في ساحة المرجة الشهيرة وسط العاصمة السورية دمشق، يصطف العديد من محال الحلويات بجانب بعضها البعض ويجلس أصحابها في الخارج يتبادلون الأحاديث مع عدم وجود زبائن يأتون أو يذهبون لشراء منتجاتهم.
وفقدت الحلويات التقليدية لعيد الفطر في سوريا شهرتها، وباتت بعيدة المنال عن غالبية السوريين لارتفاع أسعارها وصعوبة الأوضاع الاقتصادية نتيجة الأزمة التي شهدها بلدهم منذ العام 2011 والعقوبات القاسية التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون، الأمر الذي أثر سلبا على حياتهم المعيشية.
حلوبات عيد الفطر غالية الثمن
في السابق، ومع قرب انتهاء شهر رمضان المبارك، كانت الأسواق الشعبية مثل أسواق الميدان الشهيرة، أو باب سريجة في دمشق، تزدحم بمئات الناس الذين يهرعون لشراء حلويات العيد كتقليد سوري قديم يأتي احتفالا بنهاية شهر الصيام بجانب تحضير الحلويات المحلية المعروفة في البيوت.
وخلال سنوات الأزمة التي عصفت بالبلاد انخفضت القوة الشرائية للسوريين وظلت التقاليد التراثية حية وموجودة، لكن هذا العام أصبح الوضع الاقتصادي مؤلما وصعبا للغاية نتيجة الأزمة طويلة الأمد.
والآن، يمكن أن يشكل كيلوجرام واحد من حلويات المعمول الشعبية، وهي حلويات مصنوعة من دقيق السميد المعجون بالزبدة والمملوء إما بالمكسرات أو الفواكه المجففة، ثلث متوسط رواتب الناس في سوريا.
إنتاج أقل
قال مصباح القنداح، وهو شيف حلويات، إن الإنتاج هذا العام مختلف عما كان عليه في السنوات السابقة عندما كنا نقوم بتعبئة جميع أصناف الحلويات في علب بأقصى سرعة قبل ثلاثة أشهر من قدوم عيد الفطر لكي نتمكن من تلبية الطلبات قبل العيد.
وأضاف القنداح لوكالة أنباء (شينخوا) “الآن، لا يعمل صانعو الحلويات سوى خلال الأيام الثلاثة التي تسبق العيد لتغطية أي طلب محتمل على الحلويات وسط ارتفاع أسعار جميع المواد والمنتج النهائي”.
وتابع القنداح يقول إن “سعر الكيلوجرام الواحد من المعمول يباع بنحو 60 ألف ليرة سورية مقابل 600 ليرة فقط في السنوات السابقة”، معربا عن أسفه لأن قلة قليلة من الأشخاص القادرين هي التي تستطيع الآن شراء الحلويات هذا العام.
وأشار إلى أنه في السابق كانت المواد رخيصة ويمكن لجميع الناس شراء الحلويات، مبينا أن الفجوة بات كبيرة بين الدخل وأسعار السلع، إذ لا يستطيع الأناس العاديون شراء حلويات المعمول من الدرجة الأولى، لذا سيتعين عليهم صنعها في المنزل.
الحلويات لم تعد أولوية
من جهته، رأى علي إبراهيم، وهو صاحب محل وصانع حلويات آخر، أن حلويات العيد لم تعد أولوية بالنسبة للسوريين، لأن غالبيتهم ستختار بالتأكيد تأمين طعام ومواد غذائية لعائلاتهم على شراء حلويات باهظة الثمن.
وقال إبراهيم لـ (شينخوا)، إن الأسعار باتت مرتفعة للغاية، مضيفا أنه في الماضي كان بإمكان الجميع تحمل أسعار الحلويات ولكن الآن لم يعد الأمر كذلك.
وتابع إبراهيم “الآن، إذا كان الشخص غير قادر ماديا، لا يستطيع شراء الحلوى”.
وأضاف أن “الوضع الاقتصادي صعب جدا، ومن كان يشتري 3 أو 4 كيلوجرامات، لا يستطيع شراء سوى كيلوجرام واحد الآن .. في السابق كانت حلويات العيد من الأولويات، لكن اليوم لم يعد الأمر كذلك”.
واستطرد قائلا “الآن، فقط القادرون هم من يستطيعون الشراء، لكن الأقل حظا يفضلون شراء الطعام لأسرهم على سبيل الأولوية”.
وفي سوق الميدان الشهير شرقي العاصمة دمشق، والذي كان يشكل مقصدا لكل من يريد أن يشتري حلويات تقليدية سورية معروفة، بدا المشهد مختلفا ولم يعج بالناس كما كان يحصل في الماضي قبل أيام من حلول عيدي الفطر والأضحى.
صناعة الحلويات في المنازل
وقال معين (44 عاما)، والذي يعمل في أحد المحلات المشهورة في سوق الميدان لـ ((شينخوا))، إن “غلاء الأسعار شكل عائقا أمام شراء الناس للحلويات التقليدية”، مشيرا إلى أن غالبية الناس توجهت لصناعة الحلويات في المنازل.
وأوضح معين، والذي كان يجلس داخل المحل وأمامه أطباق حلويات من المبرومة والبقلاوة والمعمول وغيرها، أن الوضع اليوم مختلف مقارنة مع العام الماضي، مشيرا إلى أن حركة البيع قليلة وتقتصر فقط على من وضعه المادي جيد.
بدوره، قال أبو شاهر (46 عاما)، وهو موظف حكومي، إن “الحلويات لم تعد من الأولويات بالنسبة لغالبية السوريين”، مؤكدا أن الوضع الاقتصادي بات صعبا، والناس لا تفكر إلا بشراء ما يلزم للبيت”.
وقال “في العام الماضي ذهبنا إلى سوق الميدان واشترينا حلويات العيد، أما اليوم ذهبنا، ولكن رأينا الحلويات دون أن نتجرأ على شرائها”، وأضاف ضاحكا ” تصورنا بجانبها فقط” على سبيل الدعابة.
– تحذير دولي من “أزمة منسية”
جذب الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا اهتماما دوليا، حيث حذرت جويس مسويا مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ في 26 ابريل الماضي، من أن “سوريا على شفير أن تتحول لأزمة منسية تضاف إلى قائمة الأزمات المنسية الأخرى”.
وقالت إن “ملايين السوريين يعانون شهريا في سبيل البقاء على قيد الحياة ولإطعام عائلاتهم ولتوفير مستقبل لأطفالهم”.
ونبهت إلى أن شح الوقود والافتقار للكهرباء يؤثران على إيصال الخدمات الأساسية بما في ذلك في قطاع الصحة، والتعليم، والمياه.
كما لفتت إلى أن “أسعار الوقود والأغذية تزداد بشكل مطرد الشهر تلو الآخر، مما يجعل السلع الأساسية ومقومات الحياة الكريمة بعيدة المنال بالنسبة للملايين.. فقد زادت أسعار الأغذية بنسبة 18 في المائة بين فبراير ومارس”.
وحذرت مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية من أن “المستقبل يبدو قاتما بالنسبة للسوريين الذين يعيشون عامهم الثاني عشر من هذه الأزمة”.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.