بعد أن تولّت الحكومة الانتقالية في سوريا السلطة رسميا بدعم من هيئة تحرير الشام، توالت ردود الفعل من بعض الدول داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، بحسب وكالة شينخوا.
ويرى محللون صينيون أن التغيرات الجذرية في المشهد السياسي السوري قد قلبت التوازن القائم بين القوى الخارجية المتنافسة في سوريا، حيث تحاول بعض هذه القوى الاستفادة من التغيرات الحاصلة عبر الوسائل الدبلوماسية والعسكرية، بينما تسعى أخرى للحفاظ على وجودها ومصالحها، مما يجعل السلطات الجديدة أمام العديد من التحديات في مسارها نحو تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في سوريا.
تكثيف تحركات القوى الإقليمية والدولية
واصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربات جوية على أهداف داخل سوريا، مستغلا سقوط نظام بشار الأسد لتوسيع تفوقه العسكري والأمني. ومؤخرا، لم تكتف إسرائيل بتوسيع المناطق التي تحتلها في مرتفعات الجولان، بل شنت أيضا غارات مكثفة على أهداف عسكرية في سوريا، ضمن ما تسميه مساعي “نزع السلاح”.
من الجانب الأمريكي، زار وزير الخارجية أنتوني بلينكن الشرق الأوسط مؤخرا وبحث القضية السورية مع تركيا، حيث أشار إلى وجود توافق واسع بين الجانبين حول مستقبل سوريا، مؤكدا أن الولايات المتحدة أجرت “اتصالا مباشرا” مع هيئة تحرير الشام، على الرغم من أنها صنفتها سابقا كمنظمة إرهابية. من المعتقد أن هذه الزيارة تهدف إلى حشد الموارد لحماية المصالح الأمريكية في سوريا والمنطقة.
في حين أعادت تركيا فتح سفارتها في سوريا يوم السبت الماضي بعد 12 عاما من إغلاقها، في خطوة اعتُبرت إشارة واضحة لدعم الحكومة الانتقالية السورية.
أما روسيا، فقد صرّح نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مؤخرا أن بلاده أجرت اتصالات مع هيئة تحرير الشام لمناقشة قضايا تتعلق بسلامة بعثاتها ومواطنيها. ويعتقد المحللون أن الأولوية القصوى بالنسبة لروسيا هي ضمان عدم انتهاك منشآتها الدبلوماسية والعسكرية في سوريا إلى جانب الحفاظ على قدراتها العسكرية في الشرق الأوسط.
محاور الصراع الرئيسية بين القوى الخارجية
يشير المحللون إلى أنه من بين التحركات القائمة حاليا، هناك قضيتان تشكلان حاليا أهم محاور الصراع الرئيسية بين القوى الخارجية في سوريا.
المحور الأول هو موقف النظام السوري الجديد تجاه إسرائيل. بعد سيطرة السلطات الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام على الحكم، أصبح موقفها عاملا مهما يؤثر على الصراع بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط.
وذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق أن إسرائيل تأمل في “إقامة علاقات” مع الحكومة الانتقالية في سوريا. ولكن نمرود غورين، مدير المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، يرى أن هناك بعض “الخطوط الحمراء” التي لا يجب تجاوزها من قبل السلطات السورية الجديدة تتمثل في إعادة ترسيخ القوة الإيرانية ونقل السلاح إلى حزب الله في لبنان والتهديدات المباشرة لإسرائيل.
في المقابل، ذكرت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني في وقت سابق أن المسافة بين الحكومة الانتقالية السورية وإسرائيل “تمثل عاملا أساسيا في تحديد إيران لموقفها تجاه السلطة السورية الجديدة”.
ويعتقد ما شياو لين، الأستاذ بجامعة تشجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر المتوسط، أن إيران قد تسعى إلى استخدام هدف مشترك يتمثل في مواجهة إسرائيل للحفاظ على “محور المقاومة”.
أما المحور الثاني فهو مسألة القوات الكردية المدعومة من أمريكيا، والتي تسيطر حاليا على مناطق واسعة شرق سوريا، فيما يسيطر “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على مناطق الشمال. وتعتبر الولايات المتحدة القوات الكردية حليفا رئيسيا في قتال تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش)، بينما تصنفها تركيا كامتداد لمنظمة “حزب العمال الكردستاني”، واستهدفتها مرارا عبر الحدود.
وأبرز المحللون التناقض الواضح بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن هذه القضية مع استمرار الخلاف حول سبل التعامل مع هذه القوات. وعند لقائه ببلينكن، قصد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القوات الكردية بتصريحاته حول مواصلة القتال ضد “الإرهابيين” في سوريا. في حين شدد بلينكن على ضرورة ضمان قدرة التحالف الذي يقاتل “داعش” على مواصلة تنفيذ مهامه.
التحديات المستقبلية للعملية الانتقالية
يرى المحللون أن القوى الخارجية ستستمر في التأثير على الوضع السوري لفترة. وأشار دينغ لونغ، الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إلى أن الحكومة الانتقالية ترسل حاليا إشارات استعداد للتواصل مع المجتمع الدولي لكن التحديات الماثلة أمامها ما تزال جمة.