قبل خمسين عاما، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ26 القرار رقم 2758 وقررت إعادة جميع الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية. وعلى مدى نصف القرن الماضي، نمت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ووسعت بثبات اندماجها مع النظام الدولي.
اليوم، يحظى دور الصين، كبلد رئيسي يدفع بجدول أعمال عالمي بقيادة الأمم المتحدة، سواء أ كان ذلك للحد من الفقر، أو محاربة الوباء أو تحفيز النمو المشترك، باعتراف متزايد في جميع أنحاء العالم.
مع ذلك، فإن بعض من يتشبثون بلعبة المحصلة الصفرية في الغرب، ولا سيما بالولايات المتحدة، يحاولون تشويه صورة الصين باعتبارها تهديدا وشيكا. وتشويهاتهم الخرافية هذه نابعة من مفاهيم خاطئة حول أهداف الصين للتنمية، إضافة لدورها وهدفها على المسرح العالمي، ناهيك عن مخاوفهم من تراجع الهيمنة الغربية على بقية العالم.
ربما تكون الخرافة الأكثر غرابة هي المتعلقة بتطور الصين وتنميتها. فالاعتقاد السائد هو أنه من خلال تنمية نفسها، ستعمل الصين على تقويض النظام الدولي الحالي واستبداله بنظام يمكن أن تكون مهيمنة فيه. الحقيقة هي أن الصين من أشد المؤيدين للنظام العالمي الحالي، وليست مسببة لاضطراب فيه.
أي شخص لديه فهم أساسي للثقافة الصينية، يعرف أن الانسجام هو قيمتها الجوهرية؛ والهيمنة لم تكن أبدا جزءا من حمضها النووي. وخلال آلاف السنين من التاريخ، لم تسع الصين أبدا إلى استعمار الآخرين كما فعلت القوى الغربية في القرون الأخيرة.
إذن، لماذا تستثمر الصين كل هذا في تنمية نفسها؟ لقد أكدت بكين مرارا وتكرارا، أن الهدف الأسمى للصين في التنمية هو تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.
في الجزء الأكبر من تاريخ الصين منذ عهد أسرة تشين، كانت الصين دولة موحدة وغنية وقوية في آسيا. ومن المعروف أن مزيجا من العوامل كان السبب لانزلاق الصين إلى التخلف منذ الثورة الصناعية، ولكن الاستغلال والعدوان من قبل القوى الغربية كان من بين الأسباب الرئيسية.
لذلك، فإن الدافع الرئيسي لتنمية الصين هو ضمان رفاهية شعبها وسعادته، والحفاظ على الأمن القومي وتحقيق الوحدة الوطنية.
ولتحقيق مثل هذا الهدف في هذا العالم المترابط بشكل متزايد، تحتاج الصين إلى احتضان المجتمع العالمي ودعم النظام الدولي الحالي المتميز بوجود الأمم المتحدة في جوهره.
إن ما ورد أعلاه يفسر سبب تمكن الصين من تحقيق تنمية سريعة على مدى العقود الأربعة الماضية، ولماذا هي رائدة داعية للتعاون المزدوج المنفعة، وليست ممن يعتقدون بعقلية المحصلة الصفرية على الساحة الدولية.
مرة أخرى، الصين تدرك تماما أن تقدمها لا يمكن أن يتحقق بغياب التنمية العالمية. والتنمية المشتركة هي أساس نموها.
على مر السنين، اقترحت بكين مبادرة الحزام والطريق للمساعدة في إطلاق العنان للنمو الاقتصادي في البلدان النامية، واتخذت سلسلة من الخطوات الملموسة لتحسين بيئة الأعمال في داخلها، وأقامت منصات مثل معرض الصين الدولي للاستيراد، لتشاطر فرص التنمية مع العالم الأوسع.
الصين تقوم بكل هذا لأنها تؤمن إيمانا عميقا بأن جميع البلدان شركاء متساوون يتشاطرون نفس الكوكب ومستقبلا مشتركا. وفلسفة العلاقات الدولية هذه تم التعبير عنها باستمرار في السياسة الخارجية للصين.
في الأيام الأولى لجمهورية الصين الشعبية، اقترحت بكين المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي أصبحت حاليا مبادئ دبلوماسية دولية معترفا بها على نطاق واسع. وفي السنوات الأخيرة، دفعت الصين نحو نوع جديد من العلاقات الدولية يقوم على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون المزدوج المنفعة.
في الوقت نفسه، وعلى عكس بعض الدعائيين الغربيين الذين يعتقدون أن ثقافتهم وعرقهم متفوقان على الآخرين، والذين يعتقدون بتشاؤم أن صراع الحضارات أمر حتمي، ترى الصين أن جميع الثقافات والحضارات متساوية، ويمكن أن تتعايش بسلام، وينبغي أن تتعلم من بعضها البعض.
الصين لديها تقليد طويل في تعزيز التفاعلات بين الثقافات، وطريق الحرير القديم هو مثال جيد في هذا الصدد. وبفضل ما تتمتع به من التأييد العالمي المتزايد، فإن مبادرة الحزام والطريق، توفر فرصة كبيرة لإحياء مجد التفاعلات الحضارية.
العولمة وتعدد الأقطاب اتجاهان لا رجعة عنهما. لقد ولت تلك الأيام للمواجهة بين القوى العظمى أو الهيمنة العالمية من قبل قوة عظمى واحدة، ويجب ألا تعود. وهناك تحديات تواجه كوكبنا مثل تغير المناخ ووباء كوفيد-19 الذي لا يزال مستشريا، قد ربطت بشكل أكثر إحكاما، مصير جميع البلدان؛ فإما أن تنتصر معا، أو تخسر معا.
إما أولئك المتواجدون بالغرب ممن يتمسكون بذلك الاعتقاد الذي عفا عليه الزمن بأن القوى العظمى هي وحدها القادرة على التنافس على السيادة العالمية، فعليهم أن يتعلموا كيف يفتحوا قلوبهم وعقولهم واحتضان العالم الحقيقي كما هو. قد يمكنهم البدء بذلك من خلال إنهاء تخميناتهم حول الصين.