بقلم رجائى عطية
السيدة عائشة التيمورية
المتوفاة سنة 1902
تنتمى عائشة التيمورية إلى أسرة أدبية عريقة فى الأدب، من أعلامها محمد تيموروأخيه محمود تيمور، ولهم على الفكر والأدب أيادٍ حيث أهدوا « المكتبة التيمورية » وهى من أندر وأثرى المكتبات، إلى دار الكتب المصرية.
ومع ذلك أبت عليها والدتها التفرغ للكتابة والأدب، لأن التفرغ لهما لم يكن آنذاك محمودًا من البنات، ومن ثم كانت تعنّفها على تركها التطريز وما إليه من دروس التربية النسائية، وتنتقد إقبالها على الكتب والدواوين واصغائها إلى الكتاب الذين كانوا يترددون على القصر، ويعملون فيه إلى زمن غير بعيد.
بيد أن أباها كان يقدر رغبتها ولعله أحس بموهبتها، فكان يطلب من أمها أن تدعها للقرطاس والقلم، وأن تؤدب أختها بما شاءت من الحكم.
ورتب لها أبوها المعلمين فى اللغتين العربية والفارسية، والمعلمات فى العروض وما إليه، حتى درست فى هذه الفنون ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ خير ما كان يدرسه أبناء ذلك الجيل.
وضارعت عائشة التيمورية فى النظم ـ فيما يرى الأستاذ العقاد ـ أحسن من نظموا فيه، وأنه باستثناء شعر البارودى والساعاتى، يعلو شعرها إلى أرفع طبقة ارتفع إليها أدباء مصر فى أواسط القرن التاسع عشر إلى عهد الثورة العرابية.
ويرى الأستاذ العقاد أن نبوغها لم يكن فقط مسألة تعليم واطلاع، او إتقان اللغات، وإنما لموهبتها، وأنه لم يقرأ لمن نشأن بعدها نظمًا يضارع نظمها ولا شاعرية تقارب شاعريتها.
المسألة أن الاستعداد للشعر نادر.
وأنه بين النساء أندر.
فقد تحسن المرأة كتابة القصص أو التمثيل أو الرقص الفنى وما إليه من ضروب الفنون الجميلة. ولكنها لا تحسن الشعر، لأن الأنثى أدنى إلى كتمان عواطفها وإخفائها، وذلك يحول بينها وبين التعبير الصادق عن إحساسها، وهو أساس الشعر.
ولا ينفى هذا أن الأنثى قد تعبر عن الحزن، وتجيد فى الرثاء كما كانت «الخنساء» وغيرها من الجوارى والعقال فى الدولتين العباسية والأندلسية.
بل وقد تعبر الأنثى عن الغزل وتبدع فيه كان أبدعت « سافو » أشعر من نظمت فى الغزل، إلاَّ أنها لم تكن فى نظمها معبرة عن طبيعة الأنثى.
وقد إطردت هذه القاعدة ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ فى شعر السيدة عائشة التيمورية، فكان أصدقه وأجوده ما نظمته فى رثاء ابنتها « توحيدة » التى رحلت فى ريعان شبابها. وفيها تقول :
أماه، قد عز اللقاء وفى غد
سترين نعشى كالعروس يسير
وسينتهى المسعى إلى اللحد الذى هو
منزلى وله الجموع تصير
قولى لرب اللحد رفقًا بابنتى جاءت عروسًا ساقها التقدير
ثم تقول :
أماه ! لا تنسى بحق بنوتى قبرى لئلا يحزن المقبور
ثم تقول :
صونى جهاز العرس تذكارًا فلى قد كان منه إلى الزفاف سرور
ومن يسمع هذه الأبيات يحس أنها رثاء والدة تنفجع على عزيزتها كما تنفجع الثكلى وتذكر لهيب حزنها.
● ● ●
أما الغزل، فلم يكن شعرها فيه ألاَّ من قبيل « تمرين اللسان » كما قالت غير مرة، ولم يكن من شعر السليقة قولها:
فيا إنسان عينى غاب عنها وبدلنى به طول الملال
عسى ألقاك مبتهجًا معافى وأصبح منشدًا أملى صفالى
لتهنأ مقلتى بسنا حبيب
بديع الحسن محمود الخصال
وأنظم أحرفى كالدهر عقدًا
به جيد الصحائف كان حالى
ولا قولها:
أبيت ومؤنسى الخفاش ليلاً
وحالى معه شر الحالتين
فذاك بنور عينيه مهنى
ولى أسف بحجب المقلتين
وأبسط للظلام أكف بثى
وأشقى لوعة بالظلمتين
ترانى معرضًا عن كل ضوء
فهل خاصمت نور النيرين
والمطبوع من هذه الأبيات ـ فيما يقول الأستاذ العقاد ـ هو شكوى الظلام وضعف البصر، وهى حالة طرأت فعلا على الشاعرة بعد فقد بنتها لطول سهادها وبكائها عليها.
وقد كانت السيدة عائشة التيمورية تمثل جانبًا من الحياة المصرية فى القرن التاسع عشر، هو جانب الحذر التركى المصرى أو المتمصر.
ولم يكن شعورها حتى فى إبان الثورة العرابية وحتى بعد نفى زعمائها، إلاَّ كشعور البيئة التى عاشت فيها. فكانت تقول عن زعماء الثورة بعد نفيهم والتنكيل بهم :
ظلموا نفوسهم بخدعة مكرهم
والمكر يضمى أهله ويحيق
فرقت شمل جموعهم فمكانهم
فى الابتعاد وفى الوبال سحيق
ويحسب الأستاذ العقاد أنها لو لم تكن فريدة فى طرازها لكونها الشاعرة الوحيدة من بنات جيلها، لكانت فريدة فى تمثيل البيئة التركية المصرية فى زمنها.
www. ragai2009.com