تواجه السلطة الفلسطينية أشد أزمة مالية في تاريخها في وقت يجمع مراقبون فلسطينيون وإسرائيليون على التحذير من انعكاسات ميدانية وتصاعد التوتر مع إسرائيل.
وتراجعت الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية في الأشهر الأخيرة بنسبة 80 في المائة في ظل أزمة أموال عائدات الضرائب مع إسرائيل وتأثيرات أزمة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19) التي أدت إلى ركود كبير في الحركة الاقتصادية.
ورافق ذلك تراجع حاد في المساعدات الخارجية المقدمة للخزينة الفلسطينية بمقدار النصف وسط اتهامات من مسئولين فلسطينيين للإدارة الأمريكية وإسرائيل بفرض حصار مالي على السلطة الفلسطينية.
“انعكاس مباشر على الوضع المعيشي”
يقول المحلل الاقتصادي من رام الله طارق الحاج لوكالة أنباء (شينخوا)، إن الأزمة المالية الحاصلة تعد الأشد للسلطة الفلسطينية وتمس الوضع المعيشي للمواطنين الفلسطينيين.
ويبرز الحاج أن التأثير المالي له انعكاس سلبي على مجمل الوضع الفلسطيني في ظل المصاعب التي تجابه السلطة الفلسطينية في الوفاء بالتزاماتها لاسيما ملف رواتب الموظفين الحكوميين.
ويشير إلى أن أموال عائدات الضرائب تشكل 60 في المائة من موارد السلطة الفلسطينية وتوقف استلامها في ظل الانخفاض الحاد للإيرادات المحلية يضع صناع القرار في مهمة معقدة.
وأعلنت القيادة الفلسطينية في 17 مايو الماضي التحلل من كافة الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل احتجاجا على الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وبموجب ذلك رفضت السلطة الفلسطينية تلقي عائدات أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل وهو ما قلص من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
ولجأت الحكومة الفلسطينية إلى صرف جزئي لرواتب موظفيها الحكوميين بفعل أزمتها المالية التي دفعتها للاقتراض من البنوك المحلية لتأمين الأموال اللازمة للرواتب.
“بدائل محدودة”
ومع تسجيل أولى الإصابات بمرض فيروس كورونا في فلسطين في الخامس من مارس الماضي، بادر الرئيس محمود عباس إلى إعلان حالة الطوارئ وشمل ذلك فرض قيودا صارمة على الحركة وإغلاقا شاملا للأنشطة الاقتصادية لعدة أسابيع.
وأدى الإغلاق إلى تراجع حاد في الإيرادات العامة من الجباية المحلية بمقدار النصف تقريبا، واستمر الانخفاض رغم تخفيف القيود تدريجيا اعتبارا من منتصف مايو الماضي.
فمن حوالي 150 مليون دولار معدل الجباية المحلية شهريا في الأوضاع العادية، تراجع الاستهلاك بنحو 30 في المائة بدءا من مارس الماضي ، لما بين 40 و80 مليون دولار شهريا في الأشهر التالية بسبب أزمة كورونا بحسب بيانات حكومية رسمية.
وما يعمق الأزمة هو التراجع الحاد للمساعدات الخارجية المقدمة للسلطة الفلسطينية التي تلقت في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري مبلغ 255 مليون دولار بانخفاض نحو 500 مليون دولار مقارنة مع العام الماضي.
ومن حوالي 267 مليون دولار إجمالي المساعدات العربية للحكومة الفلسطينية في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، تراجعت إلى 38 مليون دولار فقط في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بانخفاض 85 في المائة.
ودفعت الأزمة المالية وشح المساعدات الخارجية الحكومة الفلسطينية الى زيادة وتيرة الاقتراض المحلي، ما أدى إلى ارتفاع مديونيتها للبنوك المحلية إلى نحو ملياري دولار حتى نهاية يوليو الماضي.
السلطة الفلسطينية تعاني من المديونية
وبالإجمال ارتفعت المديونية العامة للحكومة الفلسطينية، النظامية وغير النظامية، من حوالي 5.5 مليار دولار نهاية عام 2019، لتتجاوز 7 مليارات دولار نهاية يوليو 2020.
وبوصول الحكومة إلى هذا السقف من الاقتراض من البنوك المحلية، بات من الصعب الحصول على المزيد من القروض المصرفية بحسب ما يؤكد مختصون والذين يحذرون من التداعيات.
وتضاف القروض الخارجية ومن البنوك المحلية إلى تراكم المستحقات على الحكومة الفلسطينية لموردي السلع والخدمات من القطاع الخاص، وصندوق تقاعد موظفي القطاع العام.
“تصعيد ميداني متوقع”
ويقول مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية “ماس” سمير عبد الله لـ (شينخوا)، إن اشتداد الأزمة المالية الفلسطينية يترافق مع توتر بالغ في العلاقات مع إسرائيل.
ويشير سمير عبد الله إلى أن تداخل العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يزيد من صعوبة مهمتها في تجاوز المرحلة بالنظر إلى الالتزامات الكبيرة المفروضة عليها في وقت تعد مواردها محدودة جدا.
وينبه إلى أن تأثيرات الأزمة المالية مرشحة للانعكاس بقوة في صورة تصعيد ميداني “لأن إسرائيل تهدد بمصادرة الحد الأدنى الذي يطالب فيه الفلسطينيون وإخراجهم من التاريخ والجغرافيا فضلا عن تجويعهم”.
وكانت توقعات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني سيتجاوز 16 مليار دولار في 2020، لكن مع بدء أزمة مرض كورونا، تم تخفيض التوقعات إلى 13.6 مليار دولار، بانكماش 13.5 في المائة عن العام 2019.
ووفقا لبيانات الإحصاء فإن نحو نصف مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة فقدوا وظائفهم لتداعيات مرض كورونا على الأنشطة الاقتصادية.
“تقديرات إسرائيلية بالتصعيد”
يقول الكاتب الإسرائيلي ينيف كوفوفيتش في مقال له في صحيفة (هآرتس) العبرية إن كبار المسئولين في جهاز الأمن العام الإسرائيلي حذروا من أن الازمة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية تتفاقم ومن شأنها أن تؤدي إلى توتر ميداني واندلاع “أعمال العنف”.
ويضيف كوفوفيتش أن المسئولين الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب إيجاد حل لاستئناف التنسيق الامني بين الطرفين يساعد الفلسطينيين على مواجهة الصعوبات التي وجدوا أنفسهم فيها بسبب أزمة كورونا والتي تعد “الأكثر خطورة في العقد الأخير”.
وأشار إلى أن تطور الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية في السنوات الأخيرة ضمن لإسرائيل درجة كبيرة من الهدوء، إذ أن الارتفاع في مستوى معيشة الفلسطينيين دفعهم إلى الامتناع عن التصعيد في أعقاب عدد من التطورات الحساسة.
ويبرز كوفوفيتش أن تصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة كان في مواضيع مدنية مثل الرواتب والتقاعد وغلاء المعيشة لكن الأزمة الاقتصادية الحالية غيرت الصورة بما في ذلك احتمال سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية.
يشار إلى أن هذه المقالة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.