر الخلابة فى غالبية شوارعها، بعد أن كانت حوائط القرية قديمة ومتهالكة وتحيط بها القمامة من كل جانب”.
الدعوة لتعميم المبادرة
بدوره، عبر اللواء أشرف الداودى محافظ قنا عن سعادته بفكرة المبادرة والجهود التي بذلها هذا الشاب بالتعاون مع أهالي قريته لإظهار القرية بالشكل الجمالي اللائق.
وأكد الداودي لـ(شينخوا)، ضرورة استثمار طاقة الشباب وأوقات فراغهم وتشجيعهم علي تنفيذ مثل هذه الأفكار الإيجابية.
وأشار إلى ضرورة تبني مثل هذه المبادرات التي تساهم بشكل كبير في زيادة الوعي لدى النشء والشباب بأهمية النظافة والحفاظ على البيئة والمظهر الجمالي والحضاري للمنازل والشوارع.
وشدد على حرص المحافظة على تقديم كافة أوجه الدعم لتنفيذ المبادرة وتعميمها بالقرى والمدن.
وقام الداودي، بتكريم صاحب الفكرة وقدم له مكافأة تشجيعية قيمتها 5 آلاف جنيه لما قدمه لقريته.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة «المال»