نظمت جمعية نهضة العلماء الإندونيسية، أكبر جمعية إسلامية في العالم ويتجاوز عدد أتباعها 120 مليون شخص، حفل استقبال حاشد للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، بحضور قادة الأديان ورموزها المختلفة في إندونيسا من الكاثوليك والبروتستانت والبوذية والهندوسية والكونفوشيوسية، بالإضافة إلى الآلاف من قيادات الجمعية ورموزها وشبابها وفتياتها الذين حضروا حفل الاستقبال، ومئات الآلاف الذين تابعوا فعاليات الحفل من خلال البث المباشر.
وفي كلمته خلال الحفل الذي انعقد تحت عنوان “الحوار والوئام بين الأديان والحضارات”، قال شيخ الأزهر: إن الأديان هي رسالة سلام إلى البشر، بل وإلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وعلينا أن نعلم أن الإسلام لا يبيح للمسلمين القتال إلا في حالة واحدة، هي دفع العدوان عن النفس والأرض والوطن، مؤكدا أنه لم يحدث قط أن قاتل المسلمون غيرهم لإجبارهم على الدخول في دين الإسلام، لأن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من منظور العداء والتوجس والصراع، بل من منظور المودة والأخوة الإنسانية، وهناك آيات صريحة في القرآن تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم -أيا تكن أديانهم أو مذاهبهم- هي علاقة المودة والبر والإنصاف.
واختتم: “لعل الخطوة التي خطوناها سويا أنا وأخي البابا فرنسيس، وربما لأول مرة في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية، وأثمرت وثيقة الأخوة الإنسانية التي يعرفها العالم اليوم من أقصاه إلى أقصاه، واعتمدت الأمم المتحدة يوم إعلانها في الرابع من فبراير يوما دوليا للأخوة الإنسانية، لعل هذه الخطوة تسهم قليلا أو كثيرا في إذابة الجليد المتراكم من سوء الفهم والتوتر والتباعد بين أتباع المذاهب والأديان في الشرق كما في الغرب، وبخاصة في أوقات الحروب والأزمات، لافتا إلى أن مثل هذه اللقاءات سوف تؤتي ثمارها المرجوة -إن شاء الله- إذا ما خلصت النيات، وصحت العزائم، وصفت القلوب، وصحت العقول، فهل من أمل في أن يخفف الغرب من غلوائه وكبريائه، ويتخفف الشرق من هواجسه وسوء ظنونه، ليلتقي كل منهما بالآخر في منتصف الطريق لقاء تعارف ومودة، وتبادل خبرات ومنافع، وتعاون حقيقي من أجل سلام دائم وحضارة آمنة؟!”.
من جانبهم، أعرب قادة الأديان ورموزها عن ترحيبهم الكبير بالإمام الأكبر شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، مؤكدين أنه يعد رمزا للسلام والتسامح، وأنهم دائما ما يستلهمون من جهوده الداعية دائما إلى نشر قيم الحق والخير والعدل والأخوة الإنسانية، في نشر روح السلام والتعايش وقيم المواطنة، فيما أعرب الحضور من جمعية نهضة العلماء عن حبهم وتقديرهم للإمام الأكبر والأزهر، حيث أشاروا إلى أنهم يحرصون دائما على الاقتباس من نور الأزهر الشريف وعلمائه المخلصين الذين ينشرون الفكر المستنير حول العالم.
ورحب ياقوت خليل قوماس، وزير الشئون الدينية الإندونيسي، بالزيارة الثالثة لشيخ الأزهر في إندونيسيا، استجابة لدعوة الرئيس الإندونيسي، مؤكدا أن هذه الزيارة تمثل أهمية كبرى لما يحظى به الإمام الأكبر من حب وتقدير كبيرين في قلوب الإندونيسيين، التي تربى علماؤها على يد علماء الأزهر، ومشوا بنور علمه، وبركة أساتذته المخلصين.
فيما أعرب الرئيس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء الإندونيسية عن سعادته بتلبية شيخ الأزهر الدعوة لحضور الاحتفالية التي أقامتها الجمعية بمناسبة زيارة فضيلته لإندونيسيا، مشيرا إلى حرص أكثر من 300 من رؤساء الجامعات التابعة للجمعية، بالإضافة إلى آلاف الأعضاء، على الحضور لرؤية شيخ الأزهر، ومتابعة مئات الآلاف لفضيلته من خلال المنصات الرقمية للجمعية، وأن هذا يدل على محبتهم لشخصية الإمام الأكبر والأزهر الشريف.
وألقى باهنا بانافارو، ممثل الطائفة البوذية في إندونيسيا، كلمة أكد فيها على امتنانه لاستقبال شيخ الأزهر، هذه الشخصية المعروفة عالميا بجهوده في إرساء الحوار والتعددية، مضيفا “بصفتي ممثلا البوذيين، أعبر عن امتنانى لهذه الزيارة العزيزة لكل الإندونيسيين وليس المسلمون فحسب”، مشيرا إلى متابعة الطائفة البوذية في إندونيسيا لمواقف شيخ الأزهر وكلماته التي تحض على التفاهم والتعايش المشترك، ودفع عجلة الحوار والتقارب بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة.
كما ألقى الأب جومال جولتوم، ممثل الطائفة البروتستانتية في إندونيسيا، كلمة ترحيبية بشيخ الأزهر قال فيها “باسم الكنائس المسيحية في إندونسيا، نعبر عن امتناننا وسرورنا بالتواجد اليوم للترحيب بفضيلتكم في بلادنا، لقاؤنا اليوم هو خطوة مهمة نحو المضي قدما في عقد عدد من اللقاءات المشتركة لزعماء الأديان في بلادنا، ونحن محظوظون بالتواجد بين هذه الكتلة الإسلامية الكبيرة، التي تمثل أكبر دولة إسلامية في العالم، مؤكدا سعي إندونيسيا للحفاظ على التعددية والتنوع والانسجام والتناغم بين كل أطياف المجتمع.
من جهته، قال الدكتور مانغكو فاستيكا، زعيم الطائفة الهندوسية في إندونيسيا، أن زيارة شيخ الأزهر أتت بروح السلام، في وقت يفتقر العالم فيه لهذه الروح في ظل الصراعات والاحترابات المنتشرة، معربا عن تقديره لجهود الإمام الأكبر في نشر الأخوة والتعايش والاحترام المتبادل، وسعادته بهذا اللقاء الذي نظمته جمعية نهضة العلماء لاستقبال شيخ الأزهر، مؤكدا أن “نهضة العلماء” هي أحد ركائز المجتمع الإندونيسي في الحفاظ على أمنه واستقراره والحفاظ على العلاقة الطيبة بين أتباع الديانات المختلفة.
فيما قال الدكتور بودي تانور ويبوو، زعيم الأمة الكونفوشيوسية في إندونيسيا: “نرحب بفضيلة الإمام الأكبر في بلادنا، إنها حقا زيارة أمن وود للجميع، ندعو الله أن يمن على فضيلته باستكمال جهوده في إرساء السلام والمحبة لتعم العالم كله، وليصبح العالم أكثر تناغما وانسجاما وتربة خصبة تحتوي الجميع وتضمن لهم حقوقهم وواجباتهم”.
وأكد الكاردينال سوهاريو، ممثل الكاثوليك في إندونيسيا، أن شيخ الأزهر هو داعية للسلام وإنه لشرف كبير أن نلتقيه في إندونيسيا، لقد تمنيت هذا اللقاء منذ فترة طويلة، وازدادت الرغبة لدي بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية عام 2019، التي قمنا بتعميمها على مختلف الكنائس في إندونيسيا، كما أوحت إلينا بتقديم كتاب عن التعايش من تأليف عدد من قادة الأديان في إندونيسيا، ونأمل في استكمال جهود الإمام الطيب لدفع عجلة الخطوات والتقارب بين أتباع الثقافات والديانات المختلفة.
وفي نهاية الاحتفالية، سلم الرئيس التنفيذي لجمعية نهضة العلماء الإندونيسية درع “نهضة العلماء” لشيخ الأزهر تعبيرا عن حب الشعب الإندونيسي وسعادتهم بهذه الزيارة الكريمة.