أدرجت المملكة العربية السعودية مؤخرا تدريس اللغة الصينية في جميع المدارس الثانوية، الحكومية والخاصة، وهي خطوة سباقة للدولة العربية الرائدة في الشرق الأوسط.
ويكمن وراء هذه الطفرة التعليمية للغة الصينية اهتمام المملكة العربية السعودية المتزايد بإقامة روابط اقتصادية مع الصين، حيث يواصل البلدان تضافر استراتيجياتهما التنموية في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي تحل الذكرى السنوية العاشرة لإطلاقها هذا العام.
وتعتبر المملكة أكبر متلق لاستثمارات مبادرة الحزام والطريق خلال النصف الأول من عام 2022، وفي وقت سابق من هذا العام، أطلق الشريكان مشروعا مشتركا لبناء المجمع المتكامل للتكرير والبتروكيماويات في مجال صناعة الكيماويات الدقيقة والمواد الخام في إطار مبادرة تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات. وإضافة إلى الطاقة الخضراء، فإنهما يقومان باستكشاف إمكانات اقتصاد الكربون الدائري والبنية التحتية الرقمية.
روابط أكبر في ظل مبادرة الحزام والطريق
بالنسبة للسعودية والعديد من الدول الأخرى المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، تعد الصين شريكا حقيقيا لدعم مشاريع بناء الأمة والبنية التحتية الحيوية الخاصة بها.
وتسعى المبادرة إلى تحويل الاقتصادات غير الساحلية (الحبيسة) إلى اقتصادات مرتبطة برا، مع إيصال 19 مليون مسافر و24 مليون طن من البضائع حتى الآن، وعمله على نقل البضائع عبر الحدود الممتد على أكثر من 10 دول ومناطق، فإن خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس البالغ طوله 1035 كيلومترا يعد مغيرا لقواعد اللعبة بالنسبة لشعب لاوس، إذ يسهل التجارة ويجذب الاستثمارات وينعش السياحة.
وفي المناطق الريفية في كينيا، يعمل خط سكة حديد مومباسا-نيروبي المعياري، وهو مشروع رائد آخر لمبادرة الحزام والطريق في أفريقيا، على تزويد الشباب بمجموعات مهارات ذات جوانب متعددة.
وأشارت صحيفة ((ليبراسيون نيوز)) أن تمويل التنمية الصيني موجّه بحسب احتياجات الجهات المتلقّية، حيث إن “مشاريع البنية التحتية تحددها الدولة المتلقية وليس الصين، بناء على مصالحها الاقتصادية والسياسية الخاصة”.
وغالبا ما تقدم الصين قروضا بأسعار فائدة منخفضة بشكل معقول، والبنوك الصينية على استعداد لإعادة هيكلة شروط القروض الحالية لتكون أكثر ملاءمة للبلد المقترض، بحسب مجلة ((ذي أتلانتيك)).
وقالت أنيتا مونتوت، المديرة بالإنابة لمعهد العلاقات الدولية في جامعة جزر الهند الغربية في ترينيداد وتوباغو، “كذلك، مبادرة الحزام والطريق ليست لديها مجموعة من الشروط الأيديولوجية الواسعة التي يجب على الدول الالتزام بها من أجل المشاركة. من الناحية الفنية، هذا يعني أن هذا النموذج يسمح للبلدان بإقامة مشاريع مع الصين محددة باحتياجاتها”.
وهذا هو السبب في أن هذه المبادرة هي نعمة للعديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا سيما تلك الموجودة في جنوب الكرة الأرضية. وكثيرا ما تصفها الدول الغنية بأنها عالية المخاطر ومنخفضة العوائد وتفرض عليها شروطا مرهقة، مما يؤخر تنفيذ المشاريع ويزيد من التكاليف.
قروض أكثر مرونة
وقال الخبير الاقتصادي السريلانكي كاسون كارياواسام لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن “القروض الصينية أكثر مرونة ولا تتضمن أي شروط غير إقراضية”، وعادة ما تتدفق الأموال إلى “أصول حقيقية تزيد من قيمة الاقتصاد الحقيقي”.
وخلال جائحة كوفيد-19، ساعدت البنية التحتية الحالية على استقرار سلاسل الصناعة والإمداد الدولية. وقدم خط مباشر يربط مقاطعة خنان في شمال وسط الصين بلوكسمبورغ خدمات جوية وشحن دون عوائق، ونقل العديد من الإمدادات الحيوية ليكون بمثابة شريان حياة بين الصين وأوروبا.
رغم الديناميكيات الداخلية في بعض البلدان وجائحة كوفيد-19، استمرت معظم مشاريع مبادرة الحزام والطريق رغم الصعاب.
وأشار (تشاتام هاوس)، وهو معهد سياسي مقره لندن، في تقرير إلى أنه في سريلانكا وماليزيا، “بدأت الحكومات المتلقية مشاريع مبادرة الحزام والطريق الأكثر إثارة للجدل، والتي اتبعت أجنداتها المحلية الخاصة”.
ولكن ماذا عن قضية مديونية الدول؟
وبيّن أن “مشاكل الديون نشأت بشكل أساسي من سوء سلوك النخب المحلية والأسواق المالية التي يهيمن عليها الغرب”، في إشارة إلى ميناء هامبانتوتا، والذي تبين بأنه عبارة عن “فيل أبيض” (أي مكلف بشكل يتجاوز عوائده بكثير).
وكتب شاهار حميري، وهو أستاذ مشارك في مجال السياسة الدولية بجامعة كوينزلاند، في تحليل نشره معهد لوي، وهو مركز أبحاث أسترالي، “عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تقليص برنامج التيسير الكمي خاصته، ارتفعت فجأة تكلفة الاقتراض في سريلانكا، مما أجبرها على طلب مساعدة صندوق النقد الدولي”.
وأكد “لا تنسب أبدا إلى الخبث ما يمكن تفسيره بعدم الكفاءة”، مفندا خرافة توريط الصين للدول المتلقية بديون لا يمكن تحملها التي تروج لها بعض الدول الغربية، والتي إما خسرت العطاءات أو أعمتها الحسابات الجيوسياسية.
وباعتبارها منفعة عامة عالمية وسط ديناميكيات دولية متغيرة، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست ثابتة بل تقدمية وإصلاحية. على مر السنين، اتسعت لتشمل المزيد من البلدان وأصبحت غنية بمعان جديدة.
واستنادا إلى الخبرة، تقوم الصين بإعادة معايرة مشاريعها الضخمة في الخارج، وتعمل بشكل وثيق على نحو متزايد مع البلدان المتلقية على تصميمها وجدواها واختيارها وتكلفتها ومناقصاتها وإدارتها لزيادة الربحية وضمان التشغيل السلس.
بنية تحتية عالية الجودة
وما يدعم هذا التعاون هو الآليات واللوائح القانونية المتناسبة التي تتحسن باستمرار لتقديم بنية تحتية عالية الجودة ومستدامة ومقاومة للمخاطر وبأسعار معقولة وشاملة.
ومن خلال تحديد عوائق النمو والاستفادة من نقاط القوة النسبية، قامت مبادرة الحزام والطريق ببناء شبكة لسد الانقسامات وإطلاق العنان لإمكانات التنمية، عبر روح العصر المتمثلة في تعزيز مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك.
عشر سنوات وما زال العد مستمرا، ومن خلال التعاون والتفاهم المتبادل، فإن السماء هي الحد الأقصى لمثل هذا النموذج الديناميكي للتعاون الدولي.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.