جمع حفل سيمفوني سحابي بين الصين ومصر ضم موسيقيين من الدولتين وتم نقله من خلال بث حي مباشر على الإنترنت استنادا إلى تقنية الجيل الخامس “5G”، ليأتي تتويجا لسلسلة من أوجه التعاون الثنائي الدافيء في مكافحة كورونا بين البلدين.
وتقول كلمات أغنية ” الياسمين” الشعبية المعروفة في الصين التي تم عزفها أثناء هذا الحفل الموسيقي: “يا لها من زهور ياسمين جميلة، يا لها من زهور ياسمين جميلة، تتفتح على أغصان عطرة بديعة…”.
“نعكف على الإعداد لهذا الحفل منذ قرابة شهرين. ومن أجل الخروج بالعرض المثالي الذي شهدناه اليوم، عقد الجانبان الصيني والمصري الآلاف من جلسات التدريب المشترك”، حسبما قال سون بو ته، مايسترو الفرقة الصينية وقائد أوركسترا لياونينغ السيمفوني في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) عقب انتهاء العرض مساء يوم السبت الماضي.
العزف المشترك لموسيقى مسيرة النصر
هذه هي المرة الثانية التي يتعاون فيها الجانبان – دار أوبرا لياونينغ الصينية ودار الأوبرا المصرية – بعد العزف المشترك لموسيقى “مسيرة النصر” المشهورة عالميا عبر أسلوب “السيمفونية السحابية” في إبريل من هذا العام في إطار التضامن لمكافحة الجائحة العالمية.
وخلال حفل السبت، عزف الموسيقيون الصينيون وهم يرتدون الزي الرسمي للفرقة على خشبة المسرح في دار أوبرا لياونينغ، فيما قدم العازفون المصريون العزف على آلاتهم الموسيقية من منازلهم في القاهرة. وربطت الشبكة والموسيقي بين الجانبين بشكل وثيق.
حفل سيمفوني سحابي بين الصين ومصر
وقد أشار شي يويه ون المستشار الثقافي بالسفارة الصينية ومدير المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، وهو أحد مخططي الحفل الموسيقي، إلى أنه وسط مكافحة فيروس كورونا الجديد في مصر وعدم القدرة على إجراء عزف مشترك كالمعتاد، تجاوز الموسيقيون في دار الأوبرا المصرية العديد من الصعوبات، وقاموا بتسجيل العزف في المنازل، ثم تكرار عملية المونتاج والتجميع وصولا إلى الأداء المبهر في الحفل الذي قُدم للجماهير في أنحاء العالم.
وعزف الموسيقيون الصينيون والمصريون تسعة مؤلفات موسيقية صينية ومصرية وعالمية عبر الإنترنت في الحفل الذي دام لأكثر من ساعة، وتضمنت المؤلفات المارش المصري، وافتتاحية سلاح الفرسان، وافتتاحية أغمونت، والنهر الأصفر. وشاهد هذه العروض الموسيقية الملايين من مستخدمي الإنترنت في أرجاء العالم.
تفاهم ضمني في التعبير الموسيقي
وصرح فنغ تسي شيانغ، عازف البيانو في أوركسترا لياونينغ السيمفوني الذي شارك في الحفل بدعوة خاصة، بأن موسيقيي البلدين شكلوا تفاهما ضمنيا في التعبير الموسيقي من خلال تنسيقهم المستمر للتدريبات الموسيقية فيما بينهم.
كما أوضح المايسترو سون بو ته هذا الجهد، قائلا “كان علينا تحديد سرعة موحدة لهذه الأعمال قبل كل شيء، ثم قمنا بإدارة خاصة لبعض النواحى من خلال تكثيف التواصل وإجراء الكثير من الاتصالات قبل العرض النهائي.
وقد تابع هذا الحدث العديد من الأصدقاء الصينيين والمصريين، حيث أبدى الشاب المصري يوسف محمد (26 عاما)، رأيه في الحفل لوكالة ((شينخوا)) بعدما شاهده على الإنترنت، قائلا إن “الحفل كان مذهلا ويساهم في توطيد علاقات الصداقة بين الشعبين ويزيد من قوة الترابط بين قلوبهما”.
مأدبة سمعية وبصرية
أما لي شي جون طالب الدكتوراه في كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، فأشار إلى أن الحفل كان بمثابة مأدبة سمعية وبصرية نادرة وجذابة قدم فيها موسيقيون من البلدين موسيقى صينية ومصرية ليكملوا بعضهم البعض ويبثوا مشاعر التفاؤل والأمل في النفوس لنفتح ذراعينا ونستقبل الفجر بعد التغلب على الجائحة بثقة تامة”.
ومن جانبه، ذكر محمد حلمي، المنسق العام المصري للحفل، عقب انتهاء البث أن هذا الحفل الموسيقي المباشر على الإنترنت بنى جسرا ثقافيا بين البلدين، لافتا إلى أن “العديد من المصريين متأثرون بالأداء اليوم، وأنا سعيد جدا برؤية مثل هذا الإنجاز”.
“تنساب مياه النيل العذبة رويدا رويدا، ويمتد سور الصين العظيم في الأفق البعيد. فهما مرتبطان برباط وثيق، رغم آلاف الأميال التي تفصل بينهما”.
هكذا يقول مقطع من أغنية حول مكافحة تفشي الفيروس تحمل عنوان “الإيد فى الإيد” (اسم نسختها الصينية “جنبا إلى جنب”) قام مطربون صينيون ومصريون بغنائها معا في الحفل وكتب كلماتها المستشار شي يويه ون.
الاعتماد على تقنية ال5G
وبفضل الاعتماد على تقنية الـ5G في البث المباشر عبر الإنترنت، استطاع هذا الحفل، الذي تحقق بتعاون موسيقيين صينيين ومصريين معا عن بعد، أن يعكس التكامل المبتكر بين الفن والتكنولوجيا، وأيضا تحويل الأمل المتمثل في “الترابط الوثيق رغم بعد المسافة” إلى واقع.
ولفت المستشار شي يويه ون إلى أن الموسيقيين المشاركين في الحفل من الجانبين الصيني والمصري والبالغ عددهم قرابة المائة لم يقدموا فقط عروضا فنية عالية المستوى لجمهور البلدين، وإنما جسدوا أيضا مثالا ناجحا للتبادل الثقافي والفني الثنائي من خلال العلوم والتكنولوجيا في ظل أزمة فيروس كورونا الجديد.
كورونا ضغطت على زر الإيقاف المؤقت للفنون
في الواقع “خلال فترة تفشي الفيروس، ضغطت صناعة الفنون العالمية على “زر الإيقاف المؤقت”، لكن الموسيقى لم تغب على الإطلاق”، هكذا ذكر يانغ شي تاو نائب مدير مجموعة لياونينغ الثقافية للفنون المسرحية التي أبدعت فكرة هذا الحفل السحابي، مضيفا أن لحن “مسيرة النصر” الذي تم عزفه بشكل مشترك عبر الإنترنت قبل شهرين نال إعجاب العديد من الموسيقيين والجمهور في البلدين، وهو ما ألهم الجانبين بفكرة إقامة حفل موسيقي عبر الإنترنت.
إن تقنية الـ5G جعلت من تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع أمرا ممكنا. وفي هذا الصدد، قد قال ليو شي جون، رئيس فريق الدعم الفني للحفل ونائب المدير العام لفرع شركة تشاينا يونيكوم في شنيانغ “هذه المرة، يمكن أن تصل تقنية الـ5G بشكل أساسي إلى 1.8GB في الثانية، بحيث يمكن تحقيق إرسال عالي الدقة في حال الإرسال عن بعد”.
خطة للدعم الفني
وأضاف أن شركته وضعت خطة الدعم الفني لموقع العزف المشترك قبل أسبوع، للتأكد من أن تأخير الحفل سيكون في حدود حوالي 10 مللي ثانية بحيث لا يكاد الجمهور يشعر بالتأخير.
وقال شيويه تشينغ قوه، البروفيسور بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين والأمين العام لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين، إنه من خلال تقنية الـ5G، “استطاع الفنانون الصينيون والمصريون أن يقدموا لنا هذه السيمفونية وكأن الفرقتين تعزفان على مسرح واحد داخل قاعة واحدة”.
كما أشار طالب الدكتوراة لي شي جون إلى أن “البث المباشر لهذا الحفل الموسيقى بالكامل كان سلسا وواضحا للغاية مع الاستعانة بتقنية الـ5G الناضجة، وهو ما منح الجمهور تجربة حسية جيدة جدا”.
توطيد الصداقة الراسخة بين الصين ومصر
“الموسيقى كالعطر الفواح، مليئ برائحة الصداقة…دعونا نحتفل بالصداقة الدائمة بين مصر والصين”. ومع الكلمات الختامية التي جاءت بصوت مقدمة الحفل، أسدل الستار على الحفل السيمفوني السحابي الرائع بعزف اللحن الصيني الشهير “صداقة تدوم إلى الأبد”.
وافق 30 مايو من هذا العام حلول الذكرى الـ64 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر. وفي 17 يونيو الحالي، عقدت قمة الصين-إفريقيا الاستثنائية بشأن التضامن في مواجهة كوفيد-19. وفي هذا السياق، أضاف هذا الحفل السيمفوني السحابي معنى جديدا للتبادل والتعاون الثقافي بين الصين ومصر وبين الصين وإفريقيا في هذه الفترة الخاصة من مكافحة جائحة فيروس كورونا الجديد.
وقال السفير الصيني لدى مصر لياو لي تشيانغ في كلمة وجهها للحفل إنه خلال فترة الجائحة، تتصدى الصين ومصر “للعاصفة في قارب واحد وتتعاونان في السراء والضراء”، وقد عزز هذا الحفل التواصل والصداقة بين الشعبين.
لقاء بين أعظم حضارتين
كما أشارت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم إلى أن الحفل يأتي في إطار “لقاء الحضارات وحوار الثقافات”، مؤكدة أن “الحفل يعد لقاء بين أعظم حضارتين في تاريخ الإنسانية ويجسد الشراكة الإستراتيجية الفكرية بين مصر والصين”.
ومن جانبها، قالت الدكتورة أميمة غانم المستشار الثقافي بسفارة مصر في بكين “إنها أحست بعد مشاهدة الحفل أن العلاقات الودية الصينية المصرية تزداد عمقا ودفئا”.
وأشارت إلى أن “أداء الفنانيين كان رائعا ومتميزا، وأكثر أغنية أعجبتني هي أغنية (الإيد في الإيد) لأنها وليدة الظروف التي يعيشها البلدان في مكافحة الفيروس حيث جاءت كلماتها معبرة وواعدة”.
تذليل الصعوبات
“حقا إن الموسيقي لا تعرف الحدود”، هكذا قالت الخبيرة المصرية هالة أحمد، التي تعيش وتعمل في بكين منذ 9 سنوات، مضيفة أن هذا الحفل “أثبت أن الشعبين الصيني والمصري قادران بالجهد المشترك على تذليل الصعوبات”.
كما أشار الأستاذ شيويه تشينغ قوه إلى أن الصداقة التي تجمع بين الصين ومصر وبين الصين وإفريقيا تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وتعود بالخير على مواطنيهم، كما صمدت أمام اختبار أزمة كورونا، معربا عن ثقته بأن “هذه الصداقة ستزداد دون شك قوة ومتانة”.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال