بصفتها وكيلة مبيعات تأمين مخضرمة، اعتادت فرحانة مغوي قضاء سبع ساعات على الماتاتوس، سيارات الخدمة العامة في كينيا ، من مسقط رأسها فوي في جنوب شرق كينيا وصولا إلى العاصمة نيروبي لمقابلة عميل محتمل، لكنها كانت بطيئة ومرهقة، قبل أن تمتلك فرصا أكبر عبر وقت أقل مع السكك الحديدية الحديثة التي أنشاتها الصين .
خط السكك الحديدية بكينيا بتمويل صيني
ومنذ عام 2018، تقلص الوقت المستغرق في الرحلة التي يبلغ طولها 328 كم إلى أربع ساعات بفضل قطار ركاب مومباسا – نيروبي المعياري الذي تم إطلاقه في مايو عام 2017، وفق ما ذكرته وكالة شينخوا الصينية.
الخط الذي شيدته مؤسسة الطرق والجسور الصينية بتمويل صيني بالأساس يبلغ طوله 480 كم ويربط بين مومباسا، أكبر ميناء في شرق إفريقيا، والعاصمة الكينية نيروبي، ويعد مشروعا رائدا في إطار مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، وهو أكبر مشروع بنية تحتية يتم في كينيا منذ استقلالها عام 1963.
قالت مغوي إن التنقل الفعال والموثوق والميسور الكلفة الذي توفر لها دائما كلما استقلت القطار للقاء عملاء جدد قد أدى إلى دفع حياتها المهنية.
واعتبر جيمس ماشاريا، سكرتير الحكومة الكينية لشؤون النقل والبنية التحتية والإسكان والتنمية الحضرية، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا))، خط قطار مومباسا – نيروبي المعياري “تجربة جيدة للغاية في السنوات القليلة الماضية”، قائلا “يمكننا أن نتوقع المزيد من العمليات المربحة في المستقبل”.
ويساعد خط قطار مومباسا – نيروبي المعياري باعتباره مشروعا إستراتيجيا في البنية التحتية على تحقيق مخططين رئيسيين للتحول الاجتماعي والاقتصادي في كينيا –رؤية 2030 وجدول الأعمال الأربعة الكبار، كما قال فيليب ماينغا، المدير الإداري لمؤسسة السكك الحديدية الكينية.
الخطوط السكك الحديدية التي أنشأتها الصين.. وقت أقل ومزيد من الفرص
عبر خط السكك الحديدية، تستطيع مغوي الوصول إلى وجهتها في الوقت المحدد والتفاوض بسهولة للحصول على فرصة محتملة. وتقول إن الالتزام بالمواعيد ساعدها على ترسيخ الثقة مع عملائها.
وتنتمي مغوي إلى جيش متزايد من القوى العاملة الكينية الماهرة ورجال الأعمال والسياح الذين استخدموا تلك الخدمة.
وقد أدى خط مومباسا – نيروبي المعياري إضافة إلى الـ120 كم الأخرى من خط نيروبي – نيفاشا المعياري إلى تسهيل نقل الشحنات السائبة إلى المناطق النائية.
وبات الأمر يستغرق ثماني ساعات لنقل البضائع السائبة مثل المواد الخام من ميناء مومباسا إلى مستودع الحاويات الداخلي في نيروبي بفضل السكك الحديدية المعيارية على عكس ما يقرب من يومين باستخدام سكة حديد ميتر التي بناها المستعمرون البريطانيون منذ قرن من الزمان، وفقا لما ذكر ادوارد أوبيو، مدير المحطات بشركة نيروبي فرايت تيرمينلز ليمتد، وهي شركة لوجستية.
وقال أوبيو إنه نظرا لأن شركات الخدمات اللوجستية أصبحت الآن قادرة على نقل الشحنات السائبة بكفاءة وسرعة وبشكل أرخص وصديق للبيئة، فقد أقامت علاقة ودية مع كبار العملاء.
وقال إن ساعات العبور وتكلفة نقل الشحنات السائبة إلى البلدان المجاورة غير الساحلية تقلصتا أيضا، مما ضخ حيوية جديدة في سلاسل التوريد الإقليمية.
وأضاف ماينغا أن السكك الحديدية المعيارية عززت تجارة كينيا مع البلدان المجاورة وقدمت شريان حياة اقتصاديا للدول الأعضاء في مجموعة شرق إفريقيا.
وأشار إلى أنه في السنوات الخمس الماضية، نقلت السكك الحديدية الحديثة 20 مليون طن من البضائع وحوالي 8 ملايين مسافر، مما رفع مكانة كينيا كمركز إقليمي للتصنيع والتجارة والخدمات اللوجستية.
وقال “يجب أن أقول إننا محظوظون. نصدر المزيد وننوع السلع أكثر من ذي قبل. إننا نشهد تغيرا ديناميكيا بفضل السكك الحديدية المعيارية فيما يتعلق بالصادرات”.
ومن المتوقع أن يساهم خط قطار مومباسا – نيروبي المعياري بنسبة 2-3 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي لكينيا، كما قال ماينغا، مضيفا أن السكك الحديدية أصبحت لاعبا مهيمنا في سعي كينيا لتحقيق النمو الشامل، حيث أحدثت ثورة في نقل الركاب والبضائع السائبة، وحفزت التجارة و الاستثمارات، وخلقت فرص العمل للشباب المحليين.
السكك الحديدية تنجز مهام السكان المحليين
وقال ماينغا إن خطوط السكك الحديدية المعيارية تفيد أيضا السكان المحليين حيث وصل معدل نقل المهارات إلى 80-90 بالمائة.
وأضاف “لقد أصبح الآن موظفونا قادرين على إدارة العمليات، وقيادة القاطرات، وإجراء أعمال الإشارة، وإصلاح العربات وصيانتها”.
وحصل هاريسون كينياجوي، الشاب البالغ من العمر 26 عاما والحاصل على درجة في الاقتصاد، على وظيفة في عام 2017 في شركة تشغيل السكك الحديدية أفريستار المشغلة للسكك الحديدية المعيارية. وقد تلقى تدريبا صارما على تشغيل وإدارة السكك الحديدية على يد مدربين صينيين، وتقدم سريعا ليصبح أول كيني يعمل في مركز الإرسال التابع لخط السكك الحديدية المعياري في نيروبي.
وقال كينياجوي، المشرف المساعد للمركز حاليا، إن عملهم هو تنظيم عمليات القطارات باستخدام نظام مركزي للتحكم في حركة المرور في المركز، وهو “العقل والقلب لجميع عمليات قطار خط السكك الحديدية المعياري”.
وقال “لقد علمنا الخبراء الصينيون جيدا. يثقون الآن في تركنا نعمل بشكل مستقل، ونحن فخورون جدا لأننا جئنا إلى هنا دون معرفة أي شيء عن إرسال القطارات، لكننا الآن مؤهلون للغاية”.
وقال ماينغا “يمكنك أن ترى الحكومة الكينية والحكومة الصينية تعملان معا. نريد أن نشكر الحكومتين على الدعم المقدم لنا”.
وقال لي جيو بينغ، المدير العام لأفريستار، لوكالة ((شينخوا))، إنه نظرا لالتزام أفريستار بإعطاء الأولوية للتشغيل الآمن، وتعزيز حركة الركاب والبضائع وتعزيز التوطين، فقد اكتسبت النتائج الاجتماعية والاقتصادية للسكك الحديدية المعيارية ثقة واعتراف حكومة وشعب كينيا.
وأضاف لي: “لإنشاء فرق صينية – كينية عالية الأداء، تعزز أفريستار علاقات العمل بين الثقافات وتعزز التفاهم المتبادلة والاحترام والثقة”.
وكان الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني هو أول رئيس دولة زائر يسافر بواسطة خط السكك الحديدية المعياري الكيني في مارس 2019. وقال إن الكفاءة المعززة في التعامل مع الشحنات كانت مفيدة للاقتصادين الكيني والأوغندي والدول الأخرى التي تعتمد على ميناء مومباسا في الاستيراد والتصدير، بما في ذلك رواندا وبوروندي وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وصرح السفير الصيني لدى كينيا تشو بينغ جيان لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأنه في إطار منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، تعد السكك الحديدية المعيارية من بين العديد من المشاريع التعاونية في البنية التحتية بين الصين وكينيا والتي تقود التعاون الصيني-الأفريقي.
حماية البيئة أولوية
وقبل أن يبدأ مشروع خط السكك الحديدية المعياري، كانت هناك مخاوف من أن تضر السكك الحديدية بالتنوع البيولوجي، لأنها ستلتف عبر منتزه تسافو الوطني، أقدم وأكبر محمية للحياة البرية في كينيا، وموطن أنواع معروفة مثل الأفيال والزرافات والحمار الوحشي.
ولضمان سلامتها، قام المقاول ببناء أسوار كهربائية على جانبي المسار وممرات سفلية واسعة على مسافات قصيرة لتسهيل حركة الحيوانات.
بالإضافة إلى الحياة البرية، تم حماية غابات المنغروف جيدا أيضا. وقال علي محمد، 44 عاما، من سكان قرية هادئة تطل على غابة منغروف على الحواف الشمالية الغربية لمومباسا، إنه بالإضافة إلى تنظيم الطقس الساحلي، أدى تركيب الجسور والقنوات إلى ضمان الحد الأدنى من الإزعاج لغابات المنغروف، وهي مواقع مهمة لتربية الأسماك.
وقال محمد، وهو أيضا مؤسس محمية بيدي كريك، التي تعد بمثابة ردهة خضراء في مومباسا “زرت السكك الحديدية المعيارية عندما بدأ بناؤها وشهدت ترميم الأجزاء المتدهورة سابقا من غابة المنغروف في منطقتنا”.
وقال إن السكك الحديدية قدمت أفضل الممارسات بشأن مزج الحفاظ على البيئة بتطوير البنية التحتية.
وبعد خمس سنوات من إطلاقها، حصلت السكك الحديدية المعيارية على أوسمة من المسؤولين المحليين ودعاة الحفاظ على البيئة لإعطاء الأولوية للحماية البيئية على طول ممرها.
وقالت نانسي غيثايغا، المديرة القطرية لكينيا في مؤسسة الحياة البرية الأفريقية ومقرها نيروبي، إن تدابير حماية الحياة البرية التي بدأها مقاول السكك الحديدية المعيارية يجب أن توجه الجهود المستقبلية لتطوير مشاريع البنية التحتية الضخمة مع الحفاظ على سلامة النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي في كينيا.
وقال ماينغا إنه تم وضع الروح الخضراء في مركز عمليات السكك الحديدية المعيارية، مما عاد بالنفع على المجتمعات المحلية من حيث الهواء النقي والمناظر الطبيعية الهادئة.
وقال كوزماس ماكيوا، مدير المحطة في مومباسا أس آر جي تيرمينوس، إن المشروع التزم تصميما وتنفيذا بقوانين حماية البيئة المحلية، مما ضمن علاقة صحية بين المقاول والمجتمعات المحلية.
وقال ماكيوا، على عكس الشاحنات، فإن قطارات السكك الحديدية المعيارية التي تسير على طول الممر لم تنبعث منها دخانا في الغلاف الجوي، مما عزز سعي كينيا لتحسين جودة الهواء.
وسلط مشروع السكك الحديدية المعيارية الضوء على حيوية رؤية الصين للحضارة البيئية، وفقا لما ذكره ليوبولد أوموندي، الناشط في تحالف عموم إفريقيا للعدالة المناخية، جماعة الضغط الخضراء التي تتخذ من نيروبي مقرا لها.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.