أصبحت مدينة كونمينغ في جنوب غرب الصين، التي أشاد بها الكثيرون كواحدة من أكثر الأماكن تنوعا بيولوجيا في العالم، محط اهتمام العالم لاستضافتها الاجتماع الخامس عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (كوب15).
وفي الوقت الذي يتسارع فيه انقراض النباتات والحيوانات بمعدل ينذر بالخطر، فإن “مدينة الربيع الأبدي” نفسها تمثل تذكيرا قويا بضرورة أن يكون المجتمع العالمي أكثر اتحادا وطموحا وفعالية في إنقاذ النظم البيئية لكوكب الأرض من المزيد من الدمار. ومن خلال عقد هذ الاجتماع، تبعث الصين أيضا برسالة واضحة مفادها أنها مستعدة للعمل مع الدول الأخرى في بناء مجتمع يضم جميع أشكال الحياة على الأرض.
وبينما حققت الصين بعض التقدم الملحوظ في السنوات الأخيرة على صعيد حماية الحيوانات البرية وتحسين أنظمتها البيئية، فإن العمل على ترك كوكب أكثر خضرة واستدامة لا يمكن تحقيقه إلا بطريقة جماعية.
وقد أظهر إعلان كونمينغ، الذي اعتمد يوم الأربعاء (يوم 13 أكتوبر) في مؤتمر كوب15 الجاري، إرادة سياسية دولية واسعة إزاء التنوع البيولوجي حيث يلتزم بضمان صياغة واعتماد وتنفيذ إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 لعكس مسار الفقد الحالي للتنوع البيولوجي وضمان سير التنوع البيولوجي على طريق الانتعاش بحلول عام 2030 على أقصى تقدير، وذلك لتحقيق رؤية 2050 بشكل كامل المتمثلة في “العيش في وئام مع الطبيعة”.
ولإدراك هذه الغايات، حث الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه الذي ألقاه عبر الفيديو أمام كوب15 يوم الثلاثاء (يوم 12 أكتوبر)، المجتمع الدولي على “تعزيز التعاون وبناء توافق في الآراء وتضافر القوى”.
وفي ظل الظروف العالمية الحالية، تحمل دعوة الرئيس شي إلى تعاون أقوى متعدد الأطراف في التنوع البيولوجي أهمية أكبر.
فمن ناحية، لم يكن فقد التنوع البيولوجي من قبل يمثل خطرا وشيكا يهدد بقاء الجنس البشري. وبينما تزايد الوعي العالمي منذ فترة بحماية التنوع البيولوجي، إلا أن الإجراءات كثيرا ما كانت قاصرة. ونتيجة لذلك، باتت البشرية تتحمل العبء الأكبر عن جهلها وتقاعسها عن العمل: الكوكب آخذ في الاحترار؛ الأنواع آخذة في الاختفاء؛ النظم البيئية آخذة في التدهور؛ وظواهر الطقس المتطرفة تتجلى في جميع أنحاء العالم.
وكما قال تقرير الإصدار الخامس للتوقعات العالمية للتنوع البيولوجي الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة: “الإنسانية تقف عند مفترق طرق فيما يتعلق بالإرث الذي نرغب في تركه للأجيال القادمة. التنوع البيولوجي آخذ في التراجع بمعدل غير مسبوق، والضغوط الدافعة لهذا التدهور تتزايد”.
ومن ناحية أخرى، بينما تتزايد الحاجة إلى تعزيز التعددية، فإن الجهد على العمل بحد ذاته يواجه تحديا شديدا، حيث تسعى بعض البلدان المتقدمة المنخرطة في مقاربات صفرية إلى توحيد القوى فيما بينها من أجل الهيمنة العالمية بذريعة التعددية. وهذه الحيلة الأنانية من شأنها أن تقوض بشدة جهود العالم المشتركة لتعزيز الرفاهية العامة للبشرية على كافة الجبهات، بما في ذلك تعزيز التنوع البيولوجي.
إن نافذة البشر للتوبة والعمل تضيق. ووفقا لتقرير صاغته اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، لمنع ما وصفه العلماء بحدث الانقراض الجماعي السادس في تاريخ الأرض، والذي يهدد بقاء البشرية جمعاء تقريبا، يجب حماية ثلث محيطات العالم وأراضيه بحلول عام 2030. وهذا يترك للمجتمع العالمي أقل من عشر سنوات لبناء توافق في الآراء والبحث عن حلول.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مؤتمر كوب15 قائلا: “نحن بحاجة إلى إجراءات جريئة”، كما دعا البلدان إلى دعم البلدان النامية بالموارد المالية الكبيرة ونقل التكنولوجيا من بين أمور أخرى.
وهذا هو بالضبط ما كانت الصين تدعو إليه وتقوم به طوال الوقت. وشهد الاجتماع الجاري أيضا وعودا جديدة من الصين، بما في ذلك إنشاء صندوق كونمينغ للتنوع البيولوجي لدعم حماية التنوع البيولوجي في البلدان النامية، وقد تولت الصين زمام المبادرة باستثمار 1.5 مليار يوان (حوالي 233 مليون دولار أمريكي).
وفي الوقت نفسه، لتحقيق هدفها المتمثل في بلوغ ذروة الكربون وحياد الكربون، ستضع الصين أيضا إطار سياسة “1+N”، مع مواصلة تعديل هيكلها الصناعي ومزيج الطاقة. وفي وقت سابق من الشهر الماضي، تعهدت بكين بعدم بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج، دعما للطاقة الخضراء والمنخفضة الكربون في العالم النامي.
إن معركة عكس اتجاه تدهور التنوع البيولوجي شاقة ويجب الفوز بها. وفي الكفاح من أجل تحقيق مستقبل مشترك أفضل للبشرية، ستواصل الصين المضي في حديثها واحترام المعنى الحقيقي للتعددية، غير أن النصر النهائي يمكن تحقيقه فقط إذا انضم الجميع إلى المعركة.